مع غلاء المعيشة وانتشار كورونا.. الزراعة ملاذ آمن للبنانيين الذين عادوا إلى أراضيهم
بعيدا عن المدن والاحتكاك البشري، اللبنانيون يعودون للزراعة بحثا عن مساحة مريحة وأمن غذائي ذاتي
قبل كل أفراد المجتمع عانى المزارع من الوضع الاقتصادي والسياسي في لبنان، ولم تكن الزراعة أولوية جدية تعاطت معها الحكومات المتتالية، فتردى وضعها بشكل لا يوصف، وهجر العديد من المزارعين أراضيهم يبحثون عن لقمة عيش لعائلاتهم وتعليم مناسب لأولادهم.
ومع غلاء المعيشة وانتشار فيروس كوفيد-19 عادت الزراعة لتشكل الملاذ الآمن للبنانيين الذين عادوا إلى أراضيهم خارج المدن بحثا عن أمن غذائي ذاتي وعن مساحة مريحة أثناء الحجر المنزلي وبعيدا عن الاحتكاك البشري.
الزراعة للتقارب
أصبح انتشار الزراعة أمرا شائع التداول (ترند) في لبنان فزرع الناس شرفاتهم وأسطح منازلهم، وتشاركوا خبراتهم وتجاربهم وأشتالهم.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsفي الأزمات تحتضن أبناءها الهاربين من مصائب المدن.. اللبنانيون يعودون إلى الريف
ازدهرت مبيعاتها بالتزامن مع كورونا.. كيف تزرع نباتاتك الداخلية وتعتني بها؟
زراعة أسطح المنازل في لبنان.. اكتفاء ذاتي وزينة وأكسجين
ومنذ أكثر من عام أنشأ 5 شباب وصبية صفحة على فيسبوك تحت اسم "ازرع IZRAA"، وذاع صيتها بسرعة، كما يقول أحد المؤسسين المهندس الزراعي حنّا مخايل للجزيرة نت، مشيرا إلى أنها صفحة غير مدعومة من أحد.
وكانت الحاجة لهذه الصفحة -حسب حنّا- لأن المزارع لم يعد يستطع دفع المال للحصول على استشارة الاختصاصيين، فكان الهدف الأول الإجابة عن أسئلة المزارعين على وسائل التواصل للفائدة العامة.
ومن سياسة الصفحة -كما يذكر حنّا- وضع سعر لكل المنتوجات حتى تكون ذات فائدة للمزارع والمشتري في آن، وللحفاظ على الشفافية.
ويعطي حنّا مثلا وهو أن البعض يبيع شجرة الكستناء بـ 90 ألف ليرة لبنانية (الدولار يعادل 1500 ليرة لبنانية بالسعر الرسمي)، وغيره يبيعها بـ 150 ألفا وآخر بـ 200 ألف، فيقرر المستهلك اختيار السعر الذي يناسبه.
ويقول إن هذا كان مفيدا جدا لأن الناس تقربوا من بعضهم البعض وتعرفوا إلى المزارعين في كل قرية، وعرفوا ماذا يستطيعون أن يزرعوا.
وعن تبادل الزراعات أو المنتوجات يقول حنّا إنها مبادرات فردية، كأن يعلن أحدهم عن فائض شتل (نباتات صغيرة) لمن يهمه الأمر للتبادل أو للتقديم مجانا. وهذا ينطبق أيضا على ما يتعلق بالزراعة والإنتاج، فالبعض يبادل قوارير زجاجية أو أشتال، وهو ما يخلق روحا تعاونية بين الناس.
ويتساءل حنّا أين هي الجهات الرسمية التي كان يفترض أن تكون لها "ضربة معلم" في هذه الأزمة منذ العام الماضي؟! "لكنهم كانوا غائبين عن السمع، حتى طلب الاجتماع بوزير الزراعة لم نحصل عليه"، حسب قول حنّا.
تبادل الخبرات أيضا
في الواقع أصبحت هذه الصفحة مرجعا للكثيرين، ورغم كثافة التعليقات أحيانا -التي تكون على سبيل التسلية، كما هو واقع الصفحات على وسائل التواصل- فإن عددا من المتخصصين وذوي الخبرة والتجربة يجيبون عن أسئلة الناس في كل ما يتعلق بالمواضيع الزراعية، من نباتات وحشرات ومبيدات وحيوانات ومنتجات ومعدات ذات العلاقة. وتعد صفحة "ازرع" صفحةً للتبادل المعرفي الزراعي للمزارعين والمهتمين بالزراعة.
