معيار المعدل أم المستقبل المهني.. هكذا يختار طلاب العراق تخصصهم الجامعي

BAGHDAD, IRAQ - JANUARY 2: Iraqi female students, not wearing Islamic veils, walk on January 2, 2008 at the campus of Baghdad University in Baghdad, Iraq. As the security situation continues to improve in Baghdad, some of the Iraqi women have started to not dress in Islamic veils, which some of them were threatened and intimidated by extremist Islamist groups to wear. According to the Iraqi Ministry of Interior, 75 percent of the Sunni al-Qaeda networks and 70 percent of their activities have been eliminated. (Photo by Wathiq Khuzaie /Getty Images)
التوجه الدراسي واختيار التخصص من أهم القرارات التي تحدد ملامح مستقبل الطلاب (غيتي-أرشيف)

فرح سالم-السليمانية

التوجه الدراسي واختيار التخصص الذي يتخذه الأفراد خلال مسيرتهم التعليمية، يعد من أهم القرارات التي ربما ستعمل على التحكم بملامح مصيرهم في السنوات المقبلة من حياتهم.

وهناك أسئلة كثيرة يثيرها الطالب المتخرج من الدراسة الثانوية قبل ملأ استمارة اختيار الكلية المناسبة، فمثلا هل يختار الطب أم الهندسة؟ هل يود أن يكون أستاذا فعلا أم أن معدله العالي يمنعه من اختيار التخصص (الأقل في المعدل) الذي يرغب به طوال حياته، وغيرها من أسئلة.

آلاء غسان الطالبة في جامعة النهرين بكلية الهندسة تتذكر الأوقات التي قضتها قبل أن تستقر على تخصصها الحالي الذي كان لا يمثل رغبتها الحقيقية، كون معدلها كان سيؤهلها لدخول كلية الطب لولا بعض الظروف التي حالت دون ذلك.

وتقول آلاء إن "من أبرز الأخطاء التي يقع فيها الطالب عند اختياره تخصصه الجامعي هو الاختيار القائم على أساس المعدل لا على أساس المستقبل المهني، لذلك الاختصاص مثلا في جامعاتنا هنالك قسم هندسة المواد الذي أتوقع أنه سيغلق بعد سنوات، لأن الحاجة إليه قد انتفت منذ مدة طويلة".

وترى آلاء أن "الاختيار هنا تم بشكل عشوائي دون التفكير بمستقبل الاختصاص، أي أنها شهادة فقط، شهادة توضع في إطار أو على الرف للتفاخر بها".

إعلان

أما الحل فمن وجهة نظر المهندسة المستقبلية آلاء فيكون عبر "الاختيار أولا على أساس ترتيب الاختصاص ومدى الحاجة إليه وأهميته، ثانيا على أساس الرغبة، وثالثا وأخيرا على أساس المعدل".

‪اختيار الطلاب للتخصص بات خاضعا لمعايير غالبا ما تشوبها المغالطات‬ (غيتي-أرشيف)
‪اختيار الطلاب للتخصص بات خاضعا لمعايير غالبا ما تشوبها المغالطات‬ (غيتي-أرشيف)

الأسس والمعايير
وفي الوقت الحاضر، بات اختيار التخصص خاضعا للكثير من المعايير التي غالبا ما تشوبها المغالطات، فقد يخضع الاختيار لضغوطات الأهل ورغباتهم، أو يتبع لميول مجتمعية سائدة تعمل على تشجيع فرص التعيين الحكومي، وبذلك تهمل الرغبات الحقيقية للطالب وميوله. فما أفضل الأسس والمعايير التي يجب مراعاتها عند اختيار التخصص الجامعي لكي يتمكن الطالب من اختيار التخصص المناسب له؟

وفي هذا الشأن، يشير الأستاذ في الجامعة الأميركية في السليمانية هاوكار سلطان إلى أنه "في بداية كل عام دراسي تشهد الأقسام الهندسية في الجامعة إقبالا كبيرا من الطلبة العراقيين، بينما تكاد الأقسام الأخرى كالعلاقات الدولية وإدارة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات تخلو من الراغبين في الالتحاق بها".

