توقف فيسبوك وتطبيقاته يطرح إشكالية حياتية.. هل نستطيع العيش من دون وسائل التواصل الاجتماعي؟

جوسلين الحاج: يجب أن أعود للقلم والورقة لتدوين أرقام الناس الذين أريد أن أتواصل معهم. لا يمكن ائتمان وسائل التواصل، فاليوم فيسبوك وغدا ربما غوغل.

التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصبح يحكم كل تفاصيل الحياة (بيكسابي)

بيروت- غرد "فيسبوك" على "تويتر" معتذرا من عملائه، واعدا بتصليح العطل، بعدما تعذر ولوجهم إلى منصات "فيسبوك" (Facebook) و"ماسنجر" (Messenger) و"إنستغرام" (Instagram) و"واتساب" (WhatsApp).

وتصدر وسم واتساب وتوقف فيسبوك الترند على "تويتر" (Twitter) الذي لقبه بعض المستخدمين بـ"أبو الفقراء" في إشارة إلى منصات شركة فيسبوك. وأصبح تويتر المنصة التي احتوت إخفاق فيسبوك بمشاركات طريفة للمستخدمين بمنشورات وفيديوهات متعددة.

وكثرت أيضا الفيديوهات والتحليلات التي تحدثت عن الأعطال الفنية وأنواعها وعن موعد عودة هذه المنصات لعملها الطبيعي بعد قلق عبّر عنه الناس في منصات أخرى يتعلق إما بعملهم أو بأسلوب حياتهم الذي بات معتمدا على منصات وسائل التواصل الاجتماعي.

منصات فيسبوك وماسنجر وإنستغرام وواتساب توقفت لبضع ساعات (الفرنسية)

ما قبل وسائل التواصل وما بعدها

لكن مهلا، لو عدنا إلى فترة التسعينيات، سنجد أن الهواتف الخلوية محدودة الانتشار، وكذلك الإنترنت. أما وسائل التواصل فكانت مجرد فكرة يحاول اختصاصيون أن يجعلوها حيز التنفيذ. وكانت الحياة تسير بشكل عادي وكذلك الأعمال والعلاقات الاجتماعية.

ومما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي أضافت مهنا جديدة تعود بالفائدة العلمية والاقتصادية على جيل كامل، وكانت خير وسائل تسويق لأفكار ومعدات وأغراض، وشكلت طرقا أسهل لتواصل العائلات والأصدقاء في داخل البلاد ومع المغتربين منهم.

وعلى الضفة الأخرى جعلت الناس أسرى هواتفهم، وخلقت إدمانا لدى الكثير من الكبار والصغار، إذ في الأعماق الكثير من السلبيات والإيجابيات لوسائل التواصل تحتاج ربما إلى مجلدات. والمهم أن توقف منصات فيسبوك أوقف العالم مذهولا لساعات، فكيف تصرف الناس؟

العودة إلى الحياة العائلية بعيدا عن الإنترنت ربما أصبحت ضرورية (بيكسابي)

ليلة توقف فيسبوك

اعتبر البعض توقف العملاق الأزرق وتطبيقاته الأخرى فرصة للتفكر بمدى سيطرة وسائل التواصل ودخولها في تفاصيل الحياة، في حين أصيب آخرون بخيبة، بينما شعر غيرهم بالتوتر بسبب اعتماد أعمالهم عليها، وهناك جزء كبير من الناس وجدوا تعويضا سريعا بلجوئهم إلى وسائل تواصل مختلفة مثل تويتر و"تك توك" (TikTok) و"سيغنال" (Signal) و"تليغرام" (Telegram) وغيرها.

تقول ندى عبد الله "لم يكن لدي حساب على تويتر. لكن أول أمس أنشأت حسابا وراقبت التعليقات على توقف منصات فيسبوك، وكانت مضحكة للغاية". وتشير إلى كونها "زبونا دائما لدى فيسبوك وأخواته".

لكن ليلة توقفه نامت ندى بهدوء، من دون أرق، ما جعلها تطرح على ذاتها أسئلة كثيرة حول تعلقها بهذه المنصة والتطبيقات التي تسلب نومها. وتقول إنها ربما ستخفف من استخدامها إلا أثناء الضرورة، كما في تواصلها مع أخيها المغترب، وبالطبع في العمل.

أما جوسلين الحاج فخشيت أن تكون قد فقدت الكثير من جهات الاتصال بأصدقاء لم يعد لديها أرقام هواتفهم، لأنها تتواصل معهم عبر ماسنجر وإنستغرام. تقول "بالفعل فكرت أنني يجب أن أعود للقلم والورقة لتدوين أرقام الناس الذين أريد أن أتواصل معهم. فلقد شعرت أنني فقدتهم دفعة واحدة. لا يمكن ائتمان وسائل التواصل، فاليوم فيسبوك وغدا ربما غوغل".

