الأدراج العامة "تثقيف وصحة".. هكذا أرادها الفلسطينيون
استثمار الأدراج في المحافظة على البيئة والرياضة عبر النشاط البدني فضلا عن تيسير العملية التعليمية
بينما يرفض كثيرون صعود الأدراج العامة إذا ما قصدوا مكانا لقضاء حوائجهم من باب الراحة وتجنب أي عناء قد يرى آخرون في ذلك فرصة للتنشيط والتمرين، فكيف إذا شكلت الأدراج ثقافة لهم وأكسبتهم معلومات دون تكلف؟
هذا الأسلوب بوضع لواصق تزخر بمعلومات قيمة ومتنوعة المضمون العلمي والصحي أصبح ديدن مؤسسات فلسطينية حكومية وخاصة، واتخذته نهجا لاستنطاق أدراجها وتحويلها إلى وسيلة تثقف كل من يمر فوقها وتنسيه تعبه وهو يصعد درجة تلو أخرى حتى يصل مقصده.
وهي تصعد أدراج البناية التي يقع فيها مركز ميديكير الطبي وسط مدينة نابلس شمال الضفة الغربية اختارت الشابة الفلسطينية رشا محمد (24 عاما) السلّم بديلا عن المصعد الكهربائي، ولم يعد صعود درج بارتفاع طابقين صعبا أو مملا لها، ولا سيما أنها باتت "مهووسة" بقراءة العبارات الملصقة أسفل كل درجة.
وعند مدخل البناية التقينا رشا التي أخبرت الجزيرة نت بشغفها بقراءة هذه المعلومات حتى كادت تحفظها عن ظهر قلب، وتقول إنها "مفيدة وموجزة وبالمجان وتحرك سواكن الجسد من أعلاه لأسفله".
صحة ونشاط
بدوره، يقول مدير مختبر ميديكير الرئيسي في نابلس أشرف الخفش للجزيرة نت إن فكرتهم التي شرعوا في تطبيقها عام 2017 هدفت لتنشيط الناس -خاصة المراجعين رياضيا- وتثقيفهم بكل جديد، علاوة على تزيينها للأدراج وتحويلها وكأنها لوحات فنية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالأرشيف العثماني وفلسطين.. كنز وثائق ينتظر تحقيق الباحثين
فلسطينية تمزج التطريز الفلسطيني بلمسات عصرية
حلمية الجلال.. رائدة توثيق الأغنية الشعبية الفلسطينية
تقول إحدى العبارات "من السهل أن يصبح الدرج جزءا من حياتك اليومية"، وأخرى كتب عليها "صعود الدرج يوميا يساهم في تخفيف الوزن وتنشيط عضلات القلب والأوعية الدموية".
قبل 3 سنوات بادر القائمون على مركز ميديكير الطبي لتطبيق الفكرة ونفذوها في معظم فروعهم بالضفة الغربية، بهدف توعية الناس رياضيا والاستغناء عن المصاعد الكهربائية.
ففي ذلك حرق للسعرات الحرارية وتنشيط للدورة الدموية، فالمعلومات "طبية" وموثقة وتصل معظم من يعودون المختبر، والذين يقدر الخفش نسبتهم بنحو 20% من زوار البناية.
ويقول الخفش إن جزءا كبيرا من الفلسطينيين ليس لديهم "ثقافة الرياضة" رغم أهميتها في حرق الدهون والكوليسترول، والتي لا تؤدي بكثير منهم "لزيارة المراكز الطبية".
ويضيف أنهم يعكفون على نشر مقاطع فيديو شبيهة بـ"ثقافة الأدراج" هدفها تثقيفي وتوعوي.
مدينة الأدراج
لم تذهب لاصقات أخرى وضعت في المستشفى الوطني الحكومي بمدينة نابلس بمضمونها بعيدا عن الإرشاد الطبي والرياضي والحفاظ على قوام رشيق، لكنها زادت في وضع أرقام لمراكز الإسعاف والطوارئ وإرشاد الناس ودعوتهم لاختزال زيارة المرضى.