كما يقدم البعض خبراتهم بشكل تثقيفي من خلال نصوص وصور وفيديوهات، منها ما يتعلق بالمواسم الزراعية بحسب الفصول أو استخدامات المبيدات وغيرها.
التبادل أسلوب عمل
مصممة الحدائق فاطمة خليفة من جهتها أرادت دائما إشراك المشاتل بما تستقدمه من الخارج من نباتات وأشجار مثمرة، فهي تغامر في التجارب التي تبدو صعبة، وتستورد -إما مباشرة أو من خلال المشاتل- أنواعا غير مألوفة من الزراعات وتجربها في حديقة منزلها قبل أن تبدأ ببيعها، كما أنها تشارك تجاربها دائما وتجيب عن أسئلة الناس على صفحتها، وتنصحهم بزراعات مجربة.
وأحضرت مرة شتلة "جاك فروت" (فاكهة آسيوية) كبيرة ليزرعها أحدهم، وأخذت منه حبتين من حوالي 20 حبة للزراعة لاحقا على أن تكون بقية الحبوب له.
ويكون شرط فاطمة الوحيد هو أن تأخذ عددا قليلا من الأشتال على أن يوزّع الباقي وخاصة الورود والأشجار الإيطالية التي أصبحت غالية الثمن، فهي تضعها في عهدة مشاتل من أجل أن تؤصل (لاستخدامها في التكثير) وتهجن منها بدل استيرادها لبيعها بأسعار زهيدة.
وتقول إن التبادل هذا ليس مجرد تجربة، إنما أسلوب عمل لديها، يستفيد منها المشتل من ناحية، ويزرع الناس أصنافا جديدة من دون تكلفة كبيرة.
وقد أخذت مؤخرا 200 بذرة لأشجار المورينغا لزرعها في مشتل لتوزعها لاحقا. والمورينغا نبتة هندية من أبرز البدائل الغذائية في الآونة الأخيرة وتعد من فصيلة العشبيات، وتعرف أيضا باسم البان وفجل الخيل الريفي وزيت شجرة البئر وعصا الطبلة، وتستخدم على نطاق واسع في كل من الأطعمة والمكملات الغذائية ومستحضرات التجميل.
توزيع قصب السكر
وضع شربل جرجس إعلانا عن توزيع أشتال قصب السكر مجانا على الصفحة، ويقول للجزيرة إن لديه محل خضار كبير، وهو يعمل في الزراعة. أما الأشتال التي وزعها فيقول إنه استورد 20 طنا من قصب السكر من مصر، ليبيعه في السوق المحلي، لكنه استطاع بيع معظمه بسعر جيد للخارج، وأبقى منه طنا لتوزيعه على الناس مجانا ليستفيدوا منه، لأنه ربح في بيع الكمية حين صدّرها إلى العراق.
ويقول إن جمعيات عديدة وأفرادا استفادوا منه أخبروه أن المنتج بدأ بالتفريخ، ويشير إلى أن الهدف من مبادرته هو أن يوزع قصب السكر على المزارعين ليزرعوه في الأماكن المناسبة لإنتاجه حتى يتم استخلاص أجود أنواع السكر منه على المدى البعيد.
ويضيف أنه رغم أن الكمية صغيرة فإنها تفتح آفاقا لاستيراد أو تأصيل المزيد لتأسيس مزارع أكبر.
ويعتبر شربل هذه المبادرة بمثابة توعية للناس من أجل زراعة لا تحتاج لكلفة عالية مثل رش المبيدات ولا الكيميائيات، بل تتطلب فقط قصها وإرسالها إلى المصنع لإنتاج السكر.
ويشير شربل إلى أنه بالإضافة إلى المبادرات الفردية هناك زراعة متبادلة تقوم بها جمعيات معنية، حيث تَزرع الأشتال وتؤصلها وتوزعها على المزارعين بشكل شبه مجاني أو بأسعار رمزية، وخاصة أن المزارع بحاجة كبيرة إلى الدعم لأن كلفة الإنتاج باتت عالية جدا.
وأوضح أن بعض الجمعيات تدعم المزارعين في تربية النحل، وتُقدّم لهم الشمع والحديد وأدوية لمكافحة الأمراض التي تصيب النحل، لكن عملها تراجع خلال هذه الفترة.
الجدير بالذكر أن فكرة التبادل والتعاون في الزراعات وتنمية هذا القطاع اقتحم أسلوب حياة اللبنانيين، وهو تبادل مثل الكثير من التبادلات في الخبرات والمنتوجات والبضائع في كافة القطاعات في ظل التدهور الاقتصادي الذي يشهده البلد منذ حوالي السنتين.