حصار مزدوج ومعاناة متفاقمة.. ما أصعب تربية الأطفال في قطاع غزة
في وقت متأخر من الليل، تستهدف الطائرات الإسرائيلية مقرات لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، ويفزع الأب إلى صغيريه آدم وكرم خشية أن يستيقظا مذعورين بسبب القصف. وعندما يقترب منهما، يلاحظ أنهما نائمان.
في تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست (washingtonpost) الأميركية، يتحدث الصحفي الفلسطيني حازم بعلوشة المقيم بمدينة غزة عن معاناته بوصفه والدًا لطفلين في قطاع غزة، في ظل حصار مزدوج بسبب الاحتلال والجائحة.
يقول الكاتب إن سكان القطاع المحاصرين منذ سنوات بين البحر الأبيض المتوسط من جهة، والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى، فُرض عليهم حصار جديد بسبب تطبيق الحجر الصحي المنزلي منذ أسبوعين لاحتواء فيروس كورونا، وبسبب الغارات الإسرائيلية الليلية المستمرة منذ 20 يوما.
وفُرض الحجر الإلزامي بعد تزايد حالات الإصابة بالفيروس، فبعد أن بقي العدد ثابتا لفترة طويلة ولم يتجاوز 100 حالة، كانت كلها حالات وافدة وخضعت للحجر الإلزامي، أُعلن يوم 24 أغسطس/آب الماضي عن أولى الحالات المحلية في مخيم المغازي، لتخضع غزة للإغلاق الكامل في الليلة ذاتها. ومنذ ذلك الحين، سجل القطاع أكثر من 1400 إصابة محلية.
هل بإمكاني حماية طفلي؟
وفي مثل هذه الظروف، يتساءل الكاتب إن كان بإمكانه أن يحمي طفليه آدم وكرم ويوفر لهما حياة كريمة في غزة المحاصرة التي تعيش على وقع تصعيد مستمر بين إسرائيل من جهة، وحماس وبقية الفصائل الفلسطينية من جهة أخرى.
Posted by Hazem Balousha on
انقطاع الكهرباء
يرى الكاتب أنه من بين السكان المحظوظين في القطاع لأنه يملك نظام الطاقة الشمسية الذي يوفر حوالي 70% من احتياجاته المنزلية، في حين يقضي عدد كبير من جيرانه ومعظم سكان المخيمات في غزة فترة الحجر المنزلي في الظلام تقريبا.
دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي محطة الكهرباء الرئيسية في غزة خلال حرب عام 2006. وقبل 3 أسابيع، قطعت إسرائيل شحنات الوقود المخصصة لآخر محطة كهرباء في غزة كرد انتقامي على إطلاق البالونات الحارقة، وحاليا لا يسمح لغزة سوى بـ4 ساعات فقط من الكهرباء يوميا.
حصار وحجر منزلي
وفي ظل الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات على سكان القطاع، أفضل طريقة حتى "لا تفقد عقلك" هي أن تتحرك ضمن ما هو متاح، وأن تجتمع مع الآخرين في المقاهي أو المساجد أو الشواطئ. لكن حتى هذا التواصل لم يعد ممكنا الآن بسبب جائحة كورونا وإجراءات الحجر المنزلي، كما يقول الكاتب بعلوشة.
ولم يُفرض الحجر المنزلي على سكان القطاع بداية الأزمة، واقتصرت الإجراءات على إغلاق المطاعم والمساجد والكنائس، وخضع الوافدون عبر الحواجز للحجر الصحي 3 أسابيع، وظل عدد الإصابات منخفضا.
العودة أو اللاعودة للمدارس
ومع فتح المدارس أبوابها في الأسبوع الثاني من أغسطس/آب الماضي بعد 5 أشهر من الإغلاق، يقول الكاتب إن ولديه كانا متحمسين للعودة، ويأمل كل منهما أن يحدّث زملاءه عما أنجزه في الفترة الماضية، حيث حصل كرم على الحزام الأصفر في الكاراتيه، وتعلم آدم حركات كرة قدم جديدة.
لكن في غضون أسابيع، توقفت الدراسة مرة أخرى بسبب ظهور حالات عدوى محلية، و"ضُيّق الخناق" مجددا على سكان القطاع الذين أصبحوا محاصرين بين الغارات الجوية الليلية، وبين خطر الوباء الذي داهمهم من جديد.
وفي ظل توقف الدراسة، يقضي طفلاه معظم الوقت في ألعاب الفيديو، ويقتصر تواصلهما مع الآخرين على بضع ساعات من التسلية بالبلايستيشن مع الأقارب والأصدقاء.
التكنولوجيا.. نقمة على الطفلين
يقول الكاتب إن ولديه يكتشفان يوما بعد يوم مما يشاهدانه على الإنترنت أن حياتهما مختلفة تماما عما يعيشه الأطفال في بقية دول العالم.
فعندما يشتاقان لرؤية جدتهما في الضفة الغربية، يستغرق التخطيط للزيارة عدة أشهر لأخذ تصاريح من سلطات الاحتلال وأحيانا من حماس والسلطة الفلسطينية، وفي كل حاجز على الطريق من غزة إلى الضفة، قد تجبر على أن تعود أدراجك وتُلغي الزيارة.
ولهذا يرى الكاتب أن التكنولوجيا تشكل نقمة على طفليه، لأنها تفتح أعينهما على عالم مغاير لما يعيشانه في غزة من حصار وحرمان من أبسط الحقوق.
فحتى الشاطئ الذي كان يعتبر متنفسا لسكان القطاع، أصبح ملوثا بسبب تعطل محطات التنقية التي لم تعد تحصل على ما يكفي من الكهرباء لمعالجة مياه الصرف التي تصب في البحر.
لذلك، شعر بالحزن والأسى عندما اصطحب ولديه إلى الشاطئ قبل أيام من فرض الحجر الصحي، فكلما أرادا السباحة في البحر، كان مضطرا لمنعهما.
هدنة وأمل في اختفاء الفيروس
وفي ظل الاتفاق الذي حصل بين إسرائيل وحماس بعد فترة وجيزة من انتشار الفيروس على وقف إطلاق النار بوساطة قطرية، يقول الكاتب إن سكان القطاع تمتعوا بـ4 ساعات إضافية من الكهرباء لإضاءة منازلهم في الحجر الصحي.
لكنه يؤكد أن سكان غزة يعلمون بحكم التجربة أن هذه الهدنة لن تدوم طويلا، وأنه لا يسعهم إلا أن يصلوا للحفاظ على سلامة أطفالهم إلى حين انتهاء الحصار المفروض عليهم بسبب جائحة كورونا، ليعودوا للاستمتاع ببعض ما يتاح لهم في ظل الحصار الإسرائيلي.
هكذا هي حياة أب وولديه في قطاع غزة، "حلقة من التوتر والراحة واليأس والفرح. سيكونون سعداء على الرمال، وسأقول لا للسباحة، في انتظار اليوم الذي يمكنني أن أقول فيه نعم".