كان الشاب عمر حمدان يزور قريبته المريضة حين وقف مشدوها وهو ينظر إلى بعض العبارات الزاهية بألوانها والجذابة، ويقول للجزيرة نت "تحوي الأدراج هنا معلومات قيمة ومباشرة، والأهم أنها تلفت الانتباه".
وتعرف نابلس بمدينة الأدراج العامة، فوقوعها بين جبلي "جرزيم" و"عيبال" تطلّب وجود هذه الأدراج لتخدم الناس في تنقلاتهم، وقديما قيل إن أطولها كان يمتد من مقام العمود شرقا باتجاه جبل جرزيم (881 مترا فوق سطح البحر) ويقدر عدد درجاته بـ1500 درجة، ونتيجة للتوسع العمراني اقتطعت أجزاء منه.
وكبقية المؤسسات العامة شكلت المدارس الفلسطينية أيضا حاضنة أساسية "لثقافة الأدراج"، وعكس ذلك البيئة الصحية للمدرسة وجمالها بنظر الطالب هيثم سامي وزملائه في مدرسته الثانوية بنابلس.
هناك وعلى الأدراج التي تقود إلى صفه الثاني ثانوي استهوته عبارة ووقف عندها متأملا حتى رسخت في عقله، تقول العبارة "واصل في التقدم ستجد عثرات في الطريق، فانهض وواصل"، ومنها استشف إصرارا غير مسبوق في دراسته والإعداد جيدا لامتحان الثانوية العامة، وإضافة إلى ذلك "فهي تنمي الشخصية وتقع في العقل قبل العين".
وتولدت فكرة وزارة التربية والتعليم في استثمار أدراج المدارس قبل 4 أعوام ضمن خطة الاهتمام بمحور البيئة والصحة المدرسية بالتوافق مع محور التثقيف، وذلك بخط عبارات هدفها تثقيف الطلبة في مجال الصحة المدرسية والمهارات الحياتية وبناء الشخصية القيادية بما يخلق احتراما للمعلمين والمعلمات.
تعليم وتثقيف
جمال ذلك يكمن -كما يقول خبير الصحة المدرسية بوزارة التربية والتعليم مصطفى أبو سعادة في حديثه للجزيرة نت- في "استثمار" الأدراج في المحافظة على البيئة والرياضة عبر النشاط البدني، فضلا عن تيسير العملية التعليمية كتحفيظ جدول الضرب.
وبعض العبارات طابعها تحذيري، كتلك الداعية لمحاربة ظاهرة التدخين -خاصة بين الطلبة- والالتزام بالغذاء الصحي، ومنها الخاص بالاتصال والتواصل وحسن التعامل، مما يعزز السلوك السليم وتنمية روح التعاون بالحفاظ على الممتلكات العامة ونظافة المدرسة.
ويعتقد أبو سعادة أن نحو 50% من مدارس الإناث و20% من مدارس الذكور تحتوي على "ثقافة الأدراج".
ويرمي القائمون على هذه الأفكار إلى تغيير السلوك للأفضل لدى الناس عامة والطلبة بشكل خاص، ويوضح أبو سعادة أن التعاون جاء مشتركا بين مسؤولي الصحة المدرسية والمرشدين التربويين وإدارات المدارس مع أولياء الأمور والمجتمع المحلي.
ورأى أن أهمية هذه العبارات تكمن في مدى التغيير الذي تحدثه، خاصة أنها تتساوق مع روح المنهاج، ولهذا يمكن قياس أثرها من خلال الملاحظة.
وقبل الأدراج، شكلت الجدران ثقافة الفلسطينيين العامة، وحملت ذات يوم بيانات ثورية وتحريضية ضد المحتل الإسرائيلي كتابة ورسما، وإن كانت تجربة الأدراج حديثة العهد لدى الفلسطينيين إلا أن جذورها عميقة.