عندما تغيب لغة الحوار.. الطلاق العاطفي أصبح الظاهرة الأكثر شيوعا بين الأزواج
تتواصل علاقتهما تحت سقف واحد لسبب ما قد يكون الأطفال، أو الحفاظ على الشكل الاجتماعي أمام العائلة، وهذا هو الطلاق العاطفي: شراكة تحت سقف واحد بين الزوجين.
ورغم وجودهما في مساحة مكانية واحدة فإن هناك مسافة شاسعة بينهما تمنع الاندماج النفسي، فالحكاية قاسية: التفاصيل لبيوت مفتوحة على خواء المشاعر والصمت المطبق، وانعدام المودة والرحمة اللتين ترتكز عليهما الحياة الزوجية الصحية والصحيحة.
كيف يؤثر الانفصال العاطفي على الصغار؟ وكيف يفقدهم الود في التعامل مع الآخرين، ويؤدي بهم للحدة والقسوة ورفض التواصل؟
فتوريث الفراغ العاطفي للأبناء تحصيل حاصل لانفصام العلاقة بين الأبوين، بما يؤثر سلبا على علاقة الأخوة بين الأبناء ويذهب بهم مستقبلا للعيش نحو نمط حياة أبويهم الجاف والخاوي عاطفياً. ولهذا تأثير مجتمعي غير إيجابي.
تستعرض الجزيرة نت بعض القصص الواقعية لطلاق عاطفي لأزواج وزوجات يعيشون في حالة اغتراب نفسي وجسدي عن بعضهما البعض إثر وفاة مشاعرهما رغم سنوات الزواج.
المشاكل المادية
يقول هيثم مريش متزوج وأب لطفل "قد تكون الضغوط والمشاكل المادية من أهم أسباب الطلاق العاطفي، فضغوط الحياة والأعباء تجبر كلًا من الزوجين على الانشغال بالنواحي المادية، وكيفية تدبير أمور المنزل وخاصة في ظل وجود طفل له مصاريفه، كما أن ميزانية الشهر وتدبير المنزل من أهم المشاكل التي تجبر الزوج والزوجة على التفكير في نفسهما دون الانتباه للعواطف وما يحتاجه الطرف الآخر".
ويشرح وضعه بحسرة "المشاحنات ازدادت والمتطلبات كثرت وحملتني فوق طاقتي مما أدى للنفور والتشاجر الدائم، وحتى غابت الخصوصية وأصبحت تفاصيل حياتنا الزوجية عرضة لأهلها وتدخلهم المستمر لدرجة غياب الحوار والتفاهم، وكل ذلك أدى للنفور العاطفي الذي يهدد الحياة الزوجية وانعدام الانسجام، وهذه مؤشرات طلاقنا العاطفي وانفصالنا رغم وجود ابننا بحياتنا، لكن لا بد من التحلي بالصبر وتهدئة الامور، فالزواج يحتاج لرجل قوي بكل معنى الكلمة وإنسانة عاقلة واعية لمتطلبات الحياة الزوجية".
وينهي بالقول "اللوم يقع علينا كزوج وزوجة، ومن المفروض علينا أن نتماسك ونعتمد لغة الحوار بطريقة هادئة وجيدة تعيد الدفء للحياة الزوجية وحل كل المشاكل لإبعاد الفتور العاطفي بينا، وهذا ما أحاول تحقيقه للمحافظة على أسرة سعيدة".
تقاليد عائلية منعت الطلاق
وتقول كارولينا سابا للجزيرة نت، وهي متزوجة ولديها ابنة "زوجي أخل بعهودنا، وأهان حياتنا بعلاقاته الخارجية، عندما ارتبطت به لم أكن أدري أنه لن يحفظ بيتنا ويصون كرامتي، واكتشفت أنه يجري وراء نزواته، معتقداً أنني لن أعلم بأفعاله الشائنة، لكنني لم أكن غافلة أو قليلة الوعي بما يرتكبه من ورائي، وعندما واجهته اعترف بأنه لا يشعر معي بالمشاعر التي كان يتمناها، لكنه لا يفكر في تطليقي، لأننا من عائلات معروفة، لم تقع فيها حالة طلاق من قبل".
وتضيف "وافقت بالطبع خشية حمل لقب مطلقة، وحتى لا أوصم بفشل حياتي الزوجية، وأتعرض للقيل والقال والاتهامات، وعشنا معاً نتظاهر بالسعادة والانسجام أمام الجميع، لكن ما إن يغلق علينا باب بيتنا، يذهب كل منا لينام في غرفة منفصلة، ولا نتبادل الحديث على الإطلاق، ورغم مرور كثير من السنوات على وضعنا الزوجي، ما زلنا كما نحن بحالة انفصال نفسي وجسدي تام، وأصبحت بالتالي لا أعيره اهتماماً، ولا انتفض غضباً حين أعلم بأي علاقة له، وربما لا أتذكر وجوده في البيت".
