"ألم يمت من قبل؟".. ماذا تعرف عن ظاهرة الذاكرة الجمعية الزائفة؟

تتشابه ظاهرة تأثير مانديلا مع ظاهرة الذاكرة الزائفة، فهي أيضا تعني استدعاء الذاكرة لحدث أو ذكرى غير حقيقية.

خبيرة الماورائيات فيونا بروم أطلقت مصطلح "تأثير مانديلا" على ظاهرة الذاكرة الجمعية الخاطئة في عام 2010 (الصحافة الباكستانية)

هل أصبتم بالصدمة من قبل عند علمكم بخبر وفاة شخصية عامة شهيرة لأنكم تعتقدون أنها كانت قد ماتت بالفعل من قبل؟ وهل وجدتم أنكم لستم وحدكم من يعتقد هذا بل يتشاركه معكم جمع كبير من الأشخاص؟

هذا الأمر ليس حادثا فرديا، إنما هي ظاهرة متكررة. ورغم غرابة الأمر فإنه ليس بالأمر الجديد، بل هي ظاهرة معروفة تحمل اسم "تأثير مانديلا".

قدم العالمان النفسيان "سيغموند فرويد" و"بيير جانيت" مصطلح الذاكرة الزائفة، وهو لا يعني أن ينسى الشخص حدثا ما وقع بالفعل، ولكنه يتذكر أمرا لم يحدث من الأصل، وأرجع العلم هذا الأمر إلى جملة أسباب من ضمنها انعدام النوم وتوجيه الأسئلة المضللة في حالة الشهادة على حادث ما، وهناك بعض الاضطرابات العقلية التي قد تؤدي إلى الذاكرة الزائفة مثل اضطراب الوسواس القهري.

وتتشابه ظاهرة تأثير مانديلا مع ظاهرة الذاكرة الزائفة، فهي أيضا تعني استدعاء الذاكرة لحدث أو ذكرى غير حقيقية، ولكنها تختلف في أن شريحة كبيرة من الأشخاص تحمل هذه الذكرى الزائفة وليس شخصا واحدا.

مصطلح الذاكرة الزائفة لا يعني أن ينسى الشخص حدثا وقع بالفعل لكنه يتذكر أمرا لم يحدث من الأصل (غيتي)

لماذا اسم مانديلا؟

أطلقت خبيرة الماورائيات "فيونا بروم" مصطلح "تأثير مانديلا" على ظاهرة الذاكرة الجمعية الخاطئة في عام 2010، حين وجدت أنها تشارك مجموعة كبيرة من الأشخاص على الإنترنت تذّكر وفاة المناضل ورئيس جنوب أفريقيا "نلسون مانديلا"، في الثمانينيات من القرن الماضي أثناء وجوده بالسجن، والحقيقة أنه خرج من السجن عام 1990، حتى إنه لم يمت إلا بعد ملاحظة هذه الظاهرة بـ3 سنوات.

الاختلاف الثاني بين ظاهرتي الذاكرة الزائفة والذاكرة الجمعية الزائفة هو أن الأولى لها العديد من التفسيرات العلمية التي أكدها العلماء على مرّ السنين، أما الظاهرة الثانية فلا يوجد لها تفسير علمي مؤكد، وإنما توجد نظريات لم تثبت.

خلل في "الماتريكس"

أهم هذه النظريات نظرية أطلقتها "فيونا بروم" التي اكتشفت هذه الظاهرة وأعطتها اسما، وهي حسب تخصصها في الماورائيات ترجع هذه الظاهرة إلى خلل في المصفوفة أو الماتريكس، وتعني بذلك أن هناك عوالم موازية للعالم الذي نعيش به، وأن بعض الأشخاص قد شهدوا أحداثا في العالم الآخر لم تحدث في عالمنا، وبسبب خلل في المنظومة حدث خلط بين العوالم وأصبح هؤلاء الأشخاص في عالمنا الحالي.

ورغم أن هذه النظرية قد تبدو كوميدية للبعض، فإن العلم لم ينف العوالم الموازية نفيا قاطعا، بل على العكس فإن نظرية ميكانيكا الكم تفتح الباب أمام هذه الفرضية.

العلم لم ينف العوالم الموازية نفيا قاطعا (غيتي)

الضياع في المركز التجاري

وهناك فرضيات أخرى مثل عبث المسافرين عبر الزمن بالأحداث، أما العلم فمع أنه لم يقدم تفسيرا مؤكدا لهذه الظاهرة، فإنه قدم مقترحات عدة في ما يخصها، أهمها "تجربة الضياع في المركز التجاري" التي ابتكرتها الباحثة النفسية والمتخصصة في الذاكرة "إليزابيث لوفتس" وتلميذها "جيم كوان"، وتعنى بزراعة الذاكرة، فقد أثبتا بالتجربة أنه عند سرد قصة مختلقة عن شخص ما، بمرور الوقت قد يصدق الشخص نفسه هذه القصة، بل يشرع في زيادة التفاصيل عليها.

قد تبدو "تجربة الضياع في المركز التجاري" الأقرب إلى المنطق، فرغم أن الإنترنت وسيلة مهمة للتوثيق وللتأريخ، فإن انتشار الإنترنت وسهولة تعامل الجميع معه أسهما في انتشار تأثير مانديلا على نطاق واسع، لأن الشبكة العنكبوتية مكان واسع لانتشار المعلومات الخاطئة، وهي المعلومات التي قد تزرع بشكل لا واع في الذاكرة الجمعية، لتصنع في ما بعد ذاكرة جمعية زائفة.

وتعدّ وفاة المشير المصري "محمد حسين طنطاوي" أحدث مثال على تأثير مانديلا، ففور إعلان وفاته في سبتمبر/أيلول 2021 كتب كثير من المصريين عن اعتقادهم أنه كان متوفيا بالفعل.

ولا يقتصر الأمر على الأحداث العامة فقط، بل يمتد أيضا إلى كلمات الأغاني وجمل حوارية شهيرة من الأفلام، بل إلى العلامات التجارية والشخصيات والرسوم المتحركة الشهيرة، أشهرها مثال شخصية "بيكاتشو" من سلسلة "بوكيمون"، فرغم اعتقاد كثيرين أن للشخصية ذيلا أصفر له طرف أسود، فإنه في الحقيقة يملك ذيلا أصفر بالكامل إلا من بعض اللون البني في بدايته.

المصدر : مواقع إلكترونية