بعد صدمة انفجار المرفأ.. مبادرة لإعادة البسمة إلى وجوه أطفال لبنان المتضررين نفسيا

سبّب انفجار مرفأ بيروت صدمة إضافية لأطفال لبنان، الذين حتمت عليهم الظروف المعاناة من آثار الأزمة الاقتصادية الحادة والجائحة المستمرة، لذلك لا بد من الدعم النفسي والاجتماعي والصحة العقلية لمساعدة الأطفال وعائلاتهم على التعافي من الصدمة.
ويأتي هذا الدعم عبر إعادتهم إلى حياتهم اليومية الروتينية من خلال اللعب والدراسة والتعبير عن مشاعرهم والاستمتاع بوقتهم مع زملائهم في بيئة يشعرون فيها بالأمان والدعم النفسي المكثف والحماية، وتتيح لهم الاندماج والتكامل مع الآخرين، مع إنشاء مساحات صديقة لهم في المناطق المتضررة.

مبادرة فردية
لم تتردد الناشطة و"مدرب الحياة" (life coach) الشابة اللبنانية ألكسندرا الزهران وأصدقاؤها في إنشاء مجموعة على صفحتها الرسمية على إنستغرام، ودعوة الشباب للانضمام إليها بهدف تشكيل خلية أزمة يمكن لها تقديم المساعدة لأهالي بيروت.
واعتمدت على جمع التبرعات، كما شمل عملها تأمين المساعدات الغذائية والثياب والألعاب، وإزالة الحطام الناجم من الانفجار وأعمال التنظيف، فهي تعتمد باستمرار على مبادرتها الفردية ولا تسعى للانخراط في أي جمعية.

رسم البسمة الوجوه
تشير ألكسندرا إلى أنها انتقلت إلى المرحلة الثانية، وهي الخطوة الأكثر أهمية لمساعدة كل الأطفال من كل الجنسيات المتضررين نفسيا من الحادث، ورسم البسمة على وجوههم، فاختارت توزيع الألعاب والقصص مع أدوات الرسم والتلوين، كما تقول للجزيرة نت.
وتوفر هذه الأدوات أجواء الراحة والمتعة والفرح، مما يسهم في علاج العديد من الاضطرابات الانفعالية والنفسية، فهذه المشاركة خلقت جوا تفاعليا ونفسيا وعاطفيا إيجابيا بين الأهل والأبناء، ومن الضروري أن يكون هناك التواصل العائلي الذي يؤدي إلى الراحة النفسية في كنف عائلاتهم.

هل سأحصل على لعبة؟
تتذكر ألكسندرا متأثرة سؤال صبي (7 أعوام) وهو يشعر بالقلق والتوتر: "هل هذه الألعاب تكفي لكل الأولاد؟ هل سأحصل على لعبة فعلا؟"
فاجأتها هذه الجملة وشعرت برغبة في البكاء، لكنها تمالكت أعصابها وأجابته بهدوء مؤكدة له أن الجميع سيحصلون على الألعاب والهدايا من دون استثناء.
وتشير ألكسندرا بحزن وتتأسف إلى أن هؤلاء الأطفال نضجوا قبل أوانهم وطفولتهم مسلوبة، فهم يعيشون حياة لا تتناسب مع أعمارهم، خاصة بعد أن استمعت إلى العديد منهم، وهم يرددون جملة واحدة: "إن وقت اللعب انتهى وحياة الدفء والأمن ولت".
الحوار الأسري أولوية
تكمل شرحها قائلة "ما ذنب هؤلاء الأطفال أن يحرموا من البسمة؟ يجب ألا نقف عاجزين عن تقديم يد العون لهم؛ ليتمتعوا بطفولة آمنة سليمة، وهنا يأتي دور الحوار الأسري الذي يخلق تفاعلا بين الطفل ووالديه ليسهل التعامل معه، وليشعر بالأمن والراحة النفسية؛ فالتواصل بين الأهل والأبناء مهم جدا، خاصة لعلاج عوارض اضطراب ما بعد الصدمة.
تنهي ألكسندرا قولها إنها بصدد تنفيذ مشروع مخصص للأطفال يقدم كل أنواع الدعم النفسي والاجتماعي مع أنشطة ترفيهية وثقافية، لتمنح آثارا إيجابية للأطفال، وتشعرهم بالاهتمام ووجود بارقة أمل، وتخفيف المعاناة وتحديات الحياة في لبنان.

مساعدة الأهل للأبناء ضرورة
ماغي الخطيب اختصاصية تربوية واجتماعية ومسؤولة قسم الروضة في مدرسة المقاصد، تقول للجزيرة نت "تتفاوت نسبة تأثر الأطفال بوقع حادثة الانفجار؛ فمنهم من يعاني الكآبة والقلق النفسي الذي يستمر بضعة أسابيع، وقد تسوء حالة الطفل وتتدهور لفترة أطول، وبالتالي من الضروري اللجوء إلى طبيب نفسي ليشرف على العلاج، لذلك لا بد من تقديم المساعدة لهؤلاء الأطفال لتخطي هذه الصدمة الكارثة، والعودة إلى الحالة الطبيعية".