حتى الأطفال فقدوا لَعبهم الجسدي وأصبح اهتمامهم محصورا في الشاشات (بيكسابي)

ما الذي حدث بالفعل؟

مدير النظم الإلكترونية جيف كريم من جهته قال للجزيرة نت إن توقف خدمات فيسبوك والمنصات التابعة له انقطعت لمدة 5 ساعات و54 دقيقة. وبالنسبة له تأثر عمله كثيرا لأنه كان في خضم حملة تسويقية، فتوقفت الدعاية ما جعل الاشتراكات التي كان يجمعها تتعطل، فخسر حوالي 600 اشتراك في مشروعه.

ووصلت المخاوف أول أمس الاثنين -بحسب جيف- إلى أن فيسبوك قد ألغي. ولكن وجود منصات أخرى مثل تويتر وتلغرام سيّرت العمل قليلا ولكن بمحدودية كبيرة، لأن فيسبوك عمليا يسيطر على الكثير من الأعمال.

وأشار إلى أن عددا كبيرا من الناس أحالوا استخدامهم إلى تويتر لدرجة أن "السيرفيرات" (الخوادم) لدى تويتر لم تعد تحتمل لكثافة تنزيل التطبيق. ومن يعمل على ماسنجر وجد البديل لدى تليغرام. ويظن جيف لو أن الأزمة طالت أكثر فربما كان من الممكن أن ينهار كلّ من تويتر وتليغرام أمام تدفق الناس.

وأضاف، لكن ما إن عاد فيسبوك حتى بينت الرسوم البيانية أن المستخدمين عادوا بشكل مضاعف. ويعتقد جيف أنه رغم الخسارة المادية لفيسبوك؛ فإنه لم يخسر ثقة الناس لأنهم عادوا بقوة.

التواصل بين الناس أصبح عبر الهواتف رغم التواجد في حيز مكاني واحد (بيكسابي)

من الناحية التقنية يعتبر جيف أن أمرا كهذا يمكن حصوله، وهو شخصيا وإن تأثر عمله إلا أنه لم يخسر ثقته بفيسبوك. والأمر الأهم هو أن الوقت الطويل للتوقف كان سببه الأمان الذي يحظى به التطبيق ما اضطر المبرمجون للسفر إلى كاليفورنيا للوصول للخوادم والعمل على تصليحها.

العالم يتوقف دون وسائل تواصل

ويعتقد جيف أن العالم الآن يتوقف فعليا من دون وسائل تواصل اجتماعي خاصة بعد الاعتماد الكبير عليها عقب جائحة كورونا، لأنها سهلت حياة الناس، "فأنا أجلس على كنبتي وأقوم بعملي على مستوى العالم. ومن دون وسائل التواصل الاجتماعي نفقد السيطرة على ما هو مسيطر علينا بالفعل".

أنصار الطبيعة ينصحون بـ"الديجيتال ديتوكس" والتواصل مع الحياة الواقعية (بيكسابي)

إجازة غير رقمية

من الناحية الأخرى، بات يوجد ما يسمى بالتخلص من السموم الرقمية خاصة لدى أنصار العودة إلى الطبيعة والحياة البسيطة.

ويقترح هؤلاء أخذ فرصة أسبوعية أو شهرية من كل ما يتعلق بالرقميات، ويقومون بـ"ديجيتال ديتوكس" (Digital detox)، والسبب هو إما التخلص من إدمان الإنترنت أو للحصول على راحة للجسم والعيون والعضلات والتفكير بالإنترنت والتأمل بعيدا عن الشاشات.

ومن أهم ما يوصون به الابتعاد مساء عن الضوء الأزرق المنبثق من الشاشات والذي يؤثر على النوم. وترك الهاتف أو شحنه خارج غرفة النوم كل ليلة. والذهاب إلى النوم بعد ساعتين على الأقل من النظر إلى الشاشة.

كما يفترضون أن يوما في الأسبوع بعيدا عن الإنترنت سيكون سببا في التواصل أكثر مع الناس الواقعيين والطبيعة والأشياء الحقيقية.

وتبقى مسألة توقف فيسبوك ومنصاته لهذه الساعات تطرح إشكالية كبيرة حول إمكانية الناس في إدارة شؤون حياتها من دون وسائل التواصل. فماذا كان سيحدث لو توقفت كل وسائل التواصل التي باتت سمة العصر الأساسية؟

المصدر : الجزيرة