الطب الصيني في ماليزيا.. فلسفة وأسلوب حياة صحي
سناء نصر الله-كوالالمبور
تزخر العاصمة الماليزية كوالالمبور بمئات العيادات ومحلات بيع الأعشاب والمراكز الطبية التي تعتمد الطب الصيني التقليدي، ويرتاد الماليزيون هذه المراكز بشكل اعتيادي، ليس فقط للعلاج من الأمراض كما هو شائع وإنما كجزء من عاداتهم وموروثاتهم للحفاظ على الصحة ونضارة البشرة والرشاقة.
عرف هذا النوع من الطب في ماليزيا مع دخول الماليزيين من أصل صيني إلى البلاد، لكنه إرث قديم مؤرخ ومصنف يعود تاريخه لآلاف السنين، وقد ورد ذكره في الكتب والأدب الصيني القديم.
ومع الانتشار الكبير له سعت عدد من الجامعات ومؤسسات البحث في ماليزيا إلى تخصيص أقسام خاصة لدراسته، وتمنح فيه الدرجات العلمية بدءا من البكالوريوس، وهي تحظى بدعم من وزارة التعليم العالي والمؤسسات العلمية.
كما يتم قبول دارسي هذا التخصص في جامعات تعتبر جزءا من شبكة مراكز الأبحاث الطبية التابعة لمنظمة الصحة العالمية في الصين وأستراليا وغيرهما.
قواعد فلسفية
يقوم الطب الصيني على قواعد فلسفية، ويتحدث عن التوازن ببن عنصري "الين واليانغ"، وهي في الفلسفة الصينية العناصر المتضادة التي يكمل بعضها بعضا، ويجب أن توجد بشكل متوازن داخل الجسم، فطغيان أحدهما يحدث خللا ويسبب الأمراض.
الين يشير إلى العناصر الأنثوية والبرودة في الجسم كأعضاء الجسم الداخلية والقلب والدم والعظام، أما اليانغ فهو العنصر الذكوري كالجلد والشعر والحرارة.
ولهذين العنصرين -الين واليانغ- علاقة بالتشي، وهي الطاقة التي تسري بالجسم في مسارات تسمى خطوط الطاقة، وأي خلل يحدث في ذلك يؤدي إلى مشكلة وظيفية في الجسم، وعلى أساس ذلك يحدد نوع العلاج، وفقا للثقافة الصينية.
انتشار واسع
على الرغم من أن كثيرين في عالمنا العربي لا يعتقدون بفائدة هذا النوع من العلاج فإنه منتشر بشكل كبير في دول آسيا، وله مريدون من الجنسين من كافة الأعراق والفئات العمرية.
ولا يقتصر الطب الصيني على تقديم علاج للأمراض، بل يتعدى ذلك إلى العلاجات الجمالية ويساعد في حل مشاكل البشرة والتقدم بالعمر وما يصاحبه من ظهور التجاعيد دون اللجوء لحقن البوتكس والفيلر.
ويلجأ الماليزيون لهذا التداوي في عيادات الطب الصيني، لأن العلاج المقدم يكون آمنا ومن مستحضرات طبيعية كما يقول عدد من الماليزيين الذين تحدثوا للجزيرة نت.
ودائما تختلف الآراء بشأن هذا النوع من العلاجات، فالبعض لا يؤمن به، والبعض الآخر يعتمدون عليه اعتمادا كليا، كما يعتبره آخرون مساعدا أو مكملا إلى جانب الطب الحديث.
طرق العلاج
يعتمد الطب الصيني على عدد من طرق العلاج، أولها المشهورة عالميا وهي الوخز بالإبر (أكيوبانكتشر)، إذ يتم استخدام إبر رفيعة جدا وغرسها في نقاط محددة في الجسم وفقا لخطوط الطاقة.
