بالفيديو .. شاب جزائري يتحدى مرضه النادر بالموسيقى والغناء في شوارع تونس

وسط شحوب ويأس وإحباط يبدو واضحا على وجوه الناس في الشوارع بسبب جائحة كورونا ينبعث صوت سعادة وبهجة، صوت قيثارة ونغم هادئ وشجي يستوقف كل من مر بجانبه في شارع الحبيب بورقيبة نبض العاصمة التونسية، هو صوت الشاب كمال (21 عاما) الذي أطرب كل من سمعه بعزفه وصوته العذب.
كمال يعاني من مرض نادر هو نقص الأدرينالين، الهرمون الذي له دور مهم في التحكم بمزاج الشخص، حيث يزيد انخفاضه من التوتر والعصبية، لكن فاقد الشيء يعطيه بالنسبة لحالة كمال، فهو يعزف بهدوء يكاد يخدر كل من سمعه، ونغمات قيثارته تتسلل عبر الأحياء والشوارع البائسة لتضفي عليها سحرا خاصا.

شغف ومورد رزق
جاء كمال من الجزائر (بلده الأم) إلى تونس لدراسة التكرير والبتروكيمياء، لكنه مولع بالعزف والغناء، فقرر استثمار موهبته لإعالة نفسه ومساعدة أهله على مصاريف الدراسة.
يقول للجزيرة نت "أردت أن أعمل بالتوازي مع دراستي، وكما تعلم ليس من السهل إيجاد عمل، فقد تقدمت عدة مرات لوظائف على غرار نادل في مقهى لكن قوبلت بالرفض، والمرجح أنه بسبب مرضي".
قرر كمال أن يضرب عصفورين بحجر واحد، فهو مولع أيما ولع بالموسيقى التي تجري في عروقه حسب تعبيره، وقد شجعه صديقه في الجامعة على استثمار موهبته، فاستبدل قيثارته العادية بأخرى إلكترونية، وبدأت رحلة عزفه الأولى في شارع مارسيليا بتونس العاصمة، ووجد استحسانا كبيرا من قبل المارة.
يقول وعلامات الرضا تعلو محياه "هناك أناس رائعون شجعوني على المواصلة وأطروا على موهبتي، مما جعلني أمضي قدما فيما بدأته، فالناس متعطشون للفرح، وكم تسعدني رؤيته على وجوههم".

عزف وغناء
واكتشف كمال أن صوته عذب، فاقتنى ميكروفونا، وانطلق يغني ويعزف، فأطرب كل من سمعه، خاصة باللون الغربي، ألهم الكثير من الشباب الموهوبين، وتلقى اتصالات ورسائل من أصحاب مواهب فنية مختلفة، كالرقص والغناء والعزف وغيرها ليشاركوه عروضه الغنائية، ويقول إنه يقبل مشاركتهم بصدر رحب حتى أنه يترك آلته أحيانا ليفسح لهم مجالا لإظهار مواهبهم.

جمهور متنوع
تردد كمال في البداية خوفا من وجود قوانين تمنع ممارسة فن الشارع، فبحث في الموضوع، ومن حسن حظه أنه لم يتعرض لمضايقات من قبل الدوريات الأمنية مثلما روج له البعض، بل وجد تشجيعا منها.
ولا يخلو عمله من صعوبات كغيره من الأعمال، حيث يضايقه بعض المارة أحيانا، فمنهم من يأخذ الميكروفون من يده ليجرب الغناء، وآخر يريد أن يجرب العزف، ومنهم من يرقص أمامه مباشرة.
يقول كمال "هناك متطفلون يضايقونني أحيانا لكنهم قلة، وعدد المشجعين كبير، فتجد من يشجعني بالحضور، وآخر بما تجود يده، وآخرون بالتصفيق والثناء على ما أقدمه، وهو ما جعلني أغض الطرف عن الجانب السلبي الطفيف من الموضوع".
ولكمال جمهور عريض من جميع الفئات العمرية يشمل أطفالا وشيبا وشبابا يلتفون حوله مستمتعين بأدائه، ويقول محمد (40 عاما) للجزيرة نت "أصبحت أحضر خصيصا مع ابنتي لمشاهدة عروض هذا الشاب، إنها ممتعة فعلا، وهي مولعة بعزفه وغنائه كثيرا، وترغمني يوميا على المجيء، وقد استحسنت الأمر".

ابتسامة تبث الراحة
وفضلا عن موهبته فإنه كسب جمهورا كبيرا بابتسامته البريئة ورحابة صدره، وتقول سارة (30 عاما) "بغض النظر عن عزفه وغنائه الرائع فإن الملامح الطفولية لهذا الشاب وحبه لعمله وابتسامته الدائمة تبعث في النفس نوعا من الطمأنينة والسلام".
يصدح صوت الفنان الشاب وهو يعانق قيتارثه، فتسافر نغماته عبر الأثير وتستقطب كل من سمعها لاكتشاف مصدر الصوت والتصفيق له إعجابا بما يقدمه، ليتزين الشارع بروح الفن وعبق الحياة، وهو أفضل تحد لأولئك الذين يبثون الرعب والخوف والدمار.