"عين الزبيدات" في ميسان سقت العساكر والرعاة.. مياه عذبة ظلت حلما لسكانها في السياحة والترفيه

/تتوسط الموت لكنها تبث الحياة "عين الزبيدات" في ميسان تضخ مياه عذبة لسكان تحاصرهم الألغام ويهددهم شبح الموت
عين الزبيدات اشتهرت بتسميتها نسبة إلى عشيرة "زبيد" التي تسكن محافظة ميسان منذ مئات السنين (الجزيرة)

عبر المسالك الصخرية يشق العطاشى طريقهم نحو "عين الزبيدات" التي انبجس منها ماء متدفق عذب صالح للشرب، ليأخذ مسارات متعددة وفق طبيعة الأرض وتموجاتها.

إلى الشرق من مدينة العمارة بمحافظة ميسان (تقع جنوب شرق العراق على الحدود الإيرانية) تقع "عين الزبيدات" أو "عين العافية" كما يحلو لأهل العمارة تسميتها. من تجاويف الحجارة القديمة تنساب المياه العذبة منذ عشرات السنين لتستقبلها أفواه البشر والحيوانات دون أن يُعرف مصدرها حتى الآن، في مشهد يسرُّ الناظرين قلما توفر في المدينة.

واشتهرت عين الزبيدات بتسميتها نسبة إلى عشيرة "زبيد"، التي تسكن محافظة ميسان منذ مئات السنين.

/تتوسط الموت لكنها تبث الحياة "عين الزبيدات" في ميسان تضخ مياه عذبة لسكان تحاصرهم الألغام ويهددهم شبح الموت
وعورة الطرق وانتشار الألغام لم يمنع الميسانيين من الوصول بشكل دائم إلى عين الماء في الأعياد والمناسبات (الجزيرة)

رحلة محفوفة بالخطر

وعورة الطرق وانتشار الألغام والمقذوفات الحربية غير المتفجرة، لم تمنع الميسانيين من الوصول بشكل دائم إلى عين الماء في الأعياد والمناسبات.

الاستمتاع بشرب المياه العذبة وارتشافها في أحضان الطبيعة، وقضاء أوقات المرح واللعب تحت ظلال الأشجار الوارفة جل ما يحرص عليه الميسانيون، وفقا لما يقوله علي اللامي، مدير سياحة ميسان، الذي يشكو من انعدام الأماكن الترفيهية في المحافظة الغنية بالنفط.

ويضيف اللامي قائلا للجزيرة نت "تقع العين في منطقة ذات طبيعة سياحية باهرة يقصدها الرعاة من مختلف الأماكن في موسم الربيع منذ أربعينيات القرن الماضي للرعي؛ لخصوبة أراضيها الشاسعة".

لافتا إلى أن "المعنيين في المحافظة يعتقدون بأن تكوّن العين قد يكون نتيجة جهد جماعي مشترك لحفر بئر أو خندق أو أخدود عميق للحصول على المياه".

انتشار الألغام والمقذوفات الحربية التي تهدد حياة الناس، وقلة التمويل المالي عائقان يحولان -كما يقول اللامي- دون تحويل المنطقة المحيطة بالعين إلى "محميات طبيعية وأماكن ترفيهية" مشيرا إلى أن المنطقة "سبق وأن كانت مسرحا للعمليات العسكرية في الحرب التي جرت بين العراق وإيران إبان ثمانينيات القرن الماضي، وقد شرب منها العسكر لسنين طوال".

وخلص المسؤول الحكومي إلى القول "فقدنا بالفعل العديد من المدنيين الذين قصدوا العين جراء انفجار المقذوفات الحربية".