أنشطة لتخطي صدمة الانفجار
وحسب الخطيب، فإن هناك أنشطة يمكن أن ينفذها الأهل مع أبنائهم لمساعدتهم على تخطي صدمة الانفجار، ومن أهمها:
أولا: تقبل الاضطراب الذي يحصل للطفل من قبل الكبار، لأن ما يشعر به الطفل في هذه المرحلة حقيقي وطبيعي، وهو لا يقوى على التحكم في انفعالاته وأحاسيسه وأفعاله نتيجة صدمة الانفجار وآثارها عليه.
ثانيًا: يستطيع الآباء تقديم المساعدة لأبنائهم من خلال السماح لهم بالتحدث عما حدث، ومناقشة ذلك معهم وتبسيط الأمور عليهم، وعلى الأهل استخدام تعابير ومصطلحات مفهومة للطفل عند شرح ما حصل لتقريب الفكرة التي يريدون توصيلها. لكن من الضروري عدم إجبار الطفل على التحدث عما حدث، فذلك لن يساعده، بل على العكس قد تكون له آثار سلبية.
ثالثا: في بعض الأحيان يجد الأطفال سهولة في التحدث مع الآخرين أكثر من ذويهم، فإذا كان هناك أحد الأفراد البالغين من العائلة يرتاح له الطفل، فليس هناك مانع في أن يتحدث معه عن الانفجار وعن مشاعره تجاه ذلك. كذلك المساعدة المتخصصة مهمة جدا لعودة الطفل لحالته الطبيعية وتقليل التأثيرات الضارة نتيجة بقاء تأثير ضغط الصدمة فترة طويلة، في حال رأى الأهل ضرورة لذلك.

رابعًا: يجب على الأهل تشجيع أطفالهم على التعبير عن فاجعة الانفجار من خلال تمثيل ذلك بالرسوم والصور واستخدام الألوان إن أرادوا، أو من خلال الكتابة إذا كانوا يستطيعون، فذلك سيساعدهم على التعبير عما يخالجهم من أفكار.
خامسًا: يستطيع الأهل القراءة مع أطفالهم قصصا مسلية في مواضيع مختلفة تمنحهم الفرح والإيجابية، خاصة تلك التي تساعدهم وتشجعهم على التعبير عن مشاعرهم، وتُظهر أهمية التعبير عن المشاعر لأشخاص مقربين منهم.
سادسًا: تشجيع الأهل لأطفالهم على التواصل مع أصدقائهم من خلال لقاء في مكان ما أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للاطمئنان عنهم والتحدث معهم بوجود الأهل، ومن الممكن أن يحضِّر الأهل باتفاق مسبق مجموعة من الأنشطة المسلية التي تبث الفرح في قلوب الأطفال، وتشجيعهم على المشاركة في اللعب.
سابعًا: يمكن أن يتواصل الطفل مع معلماته؛ فالمعلمة تعطيه الشعور بالأمان وتذكره بالمدرسة، المكان الذي يقضي فيه أوقاتا مسلية معها ومع رفاقه. وفي حال كانت هناك إمكانية يمكن للمعلمات جمع التلاميذ في حصة تعلم عن بعد، وتنفيذ أنشطة مسلية ومريحة للأطفال تبعث فيهم الفرح، ويمكنهم التحدث عن موضوع الانفجار من خلال قصص أو رسوم أو غناء وغير ذلك.
ثامنًا: على الأهل أن يغدقوا مشاعرهم على أطفالهم في هذه المرحلة؛ فالمحبة تشفي القلوب والنفوس، فمن الضروري عناق الأطفال، والتعبير لهم عن محبتهم وتقبيلهم، فهذا يعطيهم شعورا بالحب والأمان والحماية.
تاسعًا: ممارسة الأهل بعض التمارين الرياضية مع أبنائهم، الأمر الذي يمكّنهم من تفريغ الطاقة السلبية واستبدالها بطاقة إيجابية.

عاشرًا: استماع الأهل مع أطفالهم لبعض الأغاني والأناشيد المحببة للأطفال، أو الرقص على أنغامها، الأمر الذي يجعلهم يشعرون بالسعادة ويخفف تأثير وقع الانفجار السلبي عليهم.
وأخيرا: يمكن للأهل أن يطلبوا من أبنائهم طرح أفكار لمساعدة الأشخاص الذين تضرروا من الانفجار، أو يمكنهم تقديم مساعدات مثل جمع التبرعات أو المساعدة في الترتيب، وتقديم هذا النوع من المساعدات يمنح الطفل الشعور بالإيجابية والرضا وإبعاد الأفكار السوداوية عن الانفجار.
وتنهي الخطيب حديثها للجزيرة نت بنصيحة للأهل مفادها أنه من غير الصحي ولا الصحيح ترك الأطفال وحدهم لينسوا ما حدث من دون مساعدتهم على تخطي هذه الصدمة المريعة.