لا تقلق.. رمضانك في ظل كورونا يمكن أن يكون الأفضل

صفوف المعتكفين أثناء تناول وجبة الإفطار رمضان الماضي غرب الأقصى

حوار/ جمان أبو عرفة-القدس المحتلة

يمكن أن يكون شهر رمضان المبارك فرصة ذهبية لتهذيب النفس في ظل جائحة فيروس كورونا، وفرصة لتطبيق السنن وزيادة الرصيد الإيماني واستغلال دقائق ثمينة لن تعود، هذا ما طمأن به المربي وإمام مسجد سردا الكبير في فلسطين محمد ربعي خلال حوار مع الجزيرة نت، والذي قدم خلاله نصائح للأفراد والأسر ليكون رمضانهم هذه السنة هو الأفضل والأكثر بركة.

وفيما يلي نص الحوار:

ما الحكمة برأيك من تقاطع رمضان هذه السنة مع جائحة كورونا؟
الإنسان المؤمن يفوّض أمره إلى الله لأن ما يحدث على الأرض من تقديره سبحانه، يجب أن ننظر إلى الأمر بأن الله يحبنا وقدّر لنا واصطفانا أن نلتحق بركب رمضان هذه السنة لحكمة أرادها، لذلك من باب أولى أن يتقرب المؤمن إلى الله ويريه من نفسه خيرا.

هذه الأجواء يجب أن تزيد التجاء الناس إلى الله الذي يهدي العلماء لإيجاد العلاج. وهذه الجائحة يجب أن تزيد الإيمان والثقة بأن الله هو الضار والنافع الذي أراد بأن يبقى الناس في بيوتهم ليهتموا أكثر بقيمة التدبر والتفكر. هذه الأزمة ليست نهاية العالم ولكنها تذكرة ودق لناقوس الخطر بأن يعود الإنسان إلى خالقه.

رمضان هو محطة للتزود، أراد الله فيه أن تغلق المساجد ونمكث في بيوتنا، لنطبق السنن، ويكون المرء إماما في بيته وقدوة للمسارعة في الخيرات.محمد ربعي مربي وإمام مسجد سردا في فلسطين يدعو لاستغلال الحجر المنزلي في تعظيم شعائر الله (الجزيرة)محمد ربعي مربي وإمام مسجد سردا في فلسطين يدعو لاستغلال الحجر المنزلي في تعظيم شعائر الله (الجزيرة)

كيف يتحوّل الحجر المنزلي إلى فرصة لاستعادة دور الأسرة والاعتكاف المنزلي؟
بأن يستغل الفرد فرصة مكوثه بالبيت في تعظيم شعائر الله، يعوض تقصيره بحق نفسه وأهل بيته، كأن الله أراد أن نهتم أكثر بأحبابنا وأطفالنا وأزواجنا. فالتربية داخل الأسرة هي الأساس، لأجل ذلك تُحيّد وسائل التأثير الأخرى في ظل كورونا.

إعلان

يجب أن يخطط الفرد ويصنع برنامجا داخل بيته، كأن يرتب جلسة إيمانية لا يتنازل عنها قبل الإفطار، يجتمع فيها أفراد العائلة، ويدعو فيها الأب أو الأم ويؤمن أطفالهما خلفهما، أو يطلب من أطفاله الدعاء في دقائق غالية.

أنصح بأن نبتكر "نادي التراويح"، حيث تخصص الأسرة مكانا في البيت مصلى، ويتفقون على صلاة التراويح جماعة في وقت معين لا يتأخرون عنه، حيث يؤم الأب أو الأخ الأكبر بهم، وتخصص استراحة إثر كل 4 ركعات، يُطلب خلالها من الأطفال تقديم فقرة معينة (مسابقة، عرض إنجاز) أو يأكلون الحلوى فيها، كما ينبغي أن تكون الصلاة جهرية ويسمع الأطفال صوت الإمام، يجب أن يشعر أفراد المنزل بأننا دخلنا جوا جديدا.

من المهم أن نهيئ لأطفالنا أجواء رمضانية إيجابية، نحدثهم عن الشهر المبارك وفضائله، نجهز كراسات رسم ليرسم الأطفال عليها مواضيع رمضانية، نشرح وندرس أسماء الله الحسنى، ونتفكر بآيات القرآن الكريم.

لا ننس أيضا تطبيق سنة السحور، فإن فيه بركة، يجب أن نجتمع على المائدة، ومن قبلها نصلي قيام الليل، أو نؤخر صلاة الوتر قبيل الفجر، ثم نصلي الفجر جماعة ونبقى في مصلانا حتى طلوع الفجر، فهذا يُعلم الأطفال الصبر.

هناك أفراد (مرضى، محجورون، طلاب) بعيدون عن عائلاتهم، كيف يمكن أن يستغلوا وحدتهم في رمضان؟
هؤلاء هم الأقدر على ضبط بوصلتهم وبرنامجهم في رمضان، فلديهم وقت طويل عليهم استغلاله جيدا، كأن يشتركوا في مجموعات إلكترونية يمكن أن يجدوها من خلال بحث بسيط على الإنترنت، هناك مجموعات علمية ومنهجية تساعد على حفظ القرآن وختمه، أو تعلم أحكامه وعلومه، أو تنشر معارف معينة يمكن أن يختارها الفرد وفق تخصصه أو ميوله.

