رحالة تونسي أدمن السفر.. زار 210 بلدان حول العالم
جمع الرحالة التونسي عصارة جولاته في 10 كتب
في منزله الكائن بمدينة سكرة شمال مدينة تونس المنعزل عن ضوضاء المدينة وسط أحضان الطبيعة، تظلله الأشجار الخضراء الشاهقة، يقيم في سكينة وسلام أشهر رحالة العالم العربي بوراوي رقية ابن مدينة قصر هلال بمحافظة سوسة (الوسط الشرقي).
لسنا بحاجة إلى تكبد عناء السفر إلى أي دولة نود زيارتها فكل زاوية من زوايا منزل العم رقية -الذي هو عبارة عن متحف كنز- تختزل رحلة عمر بأكمله حيث جاب خلالها 210 بلدان حول العالم ووثق فيها كل لحظة عاشها بحلوها ومرها.
في هذا الركن طوابع بريدية وفي الآخر عملات قديمة نحاسية وورقية وحديدية وفي هذه الزاوية مجموعة من النواقيس مختلفة الأشكال والأحجام، وقد امتلأت رفوف البيت بتحف من أفريقيا وآسيا.
أغرم رقية منذ كان تلميذا في المرحلة الابتدائية بالرحلات، وساهمت وظيفة والده كرئيس محطة القطارات ومراقبته حركتها جيئةً وذهابًا في تنامي غريزة حب الاستكشاف وخوض المغامرة لدى الابن.
بداية المغامرة
سنة 1956، سافر رقية للمرة الأولى خارج حدود تونس في إطار رحلة مدرسية وكانت الجارة الجزائر هي الوجهة، وبعد حصوله على الثانوية العامة سافر إلى فرنسا عام 1963 لاستكمال دراسته وهناك كانت بداية المغامرة الحقيقية.
منعه أصدقاؤه صيف العام الثاني من دراسته في باريس ومن العودة إلى تونس وأصروا عليه لمشاركتهم رحلتهم لاستكشاف الدول الإسكندنافية، ولم يكن لديه أموال كافية لأن أسرته أرسلته لهدف واحد وهو الدراسة والنجاح والحصول على شهادات عليا.
تكفل الأصدقاء وقتها بشراء حقيبة الظهر الخاصة بالسفر وأهدوها لرفيقهم وانطلقوا يقودهم عنفوان الشباب معتمدين على طريقة "الأتوستوب" في تنقلهم من بلد إلى آخر، وكانوا محظوظين بتجاوب سائقي السيارات معهم.
ذكريات في 10 كتب
جاب رقية (78 عاما) أنحاء العالم فزار على سبيل الذكر لا الحصر 53 بلدا أفريقيا و45 بلدا أوروبيا و44 بلدا آسيويا، وجمع عصارة جولاته في 10 كتب عرض بعضها في المعرض الدولي للكتاب بباريس.
لكل بلد عاداته وتقاليده في الأكل والحفلات والأعراس، وكل منطقة زارها تركت في نفسه أثرًا طيبًا وذكريات جميلةً على طريقتها الخاصة أبرزها نهم الشعوب الآسيوية الكبير على أكل طبق الأرز والسمك.
تشويق وإثارة
وإلى جانب المتعة، لم تخل سفرات رقية من التشويق والإثارة يستحضر منها صعوبات التنقل الأمنية على الحدود الفاصلة بين العراق وإيران واضطراره إلى مشي 25 كيلومترًا على قدميه.
كما يسترجع ذكرى إيقافه من قبل شرطة الأوروغواي على الحدود مع الأرجنتين وإطلاق سراحه صباح اليوم التالي، غير أن ذلك لم يحبط من عزيمته أو يقلل من رغبته الجامحة في مواصلة استكشاف عوالم جديدة من هذه الدنيا.
مذاق خاص
للسفر في الماضي مذاق خاص في نظر رقية، فهو يتميز بروح الاستكشاف والمغامرة وبالتكاليف الزهيدة، إضافة إلى انتشار الأمن وحرية التنقل دون مشقة الحصول على تأشيرات كما هو الحال اليوم.
وكان رقية في بداياته يكتشف طرقًا مبتكرةً لتغطية تكاليف الرحلات، فكان يعمل في مطاعم الفنادق التي ينزل فيها في غسل الأواني وحمل صناديق الخضر في أسواق الجملة لتغطية مصاريف إقامته، فكان يذهب خالي الوفاض ويرجع محملًا بالهدايا.
وساعدته فيما بعد وظيفته كأستاذ جامعي (دكتور مهندس في الكيمياء الفيزيائية) على توفير تكاليف السفر، في حين كان يفضل قديمًا السفر عبر القطارات والجلوس في المقاعد المجاورة للشبابيك حتى تتسنى له فرصة التمتع بمشاهدة المناظر الطبيعية الخلابة.
عدوى السفر
نقل رقية عدوى حب السفر إلى زوجته وأطفاله الذين شاركوه في 50 من رحلاته في منزله الصغير المتنقل في حافلة حيث جابوا معه كافة دول أوروبا.
أكثر من 50 سنة من الحل والترحال بين القارات الخمس، تعلم خلالها الرحالة التونسي تحمل المسؤولية والقدرة على إيجاد الحلول والتحلي بالصبر، وعرف معنى التسامح وقبول الاختلاف والتعايش مع الآخر.
ولمحبي السفر، يوصيهم رقية بضرورة تمثيل بلدانهم أحسن تمثيل بالتعريف بها أينما حلوا، وبالاطلاع على تاريخ البلدان وعاداتها وتقاليدها وطرق عيش شعوبها قبل زيارتها.