/تتوسط الموت لكنها تبث الحياة "عين الزبيدات" في ميسان تضخ مياه عذبة لسكان تحاصرهم الألغام ويهددهم شبح الموت
الرعاة في منطقة الزبيدات يحرصون أن ترتوي مواشيهم من مياه العين قبل أن يقوموا باستخدامه لأغراضهم الشخصية (الجزيرة)

المواشي تشرب الماء قبل العيال

ومع أن منطقة الشريط الحدودي بين العراق وإيران لم تكشف بعد عن كامل أسرارها؛ إلا أن المعالم الأثرية للعين تشير إلى أنه جرى ترميمها من قبل السابلة، وإجراء الإصلاحات عليها بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية.

وبحسب الخبير البيئي أحمد مدلول حواس، فإن "الرعاة في منطقة الزبيدات يحرصون على أن ترتوي مواشيهم من مياه العين قبل أن يقوموا باستخدامه لأغراضهم الشخصية" موضحا بأن في مناطق الشريط الحدودي بين العراق وإيران يوجد العديد من عيون المياه؛ لكن جميعها لا تصلح للشرب لارتفاع نسبة المواد الكبريتية فيها باستثناء عين الزبيدات، التي تضخ مياها عذبة نقية رقراقة".

ويبدي الخبير البيئي خشيته من إمكانية تعرض العين للاندثار عازيا ذلك "للاستخدام المفرط في سحب المياه بواسطة مضخات كهربائية، وبيعها في القرى القريبة منها".

ومع أن مياه العين عادة ما تشح في بعض أيام الصيف على العكس من الشتاء، فتغدو مياهها غزيرة، فقد شجع وجودها على أن تكون منطقة للرعي وزراعة بعض الخضار مع أنها منطقة محفوفة بخطر الألغام.

ويشكل الرعاة والمزارعون النسبة الأكبر من أهالي منطقة الطيب (30 كلم شرق مدينة العمارة)، ويبلغ تعدادهم نحو 2500 نسمة، إضافة إلى مزارعين ورعاة يأتون موسميا من بعض أقضية وقرى ميسان، وينتشرون على مساحة تقدر بـ36 ألف كيلومتر مربع.

/تتوسط الموت لكنها تبث الحياة "عين الزبيدات" في ميسان تضخ مياه عذبة لسكان تحاصرهم الألغام ويهددهم شبح الموت
محافظة ميسان تعد من المحافظات العراقية الأكثر تلوثا بحقول الألغام وبسعة 49 كيلومتر مربع (الجزيرة)

حلم ميساني يقابله الموت

وما يعزز استمرار تدفق مياه العين وقوعها ضمن منطقة غزيرة الأمطار في الشتاء وذات انحدار من الشرق نحو الغرب؛ لكن المساحات الواسعة من الأراضي، التي تحيط بالعين، وتتصف بالخصوبة العالية لم تستغل لوجود آلاف الألغام والمخلفات الحربية في المنطقة، التي شهدت معارك طاحنة بين الجيشين العراقي والإيراني 1981-1988.

وحول طبيعة الألغام المنتشرة وأعدادها ينفي مدير التخطيط والمتابعة في دائرة شؤون الألغام، المهندس أحمد عبد الرزاق، وجود إحصائية دقيقة؛ لكنه يؤكد بأن محافظة ميسان تعد من المحافظات الأكثر تلوثا بحقول الألغام وبسعة 49 كيلومتر مربع، مشيرا إلى أن "لمنطقة الزبيدات نصيب الأسد من الإصابات، التي وقعت في صفوف المدنيين في مناطق الشريط الحدودي".

وفيما إذا كان العراق قادرا على التخلص من الألغام يكشف عبد الرزاق للجزيرة نت عن انضمام العراق لاتفاقية حظر الألغام ضد الأفراد "أوتاوا" (Ottawa) عام 2007، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2008؛ لكنه لم يستطع إزالة كافة حقول الألغام لغاية 2018، ولذلك قدم طلبا لتمديد تنفيذ الالتزامات، وحصل على تمديد لغاية عام 2028.

المصدر : الجزيرة