ويمكن لبعض الأشخاص أن يعقدوا دورات ومجموعات خاصة بهم لنشر ما يعرفونه.

كما ينبغي أن يكون بين الإنسان وربه أسرار من الحسنات والأعمال الصالحة، يمكنه أن ينظم برنامجا فرديا للذكر، وآخر للصدقة، وهناك مواقع إلكترونية مؤتمنة يستطيع الفرد من خلالها التصدق دوريا بدولار واحد.

إعلان

لكن الأهم من ذلك كله أن يخلص الفرد نيته لوجه الله تعالى، ففي رمضان تصفد الشياطين، وفي حجر الإنسان وخلوته تحدٍ كبير لذاته، يجب أن تخوض معركتك الخاصة بينك وبين نفسك!

ساحات المسجد الأقصى قبالة المصلى القبلي مليئة بالمصلين في صلاة التراويح رمضان 2019 (الجزيرة)

الرحم في رمضان والحجر المنزلي، كيف نصله؟
الاختلاط الاجتماعي في الفقه الإسلامي يرتبط بصلة الرحم، فحتى لو لم نستطع زيارة أرحامنا وأقاربنا ميدانيا، فيجب علينا أن نصلهم إلكترونيا عن بعد عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي المرئية والمسموعة.

الإنسان اجتماعي بطبعه، ولكن لكل مرحلة ظروفها الخاصة، التي يمكن أن نستغلها لصالحنا، فقد كانت لقاءاتنا الاجتماعية وولائمنا تستنزف الوقت، أما اليوم فقد جاءتنا فرصة ذهبية لضبط عداد أوقاتنا واستغلال أوقاتنا بالنافع. نحن نتمنى التزاور والوصال وتفطير الصائمين، لكن إن أخلصنا أعمالنا وخلوتنا وحجرنا لله، فسوف يؤتينا أجورها تامة كأننا قمنا بها.

كيف نهوّن على أنفسنا إغلاق معظم المساجد حول العالم، وخصوصا المساجد المقدسة الثلاثة (المسجد الأقصى في فلسطين، والحرم المكي في مكة المكرمة، والحرم المدني بالمدينة المنورة)؟
لا شك في أن إغلاق المساجد على مستوى العالم هو فاجعة وكسر خاطر لكل محب للمساجد، لكن بالتأكيد أن هذه الجائحة لن تستمر، ويمكن تحويل محنتها إلى منحة بأن نقيم الصلوات والاعتكاف في بيوتنا، وندعو الله بأن يخرجنا سالمين من هذه الأزمة.

وفي موضوع إغلاق المسجد الأقصى بالقدس المحتلة، لا ننسى أن كثيرا من الفلسطينيين والمسلمين حول العالم حرموا من دخوله أعواما كثيرة، كما أن هذا الظرف يجب أن يذكرنا بأسرى مظلومين في فلسطين وغيرها الذين يعيشون في حجر إجباري، إلى جانب كثير من المرضى الذين حجر عليهم قبل الأزمة ويتمنون الصلاة في مكانهم، يجب أن نشكر الله على الصحة تحت كل الظروف والأحوال.

إعلان

إمام المسجد الأقصى يوسف أبو اسنينة يؤم بمسؤولي دائرة الأوقاف الإسلامية في صلاة التراويح الأولى رمضان 2020 في ظل إغلاق الأقصى بسبب كورونا (الجزيرة)

 

القدس-المسجد الأقصى-صورة للمصلى القبلي في الأقصى بعد تعليق حضور المصلين إليه إثر انتشار فايروس كورونا- خاص بالجزيرة نت.
القدس-المسجد الأقصى-صورة للمصلى القبلي في الأقصى بعد تعليق حضور المصلين إليه إثر انتشار فايروس كورونا

أغلقت معظم المصالح والمتاجر، وبقي التلفاز مفتوحا في خضم الإنتاجات الرمضانية، كيف نواجه إهداره لأوقاتنا؟
بالبداية يجب أن يتعزز لدينا مفهوم التربية الرقمية، فلا يجوز أن أرمي طفلي في بحر التلفاز والإنترنت والألعاب الإلكترونية من دون إرشاد أو تربية، في ظل بيئة معارضة للقيم ومزعزعة للأسرة. أما نحن الكبار فينبغي أن نستشعر نعمة السمع والبصر التي سنسأل عنها، وسنسأل عن أوقاتنا، يجب أن نستشعر مراقبة الله في الخلوة، حياتنا هي أنفاسنا، إذا لم يكن يومك أفضل من أمسك فأنت في منطقة الخطر.

زينة رمضان تظهر في الرواق المؤدي لباب حطة أحد أبواب المسجد الأقصى عام 2019 (الجزيرة)

رسالة توجهها لمن يتساهل بالحجر المنزلي بحجة إحياء العبادات والشعائر الجماعية في رمضان؟ ينبغي أن يلتزم الفرد بتعليمات وزارة الصحة في بلده، وأن يحافظ على نفسه ومجتمعه ولا يختلط بأفراده إن كان يحبهم ويرجو لهم الخير، فمع أن إلقاء السلام والمصافحة سنة في الإسلام، إلا أنها تصبح إثما في هذه الجائحة، ويمكن أن تؤدي إلى قتل خطأ، نحن في رمضان نصوم عن الطيبات، وفي هذه الجائحة يجب أن نصوم عن بعض الشعائر والطيبات الجماعية لأننا مأمورون بحفظ النفس البشرية.


إعلان