"الجوزية" حلوى قسنطينة الفاخرة التي لا يبوح بوصفتها أحد.. تعرّف على أسرارها بالفيديو
نجم الدين سيدي عثمان-قسنطينة
بينما يملأ سلة السعف المزينة بأشرطة حمراء بالحلوى الصغيرة البيضاء المغطّاة بغلاف شفاف، التي تزين كل قطعة منها حبة من المكسّرات تبدو فراشة مثبتة، يقول الشاب الثلاثيني وعلى وجهه يبدو الحرج: "بوسع صانع حلوى الجوزية أن يهبك كل الحلوى التي في متجره، لكنه لن يعطيك أبدا الوصفة، إنها من الأسرار التي استوصانا أجدادنا بالحفاظ عليها".
عائلات تحتكر صناعتها
بهذه الكلمات، يرد أحد صانعي حلوى "الجوزية" التي ذاع صيتها بمدينة قسنطينة شرق الجزائر ومنها انطلقت إلى مدن كثيرة، على سؤال متعلق بكيفية تحضيرها، لتخرج بشكلها الفني وذوقها المتفرد، ليكون الرد واحدا على ألسن كل صانعي هذه الحلوى: "طريقة تحضيرها سر عائلي". فما القصة؟
تعد "الجوزية" وهي حلوى تقطع على شكل مكعبات صغيرة، أحد أفخر الحلويات التي تشتهر بها قسنطينة، ومنها بلغت أقطار الجزائر نتيجة ذوقها المتفرد، ولسنوات طويلة احتكر الميسورون وذوو الدخل الجيد شراء "الجوزية" التي يصل سعر الكيلوغرام الواحد منها إلى 25 دولارا نتيجة ارتفاع تكلفة موادها الأولية، كما احتكرت صناعتها منذ عقود عائلات معينة تعد على أصابع اليد الواحدة.
كيف أتقن رياض صناعتها؟
بيد أن هذا الاحتكار سرعان ما انكسر في السنوات الأخيرة على أكثر من صعيد، فأصبحت هذه الحلوى شعبية إلى حد ما، مع تحسن القدرة الشرائية ولا سيما أنها صارت متوفرة طيلة العام، ولم يعد حضورها مقتصرا على شهر رمضان، وعلى صعيد آخر نجح كثيرون في إتقان طريقة تحضيرها واكتشاف وصفتها السحرية مع أنهم لم يلقنوا هذه الأسرار من أجدادهم كما جرت عليه العادة.
من بين هؤلاء، الشاب رياض بوكلوة الذي أفلح في اكتشاف الطريقة التي يعتقد أنها مناسبة لتحضير حلوى "الجوزية"، بعد أن قضى شهورًا بالتجريب، وخسر كميات هائلة من مكونيها الأساسيين وهما عسل النحل الطبيعي ومكسرات الجوز لكنه كسب الرهان.
وعن طريقة إتقانها يقول "طرقت كل الأبواب علّني أجد من يعلمني صناعتها، وعندما أدركت أن الأمر يتعلق بسرّ تتوارثه العائلات المعروفة التي تصنع هذه الحلوى منذ عقود، اضطررت للحل الأخير وهو التجريب، وقد أهدرت كثيرا من الوقت والمال لكنني توصلت إلى الوصفة، وأنا اليوم أسوقها إلى كل محافظات شرق الجزائر".
تاريخ حلوى الجوزية
يشير الصحفي والكاتب مراد بوكرزازة المهتم بتراث مدينة قسنطينة أن حلوى "الجوزية" تعارف النّاس أنها دخلت قسنطينة أول مرة بفضل أحد طباخي أحمد باي، الحاكم العثماني الذي حكم قسنطينة وشرق الجزائر بين عامي 1826 حتى سقوط المدينة في يد الفرنسيين عام 1837، مضيفا أن الحديث عن اكتشافه الوصفة السّرية التي أمِر بأن يبقيها في صدره ولا يبوح بالوصفة لأحد يبقى في النهاية حديثا لا يستند إلى مرجع تاريخي، بينما يرجّح أن ذلك مرتبط بهجرة الأندلسيين إلى كثير من المدن الجزائرية ومنها قسنطينة، فدخلت معهم وانتشرت لتنتهي بعد كثير من التعديلات إلى وصفتها الحالية.
المقادير معروفة لكن السر في الوصفة
لا يخفى عن أحد في قسنطينة أن "الجوزية" تعد بمكونات رئيسة، هي عسل النحل الأصلي ومكسرات الجوز فضلا عن بياض البيض مع مسحوق بقايا حبوب الذرة (النشا)، لكن السر ليس في المقادير المعروفة وإنما في الوصفة.
فيقول الكاتب بوكرزازة "عندما يوضع العسل في إناء الطهي، لن تجد أحدا يخبرك متى نضيف حبات الجوز، ومتى يضاف بياض البيض أقبل أم بعد، هذه هي التفاصيل الصغيرة التي يخفونها، فضلا عن عدد الساعات التي تبقى فيها الخلطة على النار".
ودخلت الآلات في السنوات الأخيرة لتسهل طريقة تحضير هذه الحلوى، التي توضع مقاديرها مجتمعة مدة ثماني ساعات داخل إناء فضي يدور بشكل آلي، لتكون جاهزة بعد ساعات أخرى للتقطيع والتغليف في علب وصناديق فاخرة لتسوق إلى كل محافظات الجزائر.
يقول صانع "الجوزية" رياض بوكلوة "الآلات سهّلت عملنا لكن امتلاكها لا يعني أنّك أصبحت صانعا، وبكل الحالات بعد كل ما تكبّدته لأجل تعلمها، مستعد أن أعلّم غيري، شرط أن تكون رغبتهم هي الحفاظ على تراث مدينة قسنطينة، وليس رغبة في الاغتناء من صناعتها".