العمل من المنزل.. هل يستمر بعد انتهاء أزمة كورونا؟
الجزيرة نت-الكويت
لم تجد ملايين الشركات حول العالم أفضل من العمل عن بعد -من المنزل- وسيلة للمحافظة على مستقبلها وإنتاجية موظفيها في ظل ظروف الإغلاق القسرية التي فرضها انتشار جائحة كورونا.
وبينما لم يعد الاحتكاك المباشر بين الموظفين والزبائن مطلوبا أو ممكنا تجنبا للإصابة المحتملة بالفيروس القاتل، نجحت برامج الشركات الداخلية الخاصة ووسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات ورسائل البريد الإلكترونية وغيرها من التقنيات الأخرى في لعب هذا الدور على أكمل وجه.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل تستمر التجربة "القاسية" التي تكيف معها العمال والشركات على مدار الأسابيع والأشهر القليلة الماضية إلى ما بعد انتهاء أزمة كورونا؟
رحلة التحول بدأت
يجيب رجب حامد المدير الشريك لمجموعة سبائك الكويت لتجارة المعادن الثمينة بالتأكيد على أن شركته "بدأت بالفعل رحلة التحول الكامل نحو العمل عن بعد" موضحا أن هذا المفهوم لن يقتصر على الأزمة الحالية المرتبطة حصرا بكورونا.
وأشار -في تصريح خاص للجزيرة نت- إلى أن كل مبيعات شركته خلال الفترة الماضية تمت عبر منصاتها المختلفة على مواقع التواصل بعيدا عن أي من المتاجر الأربعة الكبرى التي تمتلكها في أنحاء متفرقة من البلاد.
ورأى حامد أن "جائحة كورونا فرضت نمطا جديدا على الشركات والزبائن في آن معا، فلا الشركات تستطيع اليوم في ظل تعطيل الأعمال والحظر القائم فتح مقراتها ومحلاتها، ولا العملاء يبدون أدنى استعداد للذهاب والتسوق بالطرق التقليدية نفسها. من هنا فإن الأفضل إيجاد قاسم مشترك يلبي رغبة طرفي العرض والطلب".
ويجزم بأن النسبة الأكبر من موظفي مجموعة سبائك -الذين يبلغ عددهم نحو ثلاثين موظفا- قادرون على تأدية المهام المنوطة بهم عن بعد، ومن دون الحاجة إلى القدوم لمقر الشركة أو فروعها، لافتا إلى أن برنامج العمل والتواصل الداخلي الذي تستخدمه الشركة يتيح متابعة كافة مراحل الإنتاج ودورة العمل وأداء الموظفين والتواصل الجماعي بينهم بشكل دقيق وسلس.
وقال أيضا "هذا الأمر يدفعنا لتغيير نموذج عملنا بشكل كلي خصوصا وأن هناك جوانب إيجابية عديدة للنموذج الجديد، ومنها على سبيل المثال تقليص كلفة إيجارات بعض المقرات والمكاتب التي ربما لن نعود بحاجة إليها، بالإضافة إلى زيادة إنتاجية الموظفين وهو ما لمسناه بالفعل خلال الشهر المنصرم إذ إنهم على ما يبدو يشعرون براحة أكبر أثناء العمل من البيت".
تعديل أساليب العمل
من ناحيته، قال فواز المزروعي الرئيس التنفيذي لقطاع الإنتاج والتسويق والتطوير بشركة وثاق للتأمين التكافلي "هذه الجائحة فاجأت الجميع دولا وكيانات اقتصادية ومنشآت تجارية، مما دفعها إلى تعديل أساليب عملها وإيجاد الوسائل الممكنة للتواصل مع عملائها وخدمتهم".
وأضاف -في تصريح خاص للجزيرة نت- أن شركته قامت ومنذ لحظة توقف الأعمال بصورتها الطبيعية بتفعيل خلية أزمة وتشكيل طواقم إدارية وفنية بالحدود الكافية لاستئناف الخدمات التأمينية للعملاء من إصدارات وتجديدات وتعويضات، كما وفرت الشركة كافة وسائل التواصل المتاحة لضمان استمرار العلاقات مع عملائها من دون أن يشعر هؤلاء بأي انقطاع.
وتعمل الشركة -يقول المزروعي- في الوقت الراهن على تطوير وسائل التواصل وأساليب خدمة الجمهور وتطوير قنوات البيع أيضا، وكل ذلك من خلال التركيز على الأساليب الرقمية الملائمة لتكنولوجيا اليوم بهدف إبقاء هذه القنوات الرقمية متاحة للراغبين حتى بعد انتهاء هذه الأزمة.
يقول مصطفى الذي يعمل مدير إعلانات بصحيفة محلية "منذ أكثر من شهر لم أذهب لمقر الصحيفة سوى مرات معدودة. في الواقع بدا من الواضح أنه يمكن لنا إنجاز العمل من المنزل بكل سهولة ويسر. كل ما نحتاج إليه فقط حاسوب محمول وهاتف لتأكيد الحجوزات والتواصل مع العملاء والزملاء بالقسم الفني".
واعتبر -في تصريح للجزيرة نت- أن تجربة العمل من المنزل جعلته ينجز العمل المطلوب منه بوقت وجهد أقل، مشيرا إلى أن "من أهم إيجابيات العمل من المنزل رؤية العائلة لمدة أطول، وعدم التعرض للاختناقات المرورية اليومية، إضافة إلى عدم وضع ربطة العنق".
أما سعاد الموظفة بقسم إدارة المحتوى لشركة متخصصة بالتجارة الإلكترونية، فقد أعربت عن غبطتها بالعمل من المنزل، غير أنها تحدثت عن ضرورة ذهاب الموظف ليوم أو يومين إلى مقر العمل على الأقل لعدم الشعور بالملل والروتين.
وفي تصريح للجزيرة نت، شددت على أن "العمل عن بعد قد لا يصلح لكل المجالات إذ إن هناك قطاعات لا غنى فيها عن ضرورة الاحتكاك المباشر بين الموظفين والمستهلكين، لكن هناك أنواعا من الأنشطة تحتاج دوام بعض الموظفين وليس كلهم، بعكس قطاعنا الذي يمكن أن تتم إداراته كليا عن بعد".
وأفادت أن الرقابة على الموظف ليست بالأمر الصعب، فحجم الإنتاجية يمكن أن يظهر للمدير أو المسؤول بكبسة زر واحدة "ويبدو أن شركتنا تفكر جديا بخوض التجربة بشكل دائم من أجل توفير نحو ثلاثين ألف دينار (نحو 96 ألف دولار) هي قيمة إيجار المقر سنويا، مع الاحتفاظ بالمخازن فقط".
رأي مخالف
على الجانب الآخر، تبدي وردة الموظفة بشركة تأمين امتعاضها الشديد من فكرة استمرار العمل من البيت، لافتة إلى أن العمل عن بعد يصلح للأزمات والكوارث فقط.
وعبرت في تصريح للجزيرة نت عن توقها لاستئناف العمل بمقر الشركة، قائلة "تحولت إلى مجرد آلة، أنجز عملي وأتناول الطعام وأنام. وهذا قد يقودني إلى الجنون خلال فترة بسيطة. إنها تجربة مدمرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى".