عيديات زمن كورونا اقتصاد بالنقد وإرسال عن بُعد
من الجيب إلى يد الطفل، هكذا كانت العيديات تمنح، فيرقص القلب. ولكن مع منع التجمعات أثناء الأعياد بسبب كورونا، وجد البعض أفكارا للحفاظ على فكرة العيدية بإرسالها عبر البريد المضمون.
لصباح عيد الفطر قيمته وبهجته، فهو يأتي بعد شهر من الصيام والطاعات، وله قيمة اجتماعية عالية، فالعائلات تنتظره كبيرها وصغيرها، ويتسابق الناس في القرى غالبا لإلقاء تحية العيد، ويتطلع الأطفال للحصول على العيدية.
وجرت العادة كل عام أن يستيقظ الآباء مبكرا ويصطحبون أولادهم إلى صلاة العيد، وتنشغل الأمهات بإعداد الضيافة، لكن جائحة كورونا غيرت كثيرا من هذه المظاهر والعادات، للعام الثاني على التوالي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsكورونا يغيّر عادات الناس في لبنان.. طارت العيدية واحتفالات العيد
كورونا ضيف ثقيل في العيد.. خطوات لتجنب الشجار الزوجي خلال العزل المنزلي
أطفال سوريون لاجئون في لبنان.. بانتظار هدية وعيدية
العيدية فرنك
يروي الحاج عمر سنو (79 عاما) للجزيرة أنه منذ السنة الماضية لم يذهب إلى الجامع، ومر عيد الفطر السنة الماضية وعيد الأضحى وأولاده لا يسمحون له بالخروج إلا إلى حديقة المنزل والمستشفى بسبب وضعه الصحي، خاصة أنه يخضع لغسل الكلى مرتين أسبوعيا. ويتحسر سنو على ما آلت إليه الظروف مع الحجر الصحي، ويدعو أن يسامحه ربه على تقصيره.
ويتذكر الحاج سنو العيد في الماضي، حيث كانت شوارع العاصمة بيروت تزدحم بالأفراح والناس "كنت أذهب وعائلتي إلى أخي الأكبر ونمشي معا مع عائلته إلى بيت أخينا الأكبر سنا ونجتمع أخيرا لدى الأخ الأكبر المرحوم أبو علاء بعد وفاة الوالدين، ويبدأ الهرج والمرج".
يقول إنهم كانوا يسيرون كعشيرة، ومثلهم باقي العائلات الذين يجتمعون لدى كبير العائلة حيث تنتظرهم القهوة والشاي والمشروبات وأنواع الحلويات التي حضرت على مدى 3 أيام.
أما الأكثر فرحة فهم الأطفال الذين يكونون بانتظار العيد على أحر من الجمر. ويذكر عمر طفولته والحرمان من الخروج أيام الصيام، وبدء تجربة العبادات والصلاة والصيام، واضطرار الأطفال الالتزام ببرامج أهلهم طوال شهر. لكنهم كانوا يكافئونهم بالعيدية وطيب الحلويات والركض إلى الحديقة (حرج بيروت) للعب بالمراجيح والألعاب، وينفق الأطفال عيدياتهم في شراء الألعاب والحلويات واستئجار دراجات هوائية.
ويذكر عمر أن والده كان يعطيه فرنكا أي 5 قروش عيدية، ويتصاعد عدد القروش مع العمر ليصل إلى أخيه الكبير ربع ليرة أو 25 قرشا.
ويضيف "كنا قنوعين جدا ونفرح بأي قرش يصل لجيبتنا. أما جيل اليوم فيريد الهدايا والألعاب والعيديات ولا يعرف كيف يفرح بها. كنت أعطي أحفادي في العيد مبالغ ما بين 30 ومئة ألف ليرة، وكانت تساوي ما بين 20 و65 دولارا، وأصبحت تساوي دولارين ونصف إلى 8 دولارات تقريبا. ولا أعرف ماذا سأفعل بعد".
