حكومة طالبان الثانية في مواجهة الجيل الجديد من الشعب الأفغاني
وزير خارجية الحكومة الأفغانية المؤقتة أمير خان متقي قال إنه يعمل معنا في الحكومة 500 ألف من الذين كانوا في الحكومة السابقة، ولم نبعدهم عن وظائفهم، ونستفيد حاليا من قدراتهم.
ننغرهار- بعد 20 عاما من حكومة طالبان الأولى تغيرت كثیر من الأمور، ولم تعد كما كانت عليه في تلك الحقبة من الزمن الذي أعقب الحروب الأهلية بين الأحزاب الجهادية بعد سقوط الحكومة الشيوعية سنة 1992م برئاسة الدكتور نجيب الله الموالية للاتحاد السوفياتي آنذاك؛ فكثير من الناس في الدور الأول من حكومة طالبان كانوا بعيدين عن المدن والحياة المدنية.
ولم يكن أحد يعرف حتى عن الهاتف المحمول، والكمبيوتر والشبكة العالمية وغيرها من التكنولوجيا الجديدة شيئا، ولم يكونوا على صلة مع الإعلام المحلي والعالمي والوسائل الاجتماعية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالسينما الأفغانية.. نهضة ابنة الحروب من تحت الركامسيتم فتح هذه المقالة في علامة تبويب جديدة
إعلامية أفغانية للجزيرة مباشر: المستقبل كفيل بالحكم على نوايا طالبان بشأن الإعلامسيتم فتح هذه المقالة في علامة تبويب جديدة
وزيرة أفغانية سابقة: حكومة طالبان استبعدت الإثنيات والمرأة وقد تجرنا لحرب أهلية ثانيةسيتم فتح هذه المقالة في علامة تبويب جديدة
وكان أحدهم يسافر من قرية بعيدة في إحدى المديريات مثلا في المنطقة الشرقية من أفغانستان ليصل بعد قطع مسافة طويلة إلى مدينة جلال آباد في محافظة ننغرهار ليتصل عبر الهاتف السلكي بأحد من أقاربه خارج البلد، ويدفع قيمة مالية عالية لذلك الاتصال.
قلة التعليم
لم يكن الناس مولعين بالحصول على التعليم العالي، وكان التعليم الجامعي والحصول على شهادة ليسانس أعلى تعليم، أما دراسة الماجستير والدكتوراه فكانت حلما لا يحققه إلا من كان خارج البلد، أو من كان ينتمي إلى أسرة كبيرة من القادة والأثرياء.
البيوت أو القبور
أما النساء والفتيات فكانت لهن "البيوت أو القبور" كما هو المثل عند البشتون، وكان وجودهن في الجامعات لا يساوي شيئا، أما في المراحل الابتدائية فيوجد عدد لا بأس به منهن، ولكن في ظل حكومة طالبان الأولى منعت الفتيات من دراسة المرحلتين الثانوية والجامعية بانتظار أن توضع لتعليمهن خطة وقانونا؛ ولكن للأسف الشديد في 6 سنوات من حكومتهم لم يقدروا على وضع خطة وقانون لتعليم الفتيات، أو لم يكونوا يريدون ذلك، كما قالت الأستاذة الجامعية عائشة إحسان للجزيرة نت.
النساء بعيدات عن الوظائف والسياسة
وهكذا كانت النساء بعيدات عن الوظائف الحكومية إلا الطبيبات اللاتي كن يعملن في المستشفيات الحكومية أو مع بعض المؤسسات العالمية أو معلمات في المدارس الابتدائية للفتيات، أما الدوائر الحكومية الأخرى فكانت خالية من الوجود النسائي، حتى لم يكن في وسع النساء التجول خارج البيت من دون وجود المحرم أو لبس الغطاء الأفغاني المسمى "البرقع"، أما حضور المرأة الأفغانية في الساحة السياسية فكان أمرا بعيد المنال.
تغيير الحياة الاجتماعية
وفي ظل التطورات الأخيرة التي طرأت على الجامعة الأفغانية خلال 20 عاما بعد حكومة طالبان الأولى وحتى الآن تغيرت كثير من الأمور؛ لأن هذه المدة كانت أكثر انفتاحا على العالم الخارجي، وأكثر معرفة على العولمة التي جعلت العالم قرية صغيرة، تصل إليها الأيادي بسهولة.