ويساعد هذا النوع من العلاج -وفقا لخبرائه- على تخفيف آلام الرأس المزمنة كالشقيقة، ويعالج مشاكل المفاصل والعضلات ومشاكل العيون، ويقوي الجهاز المناعي وينشط الدورة الدموية، كما أنه يخفف مشاكل الحساسية، كما يستخدم للتنحيف ولكن ينصح باتباع أسلوب حياة صحي إضافة إلى ممارسة الرياضة.
أما الطريقة الثانية فهي الكي بالأعشاب (موكسيبيوسيشن)، ويتم تجفيف الأعشاب كاللافندر والليمون غراس ولفها على شكل سيجار أو وضعها في كأس ثم تشعل فيها النار وتوضع في أماكن محددة.
ويساعد هذا النوع من العلاج على الاسترخاء، ويزيد مناعة الجسم ويخفف آلام العضلات وينشط الدورة الدموية.
العلاج بالتدليك والضغط
ويتم بتدليك الجسم، خصوصا القدمين بشكل دائري، مما يؤدي لتنشيط الأعصاب التي بدورها تقوم بإرسال إشارات تنبيهية وتحفيزية للدماغ الذي يقوم بإعادة تصحيح وإرسال رسائل تحفيزية للعضو المراد معالجته.
العلاج بالأعشاب
وهو من أنواع الطب التقليدي المعروف في البلاد العربية، وتوجد أنواع كثيرة من الأعشاب في المحلات المخصصة، بعضها متوافر في عالمنا العربي كالبابونج واليانسون والزنجبيل، ومنها ما هو غير مألوف.
ويقول خبير الأعشاب تشيه وات في تصريح للجزيرة نت إنه يتم وصف أنواع الأعشاب وخلطها وفقا للحالة التي يراد علاجها، ولكنه ينصح بأخذ بعض الأعشاب بشكل يومي كجزء من الوقاية وتقوية جهاز المناعة، وهي آمنة وتزيد قوة الجسم مثل الجينسنغ، والشاي الأخضر بأنواعه الذي يساعد الجهاز الهضمي ويساهم في خفض ضغط الدم، بالإضافة إلى كونه مضادا للأكسدة.
ويدخل الفطر بأنواعه في الطب الصيني كفطر كورديسبيس، وهو نوع نادر مرتفع الثمن يصل سعر بضع غرامات منه إلى نحو 400 دولار، ويساعد على تقوية جهاز المناعة ويعالج مشاكل الرئة، وهناك ملك الفطر ويؤخذ على شكل شوربة ويستخدم لتنشيط الدورة الدموية.
وهناك "الشي هو" الذي يؤخذ من شجرة الأوركيد ويعرف بمذاقه الحلو، ويساعد في حل مشاكل الهضم ويزيد مناعة الجسم ويخفض نسبة السكر في الدم.
يشار إلى وجود كليات متخصصة في ماليزيا تعرف باسم كليات الطب البديل، وهي تعنى بتخريج المتخصصين بالنباتات الطبية وكيفية العلاج بها وإجراء الدراسات العلمية عليها.
حيوانات للعلاج
كما تتوافر مصادر حيوانية تستخدم في الطب الصيني، منها "الفيش مو"، وهي منطقة التنفس في السمكة، وتعتمد جودتها على نوع السمكة، وهي غنية بمادة الكولاجين، وقد يصل ثمن أربع قطع إلى نحو 3500 دولار، وتعالج مشاكل الجلد والمفاصل وهشاشة العظام، كما تعطى للمرأة الحامل لتساعد في نمو الجنين وتسرع في الشفاء بعد العمليات الجراحية وبعد الخضوع للعلاج الكيميائي، وتعطى للأطفال في حالات الحساسية المفرطة، وتعالج مشاكل الجهاز التنفسي.
كما يستخدم في هذا الطب جزء من جسم أنواع خاصة من القنافذ التي تجلب من غابات بورنيو في إندونيسيا، ويعالج حرقة المعدة، كما يستخدم للحالات المستعصية كأمراض الكبد وبعد الخضوع للعمليات الجراحية ولمرضى السرطان.