المسارات.. الفلسطينيون يمشون فوق أرضهم لدحض مزاعم الاحتلال
بدأ الفلسطينيون رسميا عام 2000 بتنظيم مسارهم الموسمي باسم "إبراهيم عليه السلام" وتحول لاحقا لمسار "فلسطين التراثي" ثم تفرعت عنه مسارات أخرى، منها "مسار الميلاد" ومسارات لفرق المتصوفة
كأن الشاعر الراحل محمود درويش يحاكي بقصيدته "ولنا بلاد" واقعا يعيشه الفلسطيني غسان دويكات أحد رواد المسارات، وينسج عبره حكاية وطن تكتمل أركانه باكتشاف تفاصيله الغائبة عنا وتحضر لديه بقوة.
ولنا بلاد لا حدود لها،
اقرأ أيضا
list of 4 itemsشاهد.. فلسطيني ثمانيني وقصة صمود في أرض تسرق يوميا
بالفيديو- أشجار "دير بلوط".. اقتلاع بالجملة واجتثاث إسرائيلي للأرض وأصحابها
الأدراج الفلسطينية.. سبيل آخر للثقافة والعلم
كفكرتنا عن المجهول، ضيقة وواسعة
بلاد حين نمشي في خريطتها تضيق بنا،
وتأخذنا إلى نفق رمادي،
فنصرخ في متاهتها: وما زلنا نحبك…
قبل عقد من الزمن نشطت وبقوة حركة المسارات الجماعية كأحد ألوان السياحة الداخلية الفلسطينية، والقليل منها الذي تجاوز فكرة المشي والرياضة والترفيه وراح للأعمق، فصب جل اهتمامه بالمعرفة والتوثيق للأماكن التي يزورها.
ثمة مجهول يسعى دويكات الباحث في التاريخ المحلي الفلسطيني لكشفه بمساراته التي يقسمها لأنواع ثلاثة، الأول يكون فيه مشاركا ضمن فريق، والثاني وهو "تجوال العزف المنفرد" يقوده بنفسه ويرافقه بعض من سكان المنطقة ممن يملكون معلومات عن المكان.
والثالث يحل فيه ضيفا لدى مجموعة من الزوار لمكان تاريخي يكون دليلهم فيه، وبالنسبة له فهو يفضل النوع الثاني.
وفي كل المسارات يوقد دويكات جذوة الأمل في الأماكن التي يزورها بشروحات وافية ومعلومات موثقة بحذافيرها يكاد يجهلها السكان أنفسهم كما هو حال قرية "سِب" وقبورها التاريخية شمال مدينة طولكرم بالضفة الغربية.
الغوص في الأعماق
وليست المقامات الدينية والمعالم التراثية والقرى والخرب المهجرة إلا جزءا يسيرا على لائحة مسارات دويكات، فهو يبحث عن جذور الحياة القديمة للفلسطينيين كطرق جمع المياه والتزود بها عند السكان البدو في صحراء مدينة أريحا أو طرق قطع الصخور بواسطة الخشب المشرب بالماء.
أو يلقي المسار بظلاله على معالم طبيعية وأخرى جغرافية وبيئية تتعلق بحيوانات المكان أو نباتاته، أو يطرق باب الحياة الاجتماعية للسكان وسبل عيشهم.
ويبدأ المسار التوثيقي لدويكات -الذي يحتفي هذه الأيام بالسنة السادسة لإطلاق مساره- بالإعداد الجيد للأدوات المطلوبة كالورقة والقلم ومتر القياس والهاتف النقال لغرض التصوير.
ويقول للجزيرة نت إنه يغوص عمق أي مكان معتمدا على امتداده التاريخي ومكتشفاته الأثرية وما يجمعه من معلومات الشهود والمراجع العلمية المختلفة، ثم ينشر معلوماته مدعمة بالصور والرسومات والشرح الكافي حوله.
وهذا "سر تميزه" عن الآخرين الذين همهم المشي والترفيه فقط، دون أن يتركوا بصماتهم في المكان وحوله.
دحض مزاعم الاحتلال
نحو 50 مسارا نظمها دويكات حتى الآن، ووثق عبرها عشرات المواقع من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها، يجمع فيها بين الرياضة والاستمتاع بالطبيعة، ويميزها أكثر بالتوثيق فيجعلها قريبة ممن لم يرها واقعا ويصحح أي فهم خاطئ عنها.
