بسبب البيروقراطية.. أطباء بريطانيا عاجزون عن إنقاذ المصابين بكورونا
لم يُسمح للعديد من العاملين بالقطاع الصحي المرخصين من خارج بريطانيا بممارسة عملهم في المستشفيات، وذلك بسبب الإصرار على اتباع إجراءات ترخيص مزاولة المهنة التقليدية، مما أدى إلى عجز واضح في أعداد الأطباء والممرضين بالمستشفيات.
وفتح مستشفى نايتنغال للطوارئ أبوابه أمس للمرضى غير المصابين بكورونا، وذلك بعد تكدس أسرة مستشفيات لندن عن آخرها بالمصابين بالفيروس، ومع الضغط غير المسبوق الذي وصلت إليه البلاد هذا الأسبوع، صرح عمدة لندن صادق خان بأن شخصا بين كل 30 شخصا في لندن أصبح مصابا بالوباء.
شكّل ذلك الأمر ضغطا على المؤسسة الوطنية للصحة "إن إتش إس" (NHS)، حيث يستقبل العاملون بها أعدادا ضخمة من المرضى أكبر من الطاقة الاستيعابية للمستشفيات والفرق الطبية.
يفترض عادة تخصيص ممرض واحد لكل مريض في العناية المركزة، لكن في ظل تفشي الفيروس أصبح على كل ممرض خدمة 3 مرضى في وقت واحد، الأمر الذي وصفه عمدة لندن بأن العاصمة تتعامل مع الأزمة من الناحية الطبية باتباعها طب كوارث وليس بالإجراءات الاعتيادية المتعارف عليها.
بطاقات الهوية
ينتظر العديد من الممرضين والأطباء بطاقات الهوية الرسمية للعمل بالمملكة المتحدة "بي آر بي" (BRP)، التي تثبت الإذن بالعمل، حيث اعتادت الجهات المعنية على تسليم تلك البطاقة خلال 7 إلى 10 أيام عمل، لكن بسبب الجائحة، استغرقت تلك الإجراءات عدة شهور من الانتظار، وهو ما تسبب في تأخير انضمام الفرق الطبية للخطوط الأمامية.
وصرح الدكتور دولين بهاغاواتي لصحيفة إندبندنت (The Independent) البريطانية، وهو جراح أعصاب ورئيس جمعية الأطباء في المملكة المتحدة، بأنه يتواصل في الوقت الراهن مع حوالي 40 حالة من الموظفين الطبيين المؤهلين الذين لا يستطيعون العمل حاليا بسبب التأخير في إصدار بطاقات "بي آر بي" الخاصة بهم.
This needs to be addressed by @ukhomeoffice asap. @TheDA_UK wrote requesting this. We need all the trained staff possible on the #NHS frontline asap#marr #ridge
The doctors prevented from fighting coronavirus on front line due to Home Office delays https://t.co/RhNalkk5mn
— Dolin Bhagawati (@Grumpybraindoc) January 10, 2021
تحرك من السياسيين والمجتمع المدني
دفعت الأزمة عضو البرلمان في مدينة ليستر للتدخل من أجل إصدار بطاقة الهوية الخاصة بالطبيب أحمد أوس، أخصائي الأمراض الصدرية والجهاز التنفسي، وهو من أشد التخصصات الحرجة التي يحتاجها المصابون بكورونا، إذ حرم أوس من ممارسة العمل الطبي رغم استنزاف مؤسسة الصحة الوطنية في المدينة التي ترتفع فيها مستويات التفشي، إلا أن الحاجة إلى دعم الطبيب أوس لم تجنبه شهور الانتظار حتى يتم إصدار البطاقة.
وطالبت المنظمات المدنية المهتمة بالقطاع الطبي وزيرة الداخلية بريتي باتيل باتخاذ قرار لحل أزمة تأخر إصدار تصاريح الإقامة البيومترية (بي آر بي)، واعتبرت ذلك التعطيل عائقا أمام الأطقم الطبية، ودعت التوصيات إلى تطبيق مسار سريع خاص بالأطباء والممرضين دون غيرهم لإصدار بطاقات الهوية الخاصة بهم.
فرق طبية من اللاجئين
تشمل قائمة الانتظار اللاجئين من الفرق الطبية، فبحسب قواعد وزارة الداخلية في بريطانيا، فإن مقدم طلب اللجوء ينتظر لمدة عام لحسم موقفه قانونيا، وبعد هذا العام يمكنه التقدم لأي من الوظائف المدرجة بقوائم المهن الطبية التي يشملها العجز المهني في البلاد، والتي تتضمن التمريض والطب في هذه الآونة.
وأكد إنفر سولومون الرئيس التنفيذي لمجلس اللاجئين ببريطانيا لصحيفة إندبندنت، أن هذا العدد الكبير من المهنيين الصحيين من طالبي اللجوء غير قادرين على العمل حاليا بسبب عدم صدور تصاريح العمل لهم حتى اللحظة.
الخطوط الأمامية
حاورت الجزيرة نت الطبيب أحمد إسماعيل، أخصائي جراحة التحق مؤخرا بالمؤسسة الوطنية للصحة في بريطانيا وتعرض لتلك الإجراءات قبل أسابيع. أوضح إسماعيل أنه رغم الضرر النفسي والاجتماعي الذي وقع عليه بسبب تأخير الإجراءات، فإنه يتفهم ضرورة إتمام كافة الإجراءات المتعلقة بالسلامة، فمن بين الإجراءات التي أخرت التحاقه بالعمل كان إجراء تحاليل الأجسام المضادة للدرن، والذي استمر انتظاره للنتيجة أكثر من أسبوعين، لم يتمكن خلالهما من العمل رسميا بالمستشفيات البريطانية.
لكنه يرى أن هذا التأخير يرجع إلى إجراءات السلامة من أجل حماية الطبيب والمريض على حد السواء، قائلا "إن ممارسة الطب بإنجلترا لا تطلب الخبرة في المجال الصحي بأي دولة أخرى وحسب، ولكنها تحتاج المعرفة والدراية الكاملة بالأدلة الطبية والسياسات المتعارف عليها بنظام المملكة المتحدة، والتي يختبرها المجلس الطبي العام بالمملكة من خلال معادلات تتناسب مع سنوات الخبرة".
وتابع إسماعيل "لكن من دون تلك الاختبارات والمعايير العليا من السلامة ما صمدت المؤسسة الطبية"، ويعتبر إسماعيل الانضمام إلى الخطوط الأمامية أمرا معقدا، ويتعلق بوضع المريض كأولوية للحفاظ على حياته طبقا لتلك المعايير، والذي يختلف بصورة كبيرة عن العديد من الإجراءات التي تتخذها دول أخرى.
وتعد المؤسسة الوطنية للصحة من أكثر الأنظمة الصحية صرامة، وتتخذ من الاختبارات الطبية عالية المستوى سبيلا وحيدا للانضمام إليها، ورغم حاجتها الماسة لانضمام المزيد من الطواقم الطبية، فإنها لا تسمح بالتنازل عن المعايير الأكاديمية لممارسة العمل لديها.
ونادت المؤسسة الوطنية للصحة العديد من المتقاعدين والطلاب من أجل العودة لممارسة الطب، لأنهم حصلوا على تراخيص مزاولة المهنة المطابقة للمعايير البريطانية.