تقول الناشطة مريم -وكانت مسؤولة عن القسم النسائي في إحدى المنظمات الاجتماعية شرق أفغانستان- للجزيرة نت إن "أشياء كثيرة تغيرت، حتى الأعراف والتقاليد القومية التي كنا نتمسك بها قبل هذا؛ فصارت المرأة مساهمة في كل شيء، وهي الآن تسافر من مديريات بعيدة إلى مركز المحافظة للدراسة في الجامعة، وتسكن في المساكن الخاصة بالفتيات، وتسافر للغرض نفسه إلى المحافظات الأخرى وحتى خارج البلد".
وتزيد مريم "كما عملت جنبا إلى جنب مع الرجال في الدوائر الحكومية، حتى صار منهن وزيرات ونائبات لحكام المحافظات ورئيسات، وشاركن في الحياة السياسية، وترشحت عشرات منهن في الانتخابات البرلمانية وفي انتخابات شورى المحافظة، وانتخبن لمقاعد خاصة بالنساء، وصارت بعضهن أعضاء في مجلس الشيوخ، وما إلى ذلك من التطورات التي لم تتخيلها المرأة الأفغانية قبل ذلك في المناطق البعيدة عن العاصمة والمدن الكبيرة".
المرأة الأفغانية في 20 عاما
ووفق الأعداد المنتشرة من قبل إدارة الإحصاءات والمعلومات الأفغانية (NSIA) سنة 2021م، كما نشرت في صفحتها على فيسبوك، فإن نسبة المرأة العاملة في الدوائر الحكومة كانت تصل إلى 24%، منهن 63 امرأة يحملن شهادة الدكتوراه، و1321 امرأة يحملن شهادة الماجستير، أما عدد الطبيبات العاملات في المستشفيات الحكومية وغير الحكومية فيصل عددهن إلى 12 ألفا و35 طبيبة، كما جاء في صفحة الإدارة نفسها.
وجاء في تقرير مكتب المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان (SIGAR) والمنشور بتاريخ 17 فبراير/شباط الماضي، على موقع المكتب نفسه؛ أن "نسبة حضور الفتيات في المدارس تصل إلى 40%، وعدد المعلمات يصل إلى 70 ألف معلمة، ونسبة التعليم بين النساء تصل إلى 39%، وخصص 27 مقعدا للنساء في البرلمان، وتصل نسبة النسوة العاملات في الدوائر الحكومية إلى 25%".
وأما بالنسبة إلى النساء العاملات في التجارة فكان عددهن يصل إلى 54 ألف امرأة، أما عدد النساء في الجيش الأفغاني فكان يزيد على ألفي امرأة، وفق تقرير بي بي سي (bbc)، أما حضورها في الشرطة فكان يصل إلى 4 آلاف امرأة، وفق تقرير موقع "إيران إنترنيشنل" (old.iranintl)، نقلا عن تصريحات وزير الداخلية آنذاك مسعود إنداربي.
وكل هذا يدل على تطور وضع المرأة الأفغانية في العقدين الماضيين، وأنها كانت حاضرة في جميع الأماكن التي يحضرها الرجال، كما كانت حاضرة في الدوائر التي تدير السياسة والاقتصاد، والسلم والحرب.
الجيل الجديد في مواجهة طالبان
بعد أن بدأت حركة طالبان السيطرة على المديريات المختلفة في أفغانستان، وسقطت المنطقة الشرقية ومديريتا غازي آباد ونارئ من محافظة كونر في يوليو/تموز الماضي؛ كان من المفروض أن يرحب بهم سكان تلك المنطقة للحكم، كونهم من القومية البشتونية؛ ولكن آلافا من سكان المنطقة نزحوا إلى مركز المحافظة، وإلى المناطق التي كانت خارج سيطرة طالبان.
وبعد سيطرة الحركة على العاصمة الأفغانية كابل رجع النازحون إلى قراهم، ولكن لم يرحبوا بحكومة طالبان الجديدة من القلب؛ لأنهم -خاصة الشباب والجيل العشريني منهم- لم يكونوا مستعدين لقبول هذه الظاهرة ولا ترضيهم، وصار أكثرهم بلا وظيفة وعمل.
وحول هذه التطورات غير المرحب بها من قبل الشباب تقول حوى (اسم مستعار) -وهي مسؤولة عن أحد مراكز تعليم الفتيات في محافظة كونر- "حسب رأيي، إن طالبان لم تكن مستعدة لإدارة البلد، ومع ذلك وضعت زمام جميع الإدارات في يدها، وهذه الفكرة غير صحيحة؛ لأننا نرى أن الشعب يواجه الفقر والمجاعة وهم يعانون من الأمراض النفسية، فلا بد من حكومة شاملة".
