مبادرة لتأمين سكن لمن فقد منزله.. "بيتنا بيتك" تضمد جراح أبناء بيروت

في حين ما تزال بيروت تلملم جراحها بعد انفجار المرفأ، وفي إطار مساعدة العائلات المنكوبة، توسع مبادرة "بيتنا بيتك" خدماتها لتشمل تأمين خدمات سكنية مناسبة للعائلات، التي فقدت منازلها، وعُرفت المبادرة بحملتها السابقة في ظل أزمة كورونا، بهدف تأمين مساكن آمنة للطواقم الطبية بالقرب من المستشفيات، التي تعمل بها بهدف حماية عائلاتهم من خطر الاصابة.
ولأن التكاتف هو الأمل الوحيد للبقاء، تتكثف اليوم المبادرات الإنسانية والمساعدات منها الفردية ومنها لمنظمات غير ربحية وأخرى لمؤسسات، كلها قررت المساهمة بتضميد جراح أبناء المدينة بعد أن توالت الصفعات التي طالتها.

تأمين 450 مسكنا وترميم ألف منزل
مارون كرم، أحد مؤسسي مبادرة "بيتنا بيتك" لدعم المتضررين من انفجار بيروت، يقول للجزيرة نت إنهم يهدفون لتجميع الجهود غير الحكومية في ظل غياب الدولة والحكومة عن شعبها.
أجرت المبادرة مسحا ميدانيا لحاجات المواطنين وحجم الأضرار التي حلت بهم وبمنازلهم، وتعمل على تأمين الدعم والمساعدات لهم من خلال تبرعات وصلت للحملة من مغتربين في الخارج ومن لبنان أيضا، وإن كانت مساعدات عينية.
هناك بيوت ستوضع تحت تصرف هذه العائلات التي فقدت منازلها. كما وضعت خطة عمل وتوزيع للمهام بين المهندسين المدنيين والمعماريين، الذين تطوعوا لمساعدة أهالي العاصمة الذين تضررت منازلهم.
ويؤكد كرم للجزيرة نت "أن المبادرة استطاعت تأمين 450 مسكنا، وترميم ألف منزل للمتضررين بسبب حادث انفجار المرفأ، وهي مساكن طويلة الأمد، ولا تتوقف عند ذلك فقط؛ بل تقوم المبادرة بترميم المنازل التي تضررت جراء الانفجار".
مباني سكنية لم تعد صالحة للسكن
ويتأسف كرم لأن العديد من المباني السكنية لم تعد صالحة للسكن، وبات سكانها في الشارع، ما جعل كثيرون يعلنون فتح منازلهم للمتضررين، وباشرت حملات عديدة بتأمين أماكن لإيواء من تضررت منازلهم في الانفجار.
ويوضح كرم بأنهم يركزون على المناطق الأكثر تضررا لتقديم المساعدة واستضافة العائلات المشردة في بيوت مؤقتة وآمنة لحين ايجاد حل سريع لهم، خصوصا أن هناك تقصيرا كبيرا من الدولة، خاصة أنها لا تملك القدرات الكافية.
فالدولة ومؤسساتها الإغاثية، ولا سيما الهيئة العليا للإغاثة، لا تملك الأموال المطلوبة لمواجهة هذه الأزمة، كما أنها لا تملك الخطط السريعة للاستجابة لهذا النوع من الحوادث؛ لذا فإن ناشطي المجتمع المدني في المقدمة، بحسب كرم.

الحطام النفسي أصعب من حطام الأبنية
لا ينسى كرم المشاهد المرعبة لمناطق كلها مدفونة تحت الركام، التراب والزجاج والحطام يملأ طريقها الأساسي، المنازل التراثية والقديمة من حولك مهشمة بالكامل، صراخ من كل بيت وطريق فرعي.
يستذكر وقتها كيف حاول إقناع سيدة عجوز لترك منزلها المدمر بالكامل وإيوائها بأحد المنازل البديلة والمؤقتة، التي تقدمها "بيتنا بيتك" لكنها رفضت بشدة مغادرة المكان صارخة بحرقة قلب "هذا بيتي، هنا حياتي وذكرياتي وكل ما أملك، لا أستطيع تركه"، كلامها أثّر به كثيرا معتبرا أن الحطام النفسي أفظع من حطام الأبنية والمنازل.
ويلفت كرم إلى أن تراكم هذه الأزمات ترك ضررا نفسيا كبيرا على الناس خاصة على العائلات، التي خسرت منازلها وفقدت أحد أبنائها، لذلك اتخذت مبادرة "بيتنا بيتك" خطوة ثانية لدعم المتضررين نفسيا من خلال استشارات مجانية من مختصين نفسيين يمكنهم المساعدة لتخفيف هذه المعاناة، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم.