ورغم إبدائه انبساطا من تزايد المسارات فإن دويكات يحذّر من خطر الانزلاق وراء الرواية الإسرائيلية بتبني تلك المواقع وتزييف أسمائها الفلسطينية وتحويلها للعبرية، وهو ما يتطلب وعي المشائين الفلسطينيين ودورا رسميا للمؤسسات المختلفة، ولا سيما وزارة السياحة الفلسطينية بتنظيم مسارات تفند أكاذيب الاحتلال وتدحض ادعاءاته.
عام 2000 بدأ الفلسطينيون رسميا بتنظيم مسارهم الموسمي "واليتيم" باسم "إبراهيم عليه السلام" والممتد من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها بطول 330 كلم، وتحول لاحقا إلى مسار "فلسطين التراثي".
وتفرعت عن هذا المسار مسارات أخرى، ولا سيما "مسار الميلاد" من مدينة الناصرة شمال فلسطين المحتلة إلى مدينة بيت لحم جنوبها ومسارات لفرق المتصوفة.
والمعضلة -من حيث الدور الرسمي- تتجاوز لدى خبراء المسارات وروادها مراحل الإعداد والترتيب إلى غياب الفعل الحقيقي بالوصول للأماكن المهددة احتلاليا وعدم متابعة الأدلّاء الذين "تنقصهم الخبرة والوطنية" بتسمية الأماكن بأسمائها الفلسطينية الأصلية.
وهذا القول يتبناه أنور دوابشة ربان المسارات الفلسطينية وخبيرها، فهو يرى أن المشي ليس هدفا للمسار، بل وسيلة للتعريف بالأرض الفلسطينية وترسيخ هوية معالمها ومواقعها الأصلية.
بعد العام 2000 شرع دوابشة في تنظيم المسارات، لكن عوده اشتد فيها قبل 10 سنوات وأضحت جزءا من حياته ونشاطا أسبوعيا، لهذا فهو لا يملك إحصائية ثابتة لعددها، ويقول "ربما مشيت 500 مسار مع الفلسطينيين، ومثلها مع السياح الأجانب".
مجابهة على كافة الصعد
على جداره في الفيسبوك كتب دوابشة لمن هموا بالخروج معه بمسار "سنتحدث بلغة أودية المشاش والمربعات والدرجة والبحيرة المالحة"، وهي أماكن قرب مدينة أريحا وهذا اسمها الأصلي وفق "أطلس فلسطيني التاريخي" المعتمد في مساراته.
وتحت اسم "عشاق الطبيعة" يطلق دوابشة الموسم الثامن من مساراته، ويضيف سنويا 15 مسارا جديدا لتعريف الكل بالأرض وإغناء القاموس الوطني بمسمياتها وتقاليدها الأصيلة وحياة الفلسطينيين القديمة فيها.
ويقول دوابشة في حديثه للجزيرة نت إن الصندوق القومي اليهودي أضاف منذ قيام دولة الاحتلال 66 ألف اسم توراتي على أماكن فلسطينية كالجبال والأودية والخِرب الأثرية "دون أي جهد فلسطيني للتصدي لذلك".
وسعى شخصيا لأن تكون المسارات ضمن أجندة وزارة التربية والتعليم، لكن مسعاه لم يلق اهتماما رسميا بعكس ما يفعله الاحتلال الذي لا ينفك يسيّر رحلات لطلبة المدارس والجامعات، ورغم ذلك فهو يسعى لإصدار كتابه الذي يعنونه بشعار مساراته "هنا فلسطين".
وتشير الإحصائيات -حسب دوابشة- إلى وجود 2240 مسارا في الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة، منها 15 مسارا فقط في القطاع، وفعليا لا ترتقي لمستوى المسارات ومعاييرها، و66 مسارا في الضفة الغربية، بعضها غير مكتملة الشروط والمعالم وبجهود فردية.
أما الباقي فهي مسارات إسرائيلية على الأرض الفلسطينية التاريخية ليصبح عدد مسارات دولة الاحتلال 25 ألفا و259 مسارا.
يحمل دوابشة ومعه دويكات رسالة ذات بعد وطني وديني وتثقيفي في توثيق فلسطينية الأماكن عبر المسارات والتصدي للاحتلال وادعاءاته والتي كان آخرها الترويج العالمي "للسياحة الاستيطانية".