التأثير على الأطفال
وعن تأثير هذا الوضع على ابنتهما تقول "ابنتي تأثرت كثيراً بالخلافات المستمرة بيننا والعيش كغرباء، ووجدت نفسي ملزمة بتريبتها لوحدي وكأنه لا وجود للأب في حياتها، وحتى هي شعرت بالنفور منه ومن تصرفاته رغم محاولتي اقناعها بعكس ذلك، لكن اللوم يقع عليه فهو لم يبادر للتقرب من ابنته مما زادت الفجوة بينهما بكل أسف".
وأوضحت سابا مكررة بأنها تعيش مع زوجها بسبب تحريم التقاليد العائلية والاجتماعية -التي تعيش في كنفها- فكرةَ الانفصال والطلاق الفعلي، إلا أن هذا النوع من الطلاق مدمر ولا يمكن التصريح به علانية لذا يبقى أشد إيلاما، بحسب قولها.
ظاهرة شائعة
وتؤكد سوزان حطيط الاستشارية في العلاقات الاسرية ومدربة التنمية البشرية أن الطلاق العاطفي أصبح الظاهرة الأكثر شيوعا الوقت الحالي، فعدم القدرة على التفاهم بين الزوجين وانعدام المشاعر بينهما تنعكس كلها سلبيا على الأبناء الذين يعانون من الحرمان العاطفي والحب، إضافة إلى العزلة وفقدان الثقة بالنفس، وكل ذلك يعرضهم للأمراض النفسية.
وتعزو وجود هذه الظاهرة في مجتمعاتنا إلى عدة أسباب منها تمسك الأزواج بالمؤسسة الأسرية للحفاظ على مظهرهم الاجتماعي من ناحية وحماية أبنائهم من الضياع من جهة أخرى، كما أن هدف الأزواج من اللجوء للانفصال العاطفي هو الهروب من لقب "مطلق" وللحفاظ على الأبناء من الضياع والتشرد وتفكك الأسرة.
ضغوطات وأولويات
وبحسب حطيط، يجب على الزوجين التحدث مع بعضهما ومحاولة الوصول للمشاعر الداخلية العميقة، ومراعاة تلبية هذا الاحتياج تمثل أفضل علاج للتخلص من الطلاق العاطفي، ففي بعض الأحيان يكون هذا الشعور موجودا لكن عدم الرغبة في التعبير عنه يقف حاجزا أمام المساعدة الفعلية للزوجين.
وتوضح أن أهم الأسباب التي تؤدي للانفصال العاطفي هي الضغوطات المادية التي يتعرض لها الزوجان في حياتهما، فتجدهما منغمسين بتأمين مستلزمات البيت والأولاد، مبتعدين شيئاً فشيئاً عن كل ما يؤجج العاطفة، دون انتباه منهما.
ومن الأسباب المهمة أيضا إساءة تحديد الأولويات، وذلك بتفضيل الآخرين على شريك الحياة، مع اختلاف الاهتمامات والمعتقدات والأهداف والمستوى الثقافي والاجتماعي بين الزوجين.
نصائح
وتعتقد الاستشارية بالعلاقات الاسرية ومدربة التنمية البشرية أن العلاج لهذه الظاهرة لا ينجح مع كل ثنائي، إنما يوجد بعض الأمل في تحقيقه باتباع هذه الطرق ومن أهمها:
- زيادة الصراحة والوضوح بين الزوجين، ومحاولة فهم الآخر من خلال حقوقه وواجباته ومشاعره وأفكاره ومخاوفه ومشاكله.
- كسر الروتين اليومي، ومحاولة تجربة أمور جديدة في الحياة، حتى لو كانت بسيطة جداً وغير مكلفة.
- لغة حوار وتفاهم بين الزوجين، والعمل دائماً على التوصل لحل يرضي كافة الأطراف في حالة وقوع المشاكل، لأن الصراخ والضجيج والمشاجرات كلها تؤدي للطلاق العاطفي.
- على الزوجين عدم الخجل والتوجه إلى مراكز الاستشارات الأسرية لغاية إنجاح المحاولات ولطلب النصح شرط أن يكون برضا الطرفين، وإذا لم ينجح الأمر فالطلاق الفعلي هو الأنسب للزوجين والأبناء.
- الحل الأخير للخروج من هذه الظاهرة يكون باعتماد الطلاق الرسمي في حال وصل الزوجان إلى طريق مسدود لا يمكنهما من التفاهم.
وتختتم بالقول "جعل الله سبحانه وتعالى من الزواج المودة والسكينة والطمأنينة، فإذا غابت هذه الراحة حدث الخلل في المؤسسة الأسرية، ولم يبق أمام الزوجين إلا أبغض الحلال".