ويؤكد سلطان أنه اندهش بعد معرفته للأسباب، حيث ذكر أغلب الملتحقين بالأقسام الهندسية كالطاقة والمدني أن الاختيار لم يكن خاضعا لرغبتهم، بل هي في الحقيقة رغبة أهلهم لاعتبارات مجتمعية ومعنوية.

‪السهيل ترى أن الدولة لم تحدد إستراتيجية للتعليم ولا تعرف حجم حاجتها للتخصصات‬ (مواقع التواصل)
‪السهيل ترى أن الدولة لم تحدد إستراتيجية للتعليم ولا تعرف حجم حاجتها للتخصصات‬ (مواقع التواصل)

مسؤولية الدولة
من جهتها، تشير الأستاذة في جامعة بغداد رغد السهيل إلى دور الدولة وإستراتيجياتها في هذا الموضوع، حيث تقول إن "اختيار التخصص الجامعي بشكل خاطئ يمثل مشكلة حقيقية لدى الطلبة الجدد، لأن الدولة نفسها لم تحدد إستراتيجية للتعليم أساسا ولا تعرف حجم حاجتها للتخصصات المختلفة للسنوات القادمة لكي تعمد إلى تشجيع الطلبة بالتوجه إليها".

إعلان

وأضافت أن "القضية أكبر من مشكلة اختيار تخصص ودراسة، إنما هي إستراتيجية مدروسة نفتقدها في كافة الميادين، فليس هناك أية إحصائية عن عدد الأطباء مثلا أو المهندسين والأعداد التي ستحتاج إليها الدولة مستقبلا".

وتواصل القول "نلاحظ مثلا أن الطلبة يقعون في حيرة أثناء اختيار تخصصاتهم، وعادة يميلون نحو اختيار التخصص الأسهل، لأن الشهادة في وقتنا الحالي أصبحت مجرد واجهة اجتماعية ووسيلة للتوظيف، لا رغبة بدراسة تخصص معين حبا للتعلم أو شغفا به".

وتختتم السهيل حديثها بالقول "أظن أنها مسؤولية الدولة التي يفترض بها أن تضع خريطة طريق لهؤلاء الطلبة لتسهل عليهم الاختيار".

نصائح وخرافات
وهناك الكثير من المواقع على الإنترنت التي تقدم سنويا المعلومات اللازمة لغرض التوعية واعتماد الخيارات الأفضل للطلبة ومستقبلهم. ويرى متخصصون أهمية تقديم الرغبة على سواها، كونها المحرك الأساس للإبداع لدى الطالب مستقبلا والتقدم في مهنته واختصاصه.

كما تؤكد العديد من الدراسات أهمية معرفة الرغبة أولا وطرح الأسئلة على الذات قبل الاختيار "ما أهدافك بعد سنوات؟ ما ميولك وقدراتك؟ ما فرصك ومدى توفر التخصصات التي ترغب بالتقديم عليها؟".

ويوصي الباحثون بمعرفة التخصصات والاطلاع عليها بشكل مستفيض وتجريد الاختيار من ميول المجتمع ورغباته والتخمينات المسبقة، أو زيارة الجامعة والسؤال عن ذلك التخصص إن لزم الأمر.

أما بخصوص الأخطاء الشائعة فيرى باحثون أن أكثرها شيوعا لدى الطلبة هي تقسيم التخصصات على أساس سهولتها وصعوبتها وقوتها وضعفها، ومحاولة إقناع الطالب أن التخصص الذي يرغب به لا مستقبل له، والأهم الفكرة السائدة المغلوطة أن التخصص هو المحطة الأخيرة التي تحدد للطالب فرصه المستقبلية، لا محطة استكشاف قد تنتهي بمجرد إيجاد فرصة عمل مناسبة ضمن إمكانيات الطالب وأهدافه.

إعلان
المصدر : الجزيرة

إعلان