هدايا رمزية
حول العيديات وقيمتها، تعتبر سمر رستم أن العيديات فقدت قيمتها تماما مثل الليرة، ولكن مع هذا تقدم أفكارا ابتكارية حتى لا تنطفئ فرحة الأطفال تماما. ورغم أنها تفضل إعطاء المال لتعليم الطفل كيفية إدارته وملاحظة شخصيته، إلا أنها تجد أن توجيههم لفهم المجتمع وقدرة أهلهم لها الأولية.
وتقول إنها قررت هذا العام شراء الهدايا من بعض المواقع التي ما زال سعرها مقبولا. وتعتبر أن الوقت ليس مناسبا للتبذير بل لتعليم الأولاد أولويات الحياة كون الظروف الاقتصادية ذاهبة للأسوأ.
وعن الهدايا التي ستقدمها بدل العيديات فهي عبارة عن ثوب لابنتها، وبطاقة تعليم عزف الناي لابن أختها، وأدوات رسم لابنة أختها، وحذاء طبي لابن أخيها وعمره سنة، وبدل إيجار 3 أشهر لمنزل والدتها وهو ما درجت على تقديمه لها كل عام.
إرسال العيديات بالبريد
من الجيب إلى يد الطفل، هكذا كانت العيديات تمنح. فيرقص قلب الطفل ما إن يمد الرجل يده إلى جيبه أو تفتح المرأة حقيبتها، فينتظر النقود ويجمعها ويخطط كيف سيصرفها أو يدخرها.
ولكن مع منع التجمعات أثناء الأعياد بسبب كورونا، وجد البعض أفكارا للحفاظ على فكرة العيدية بإرسالها عبر بريد مضمون. بحيث يأتي الساعي بمظروف فيه النقود مجتمعة. وفي اتصال هاتفي يخبر المرسل كيفية توزيع المبلغ بين الأولاد بالتساوي أو حسب العمر.
رندا عبد الله التي تعيش في الولايات المتحدة تقول إنها سترسل عبر شركة تحويل الأموال إلى عائلة أختها في بيروت العيديات وهو عبارة عن مبلغ واحد يتم تقسيمه على أولاد أختها وأمها ووالدها بنسب مختلفة.
وتقول إنها للسنة الثانية على التوالي لم تستطع أن تكون مع العائلة في العيد، وإنها تفتقد الفرح في عيون الأطفال بانتظار عيدياتهم. وما يعزيها أن المبلغ الذي سترسله بالدولار أصبح أكثر قيمة في لبنان. فهي كانت تقدم لكل من والدتها ووالدها مئة دولار، ولأولاد أختها بين 20 و50 دولارا.
وتضيف أن أختها مها ستحضر مثل كل عام غداء العيد، وأنها ستكون وعائلتها على الطرف الآخر من العالم وفي وقت مبكر من الصباح عبر زوم للمشاركة وإن افتراضيا في فرحة العيد.
رندا ترفض أن ترسل لها أختها عيدية لأن الوضع الاقتصادي في لبنان منهار، وتقول "يكفي أن مها ما زالت حاضرة مع الأهل للاهتمام بهم طوال فترة سفري وبعدي منذ 10 سنوات، والاهتمام بحاجياتهم المادية والمعنوية بمساهمة متواضعة مني، أحاول دوما تعويضها عندما أستطيع".
عيدية من ذهب
أما حسان كريم فيحرص على شراء الذهب لزوجته ولابنته كل عيد. ويعتبر أنه استثمار جيد، حيث "تلبسان القطع (الذهبية) لفترة من الزمن، ثم أبيعها عندما يرتفع سعر الذهب. وما إن ينخفض حتى أشتري لهما وأحيانا لأختي قطعا جديدة أحتفظ بها إلى يوم العيد".
ويقول إنه كان يفعل ذلك مع والدته قبل أن يتزوج، وبقي على هذه العادة إلى أن رحلت. ويذكر أنها كانت تتباهى بها وتفرح، وكان الناس يظنون أن لديها الكثير من الذهب، لكنها في الواقع كانت قطعا معدودة وتتبدل دوما.
وكان أحيانا يهديها عملات ذهبية، ووجد بعضها في ظرف كتب عليه اسمه بعد وفاتها، ويقول إنه لن يبيعها أبدا، فهي تذكار من والدته.