وتضيف حوى للجزيرة نت "هناك جانب إيجابي وهو أنه بإمكان الحكومة الجديدة الاستفادة من الإدارات والأنظمة الموجودة، ولكن بشرط أن يتعاملوا معها وفق مقتضيات العصر، وألا يوظفوا الأشخاص غير المؤهلين في الإدارات، وأن يبدؤوا بالخدمات العامة، ويأذنوا بفتح أبواب المدارس والجامعات أمام الفتيات".
تقول الطالبة الجامعية كلثوم "الحكومة التي أعلنتها حركة طالبان ليست حكومة بالمعنى الحقيقي، وفيها من النقائص والجوانب السلبية التي لا ترضي الشعب الأفغاني، ونتمنى أن تكون الحركة صادقة في ادعاءاتها بإقامة حكومة إسلامية شاملة، تحارب الفقر والجهل والحرب، وتوظف المؤهلين في الإدارات".
وتقول سناء (اسم مستعار) -وهي طالبة بإحدى الجامعات غير الحكومية- "نعم، هناك جانب إيجابي وهو الأمن، ولكن لا يوجد أمن نفسي؛ فنحن غير مطمئنين على مستقبلنا في ظل حكومة طالبان، ولا نعتقد أنهم مؤهلون لإدارة البلد، وهم لا يستطيعون تنظيم أنفسهم، ولم يتدربوا على السلوكيات الاجتماعية، ويفعلون ما لا يستحسن فعله".
وتصريحات الرجال ليست مختلفة عن آراء النساء حول حركة طالبان وطريقة حكمهم، أما الشباب منهم فقلما يتأقلمون مع الوضع الحالي، وكثير منهم غير راضين عن الوضع، ويبحثون عن مخرج لأنفسهم.
يقول الشاب جاويد عاصم -وهو متخرج من كلية الاقتصاد ويعمل في إحدى الدوائر الحكومية بمحافظة كونر- "لا أستطيع الاستمرار في العمل مع هؤلاء؛ لأنهم لا يستطيعون الإدارة وليس عندهم تصور واضح حول الحكومة والإدارة".
ويقول أحد الأساتذة في محافظة كونر السيد نور حليم "كنت متفائلا في البداية عندما سيطرت حركة طالبان على أفغانستان وأسقطت حكومة أشرف غني، ولكن بمرور الوقت أحسست بأن طالبان لا يستطيعون إدارة البلد بالطريقة التي يسيرون عليها، وعليهم تغيير منهج إدارة البلد ومشاركة الآخرين في تسيير عجلة الحكومة، وأن يكونوا على مسافة واحدة من الجميع".
ويقول الأستاذ الجامعي محمد ماموند "طالبان تريد إزاحة الآخرين من خلال التدقيق بين اسم وآخر، ويسألون الناس في نقاط التفتيش عن مذهبهم الديني، ويحسبون كل من ليس على المذهب الحنفي عدوا لهم، وهذا المنهج يزيد أعداءهم، فعليهم أن يتعلموا من أخطائهم السابقة، وأن ينفتحوا على الجميع، وأن يشاركوهم في إدارة البلد".
ماذا قال وزير الخارجية بالحكومة الأفغانية؟
أما تصريحات أعضاء حركة طالبان ومسؤولي الإمارة الإسلامية فتطمئن الشعب بتحسن الوضع، ويعدون باستمرار الموظفين السابقين في عملهم مع دفع رواتبهم، كما صرح بذلك وزير خارجية الحكومة الأفغانية المؤقتة أمير خان متقي في جلسة حوارية لمناقشة الوضع في أفغانستان بمركز دراسات النزاع والعمل الإنساني أثناء زيارته الأخيرة لدولة قطر.
ويقول أمير خان "يعمل معنا في الحكومة 500 ألف من الذين كانوا يعملون في الحكومة السابقة، وبدأنا دفع رواتبهم، ولم نبعدهم عن وظائفهم، ونستفيد من قدراتهم من دون التبعيض (التفرقة)"، كما أن تحركات مسؤولي حكومة أفغانستان المؤقتة بمختلف المستويات خارج أفغانستان وداخلها بالدبلوماسية الفعالة تبشر بالخير.
وعلى كلّ، فحركة طالبان تواجه الجيل الجديد من الشعب الأفغاني، الجيل الذي يختلف تماما عن جيل التسعينيات من القرن الماضي، وهي تدير أفغانستان التي تختلف تماما عن أفغانستان في تلك الحقبة، فعليها أن تتعامل مع الجميع وفق مقتضيات العصر، وأن تستفيد من تجارب الآخرين، وأن تشاركهم في إدارة البلد وتحسين حياة الشعب.