المنزل الملاذ الآمن لكل انسان
تترك الصدمة آثارها على الأفراد الذين فقدوا أحباءهم ومنازلهم، ويعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، فالمنزل هو الملاذ الآمن لكل إنسان، فهو يشعره بالطمأنينة والخصوصية ويستمتع فيه براحته مع أفراد أسرته، وخسارته تشكل قلقا نفسيا لمن لا يملكه.
منى عبد الرحيم سانتل معالجة نفسية وإيحائية ومدربة للعلاج الإيحائي والبرمجة اللغوية العصبية في مؤسسة "مايند يور باور" (Mind your power) للعلاج والتدريب النفسي، رئيسة نقابة المعالجين الايحائيين في لبنان، والتي تقدم علاجا مجانيا لمتضرري انفجار المرفأ، تشرح للجزيرة نت كيفية التعامل مع الخسائر الكبرى في الحياة وآلام الفقد.. وكيف نتخطاها؟
التعامل مع فقدان شخص يحبه الإنسان واحد من أكبر التحديات التي قد تواجهنا في الحياة، ففي كثير من الأحيان ألم الخسارة يكون ساحقا، حيث يرفع الستار عن كل أنواع العواطف الصعبة وغير المتوقعة، من الصدمة والغضب إلى الإنكار، إلى الشعور بالذنب، والحزن العميق.
وتعد أن فقدان المنزل هو فقد مادي وعاطفي، فهو يمثل الهوية والخصوصية مع الذكريات الجميلة، وهو الملاذ الآمن والراحة والاستقرار، وفقدانه يعد من الخسائر الكبرى في الحياة، ولها تأثير سلبي على حياة الأشخاص.
المواجهة هي العلاج الحقيقي
ولا بد أن نقف عند تدرج احتياجات الإنسان، وهذه النظرية التي وضعها العالم الأميركي الأصل أبراهام ماسلو، وهي معروفة باسم "هرم ماسلو" الذي عد أن أهم درجة هي الاحتياجات الجسدية، ومنها الإحساس بالأمان في المنزل، الطعام والشراب وقدرة العيش، ومع فقدان هذا "الأمان" لا يستطيع الانسان العيش، حتى لو توافرت لديه الاحتياجات الأخرى؛ لأنها ببساطة حاجات تحفظ وجوده.
وتبيّن منى أنه بخلاف التغيير الذي تحدثه الخسائر في حياتنا، هناك تأثيرات أخرى يتركها الألم والحزن الناتج عن الفقد، لذلك الطريق الحقيقي للعلاج هو تخطي ألم الفقدان والتعود عليه، ويبدأ بمواجهة الحزن والتعامل معه على أنه حقيقة وقعت، والتوقف عن اللوم والإحساس بالذنب والشعور بالأسف.
إعطاء المشاعر المساحة الكامل
ولا عجب أن كثيرا من الناس يخفون ألمهم ويتجاهلون مشاعرهم؛ لكن الحزن الذي لم يُحل قد يؤدي إلى مضاعفات مثل الاكتئاب والقلق والمشكلات الصحية.
فمحاولة تجاهل الألم والاحتفاظ به في الداخل فقط، تؤدي لتفاقم الوضع على المدى الطويل. وإذا أردت الشفاء الحقيقي، فمن الضروري مواجهة الحزن والتعامل معه بفاعلية، لذا يجب عدم كبت المشاعر والمضي قدما واستئناف الحياة بالإحساس بالأمل والإرادة القوية.

بديل المنزل لاستعادة الإيجابية
وتقول منى إنه من المهم جدا إيجاد بديل عن المنزل للشعور بالأمان والراحة والدفء وعدم الشعور بالغربة والوحدة، الإنسان بطبعه يتكيف ويتأقلم بسرعة مع الوضع الجديد، لذلك لا بد أن يجد الأحاسيس الجميلة والدفء في المنزل الجديد مع استرجاع الذكريات المؤثرة والتي كلها فرح وهدوء.
وتدعو المعالجة النفسية إلى عدم كبت المشاعر كالغضب والتوتر والكآبة والقلق ومحاولة تفريغ كل المشاعر السلبية، والتحدث عنها مع الآخرين من الأحباء والأصدقاء لإيجاد الدعم النفسي والمعنوي، إضافة لمحاولة استعادة الروتين اليومي الذي كان موجودا في المنزل بكل تفاصيله؛ لأنه سيكون حافزا أساسيا لاستعادة الطاقة الإيجابية والراحة النفسية.