مائدة الإفطار الرمضانية.. عندما يغيب عنها أحد أفراد الأسرة تلبية لنداء الواجب

تتميز أجواء شهر رمضان عن غيرها من شهور السنة بقدرتها على تعزيز أواصر الأسر وتكاتفها وتوفير فرصة لاجتماع العائلة وجلوس أفرادها لتناول وجبة الإفطار، لكن هناك مهنا كثيرة تحرم أصحابها من لذة الإفطار مع العائلة، فتشعر بالحنين والاشتياق لأن ظروفهم أجبرتهم على الوجود بعيدا عن الأجواء الرمضانية وسط العائلة وهم يلبون نداء الواجب ويضطرون إلى الإفطار في مقر عملهم.
كيف هي أجواء أصحاب هذه المهن في شهر رمضان؟ الجزيرة نت رصدت في هذا التقرير حكايات بعض العاملين في هذه المهن فماذا قالوا؟

إفطار رمضاني على عجلة
جواد طالب الذي يعمل ممرضا في قسم علاج مصابي كورونا في أحد المستشفيات يقول "بينما تقضي معظم الأسر أول أيام شهر رمضان المبارك في منازلها، حيث يلتف رب الأسرة حول زوجته وأطفاله لتناول الإفطار والسحور، كان الأمر مختلفًا بالنسبة لأطباء وممرضي المستشفيات المختصين بعلاج مصابي فيروس "كورونا"، الذين يقضون أول أيام الشهر الفضيل، والأيام التالية، في خدمة المرضى بعيدا عن أسرهم ومنازلهم".

وكشف طالب أن أفراد الطاقم الطبي في المستشفى يقسمون أنفسهم إلى مجموعات في الإفطار، بحيث تتناول مجموعة الوجبات الخاصة بها، في حين تستمر أخرى بتقديم الرعاية الطبية للمرضى، وذلك حرصا على استمرار خدمة المصابين بالفيروس ومتابعة حالاتهم، مع منع وجود تجمعات كبيرة عند تناول الإفطار أو السحور. "وأحيانا لا يتحقق هذا الإفطار الجماعي بسبب ضغط العمل ونكتفي بشرب الماء إلى حين انتهاء تقديم العون والإسعاف للمصابين".
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمشروبات رمضانية على طريقة الأمهات.. تعرفي على فوائدها وكيفية تحضيرها
“أبيض أو أخضر”.. أول أكلات المائدة الفلسطينية في رمضان
معان رمضانية تتجلى عمليا في العراق.. مبادرة لتقديم وجبتي الإفطار والسحور للأسر المتعففة
وينهي طالب حديثه بحسرة بأنه يشتاق كثيرا للجلوس في الحديقة بعد الإفطار، فهذه من الجلسات المحببة إلى قلبه.

رعاية المرضى أولا
"رغم قضائي أول أيام شهر رمضان الكريم بعيدًا عن أسرتي وعن زوجي، وانتظاري بفارغ الصبر اللحظة التي تجمعني بكل أحبابي مرة أخرى، لكني سعيدة جدا بالعمل داخل المستشفى، لأن رعاية المرضى مقدمة على أي شيء آخر". بهذه العبارة لخصت آية مهدي، أحد أفراد طاقم التمريض في أحد المستشفيات التضحية التي تقدمها في هذه الظروف الدقيقة التي نمر بها بسبب فيروس كورونا.
وقالت آية للجزيرة نت "تناول الإفطار في اليوم الأول من رمضان مع أسرتي أمر مقدس بالنسبة لي، لكن هذا لا يمنعني من تأدية واجبي كممرضة ملتزمة برعاية المرضى ومساعدتهم للوصول إلى مرحلة الشفاء التام، إلى جانب وقوفي بجانب الأطباء وبذل قصارى جهدي للوصول إلى النتيجة الإيجابية".
وأشارت إلى أنهم في كثير من الأحيان يضطرون لتأخير تناول وجبة الإفطار إلى ما بعد المغرب بفترة ليست بالقصيرة، أو لا يجدون الوقت الكافي لتناول وجبة السحور قبل أذان الفجر، معقبة: "هذه أمور تحدث كثيرًا في مهنتنا، لكني أشعر بالرضا".
واختتمت آية "وجودي في المستشفى بعيدًا عن العائلة أمر صعب، لكن الظروف أكبر منا جميعًا، وأتمنى من الله الشفاء للمصابين وانتهاء هذه الأزمة سريعًا".

منذ سنوات لم أفطر مع عائلتي
الشاب ميلاد المصري وهو أحد حراس الأمن الليليين الذين يسهرون على سلامة وأمن الناس وحراسة الممتلكات، هذه المهنة الشاقة تتطلب عيونا ساهرة وانتباها دائما ومهام فيها شجاعة وصبر وتأن وحكمة، يقول بحسرة: "منذ سنوات لم أجلس على مائدة الإفطار في شهر رمضان مع عائلتي، لأن طبيعة عملي فيها مشقة وتفرض عليّ الابتعاد من بعد الظهر عن المنزل وعن الأسرة، لأكسب لقمة عيشي بكرامة".
لقد اعتاد المصري على الوحدة منذ سنوات طويلة، لذلك لم يفكر بصراحة في طقوس شهر رمضان الكريم، والتجمعات الأسرية التي تشهدها، فكل ما يهمه البقاء بحالة جيدة وبعافية في ظل هذه الظروف الصعبة جدا لتأمين الغذاء واحتياجات العائلة، لذلك يجلب معه طعام الإفطار المعدّ في المنزل ويتناوله وحيدا دون نكهة أو حماس "لكي أستمر في الحراسة الليلية بنشاط وقوة"، كما يقول للجزيرة نت.

إفطار رمضاني على مكتبها بمفردها
أما الشابة نينا. م، والتي اعتادت العمل ليلا ونهارا كموظفة في شركة للأمن والحراسة الخاصة في قسم مراقبة الكاميرات الخاصة بالبنوك وشركات التأمين ونقل الأموال، فتقول إن هذا العمل شاق ويتطلب جهدا وتركيزا وطاقة.
لكن الظروف الاقتصادية الصعبة وكثرة البطالة فرضت عليها قبول هذا العمل، وأثبتت نفسها وجدارتها، وأكدت للجزيرة نت أن هذه المهنة ليست حكرا على الرجال، ولكن المؤسف أن هذا العمل يتطلب وقتا طويلا، وهي منذ سنتين لم تجلس على مائدة الإفطار مع عائلتها وتكتفي بتناول وجبة الإفطار الرمضاني على مكتبها وبمفردها بحزن وحسرة.
وتضيف أنها لا تجد من يؤنسها خلال فترة الاستراحة، فضغوطات العمل لا تسمح بالتواصل الحقيقي بين الموظفين، ولذلك مبادرة الإفطار الجماعي غير واردة بتاتا بين الموظفين، وروحانية هذا الشهر لا تظهر ملامحها بين أفراد المؤسسة.

رمضان شهر العائلة بامتياز
وتتمنى نينا أن تأخذ يوم إجازة لقضاء بعض الوقت مع العائلة، لأن رمضان هو شهر العائلة بامتياز، ولا غنى عن المائدة الرمضانية التي تجمع الأهل والأحباب في جو جميل ومميز حولها. فوجبة الإفطار بالنسبة لها هي تقليد مفعم بالإيجابيات الاجتماعية الحميدة، وأحد أهم طقوس الشهر الفضيل لترابط أفراد الأسرة الواحدة وتعميق وشد أواصر العلاقات العائلية.