الماجينا وعادات أخرى.. تقاليد رمضان في بغداد تصارع الاندثار
تقوم بعض الفضائيات العراقية منذ عدة سنوات بإنتاج برامج للاحتفاء بالتقاليد التراثية البغدادية، التي تشهد انحسارا كبيرا، ومن بينها الماجينا
بين جدران بغداد العتيقة نشأت العديد من العادات والفنون، عفا على بعضها الزمن وانقرضت آثارها، وبقي البعض الآخر تمارسه مجموعات قليلة هنا وهناك، مع زحف أنماط الحياة الحديثة وتوطنها، في العاصمة ومدن عراقية أخرى.
وقبل بضعة عقود كانت كثير من هذه التقاليد ما تزال حية، خاصة تلك التي تمارس في المناسبات والأعياد، وفي مقدمتها تقليد "الماجينا"، وهو عبارة عن تجمع لأطفال صغار في ليالي رمضان، يتجولون جماعات بين الأزقة، ويطرقون الأبواب للحصول على الحلوى أو الأطعمة من ساكنيها.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsطرب له الشعشاعي ولطريقته الفريدة في الانتقال بين الأنغام.. الحافظ خليل إسماعيل الصوت العراقي الشجي في تلاوة القرآن الكريم
شيف اليوم أحمد المشهداني.. المطبخ العراقي دسم وغني بالتوابل وهذه أبرز أطباقه الرمضانية
مسلسل “هجمة مرتدة”.. هكذا صوّر العراق بعيون المخابرات المصرية
ويترافق مع هذه الجولة المسائية بعض الأهازيج التي ترددها شفاه الصبية، ومن أبرزها تلك التي تقول:
ما جينا يا ماجينا حلي الكيس وانطينا
تنطونا لو ننطيكم بيت مكة نوديكم
ربي العالي ينطيكم تنطونا كل ما جينا
ماجينا يا ماجينا هل مرة من #الموصل و الأجواء الجميلة بحلول شهر #رمضان المبارك
📷|يحيى ثامر pic.twitter.com/Hx4KmHYi4e
— ✪ Z-Alweis زيد الويس (@zaidalweis) April 12, 2021
وفي العادة، فإن أصحاب الأبواب المطروقة يفتحونها، ويمنحون هؤلاء الأطفال الحلوى وبعض الأطعمة الرمضانية، فيتغنى الأطفال:
الله يخلي راعي البيت.. آمين بجاه الله وإسماعيل.. آمين
وفي أحيان أخرى، يرفضون إعطاءهم ما يريدون ويرمون عليهم الماء من السطح، فيتفرق الأطفال وهم يذمون أصحاب هذا المنزل بأهزوجة أخرى.
حلوى وطبلات وفوانيس
ويقول الباحث التراثي ياسر العبيدي إن أصل كلمة "ماجينا" مأخوذ من كلمة "المجيء" أي نحن جئناكم، وهي طريقة لإسعاد الأطفال الذين يحملون معهم في العادة الطبلات والفوانيس ويتجولون في الأزقة.
ويضيف أن بعض المصادر ترجع كلمة "ماجينا" إلى لفظة "باجي" التركية، والتي تعني الأخت الكبيرة، فيقوم هؤلاء الأطفال بمناداتها بـ"باجينا" أي أختنا الكبيرة، كي تسعدهم بتقديم الطعام والحلوى.
وبحسب الباحث التراثي فإن هذا التقليد نشأ في العهد العثماني، وهو موجود أيضا في مدن أخرى غير بغداد، كالبصرة التي يسمى فيها بـ"الكركيعان" أو "القرقيعان"، كما هو معروف أيضا في بعض دول الخليج العربي.
(الماجينا) تقليد عراقي يمارسه الاطفال في ليالي رمضان المبارك، حيث يطرقون الابواب وهم يرددون اهزوجة بلهفة وحماس pic.twitter.com/3kL9q9H3Mp
— Baghdad Dar Al Salam (@baghdad_salam) June 21, 2016
كما أن هناك أغنية تشبه "الماجينا" في مصر، وهي "وحوي يا وحوي.."، وتشبه بعض الشيء التقليد المعروف في العراق.
ويلفت العبيدي إلى أن هذا التقليد منشؤه قلة وسائل الترفيه عند الأطفال في تلك الأزمنة، فكانت متعتهم هي التجول ليلا في حارات بغداد القديمة، لكن هذه العادة انقرضت تقريبا مع دخول وسائل الترفيه الحديثة.
وبالإضافة إلى الماجينا، فقد انقرضت -أو كادت- تقاليد وألعاب رمضانية أخرى، مثل "الصينية" و"المحيبس"، و"القصة خون" أو الحكواتي الذي كان الناس يتجمعون حوله في المقاهي ليحكي لهم قصص أبي زيد الهلالي وعنترة بن شداد والزير سالم.
وحتى المسحراتي أو الشخص الذي يوقظ الناس على السحور، فقد تغير شكله ولبسه والآلات التي يستخدمها لإيقاظ الناس، في حين بقيت بعض التقاليد حية، مثل الإفطارات الجماعية التي تقام في الأماكن العامة، كما يشير العبيدي.
محاولات إعلامية
تشهد العديد من المدن العراقية بعض الأنشطة المرتبطة برمضان، حيث يتوجه كثير من الشباب إلى ضفاف الأنهار للسباحة هربا من حرارة الجو، وتمتلئ الشوارع بالمتبضعين والمقاهي بالرواد ليلاً، رغم حظر التجوال المعلن تحسبا لتفشي فيروس كورونا.
وقد أسهم ظهور الإذاعة والتلفاز ثم مواقع التواصل الاجتماعي في انصراف الناس عن كثير من التقاليد القديمة، إلا أن القنوات ومنصات التواصل تحاول إحياء هذا الفولكلور الشعبي، كنوع من الحفاظ على الهوية البغدادية.
وتقوم بعض الفضائيات العراقية منذ عدة سنوات بإنتاج برامج للاحتفاء بالتقاليد التراثية البغدادية، التي تشهد انحسارا كبيرا، ومن بينها الماجينا.
ويقول الفنان عمر ضياء الدين إن التراث إذا تم تقديمه إعلاميا وفنيا بشكل جيد واحترافي فإنه يؤثر في المتلقي، ويجتذب الكثير من المشاهدين، من فئات عمرية مختلفة.
وسبق لضياء الدين -الذي يشغل منصب مدير مسرح الرافدين ببغداد- أن قدم برامج تراثية على شاشات بعض الفضائيات، ولقيت تجاوبا من الجمهور داخل العراق وخارجه، "لأن الناس باتوا بحاجة لمن يذكرهم بهذا التراث ويعرفهم عليه أكثر"، بحسب تعبيره.
ويلفت ضياء الدين إلى أن كثيرا من التقاليد البغدادية اندثرت، ولم تعد تلقى الاهتمام الكافي من وسائل الإعلام، وهو ما يستدعي إطلاق حملات للحفاظ على هذا الموروث التي يمثل ذاكرة البغداديين وثقافتهم التي توارثوها عن أجدادهم.