جمعية "حسم".. الإصلاح السجين في السعودية

جمعية ( حسم ) السعودية تحصد أهم جائزة حقوقية في هولندا

حصلت "الجمعية السعودية للحقوق السياسية والمدنية" -المعروفة اختصارا باسم "حسم"- على أهم جائزة حقوقية تقدمها مؤسسة غوزينبينينغ الهولندية، في 13 مارس/آذار المنصرم، وذلك لدورها الحقوقي الذي لعبته داخل السعودية منذ تأسيسها عام 2009؛ إذ كانت كارثة سيول مدينة جدة هي بداية انطلاق الجمعية في ممارسة العمل العام.

في ذلك الوقت؛ نشرت الجمعية أول بياناتها ضد الفساد السياسي الذي تسبب في تلك الكارثة، كما دعت -في خطاب مفتوح- الملك حينها عبد الله بن عبد العزيز إلى تشكيل برلمان منتخب وبصلاحيات مفتوحة، لمحاسبة المسؤولين المتهمين بالفساد.

تبنت الجمعية -بعد ذلك- العديد من المواقف، وأصدرت كثيراً من البيانات من أبرزها البيان الذي طالبت فيه الملك بمحاكمة وزير الداخلية آنذاك الأمير نايف بن عبد العزيز، واتهمت سياسة وزارته بأنها تشجع على التطرف والعنف. وكانت تلك جرأة غير معهودة على الأمير نايف، لما يمثله وزير الداخلية من نفوذ في الحالة السعودية، يتجاوز المنصب السياسي الذي جعله الرجل الثالث في سلم العائلة المالكة بعد الملك وولي العهد.

وبطبيعة الحال؛ فإن البيان الذي طالب بمحاكمة وزير الداخلية لفت نظر السلطة أكثر من بيان "كارثة جدة"، وجعلها تدرك "القوة" التي تمثلها "حسم"؛ فلم يعد الأمر بمثابة ردة فعل على كارثة سببها الإهمال الحكومي، أو أن الجمعية تجسيد لردة الفعل الشعبية الغاضبة مما حدث، وإنما هي صوت إصلاحي حقيقي يطالب بحقوق وحريات للشعب، وهذا الصوت له من الجذور والأمثلة ما يسبق تاريخ تأسيس الجمعية نفسها.

تبنت جمعية "حسم" -بعد ذلك- العديد من المواقف، وأصدرت كثيراً من البيانات من أبرزها البيان الذي طالبت فيه الملك بمحاكمة وزير الداخلية آنذاك الأمير نايف بن عبد العزيز، واتهمت سياسة وزارته بأنها تشجع على التطرف والعنف. وكانت تلك جرأة غير معهودة على الأمير نايف، لما يمثله وزير الداخلية من نفوذ في الحالة السعودية

وفي ظل أجواء الحرية التي اكتسحت العالم العربي بعد ربيع الثورات العربية عام 2011؛ استطاعت الجمعية كسب جولة إضافية ضد الحكومة، مغتنمة فرصة هذه الأجواء وارتخاء قبضة السلطة نسبيا عن القمع، فأصبحت للجمعية محاضرات مسجلة موجهة ليس فقط إلى أنصارها في الداخل السعودي، وإنما إلى عموم الجمهور العربي.

وقد حاولت من خلال هذه المحاضرات تعزيز ثقافة الوعي السياسي والحقوقي، الأمر الذي ساهم -بشكل واضح- في انتشار اسم الجمعية، وتبني شرائح مختلفة من المجتمع لمواقفها، لا سيما المثقفين والأكاديميين الذين جاء مؤسسو "حسم" من أوساطهم؛ وإن كان بعض منتقديها عابوا عليها خطابها النخبوي، واعتبروه سبباً في تأخر وصولهم إلى فئات مجتمعية ليس من الممكن إحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع بدونها.

يمكن القول إن نشأة "حسم" كانت امتداداً -وإن بصورة غير مباشرة- لما أُنجِز في 1993، أي قبل تأسيس الجمعية بنحو 16 عاماً، وأنا هنا أعني "لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية" التي نشطت بعد حرب الخليج الثانية، وسعت إلى "رفع الظلم والدفاع عن حقوق الإنسان" من منظور الشريعة، مما أدخلها في صدام مع السلطات السعودية، خاصة بعد أن دعت "لجنة الدفاع" الناس إلى التحرك والحديث عن مظالمهم.

وكان من ردود الفعل -التي أعقبت معرفة الناس بأمر اللجنة- أن أوصى المفتي العام للسعودية آنذاك الشيخ عبد العزيز بن باز الناس بألا يقرؤوا منشوراتها. ومن بين الكتب التي اشتهرت وقتها، وجاءت موافقة لأهداف اللجنة: كتاب "حقوق الإنسان بين نور الإسلام وفقهاء غبش الطغيان" للدكتور عبد الله الحامد، الذي حُكم عليه -عام 2013- بالسجن 11 عاماً والمنع من السفر خمس سنوات أخرى.

كان من ضمن مؤسسي "لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية"، والداعمين لها والموقعين على أول بيان صدر عنها، بعضُ أبرز الأسماء التي أسست "حسم"، وساهمت في نشرها على الصعيدين المحلي والدولي. ومما يلفت الانتباه في "حسم" أن انتشارها خارج السعودية جاء نتيجة احتضانها لناشطين من توجهات أيديولوجية مختلفة، فكانت في نظر كثيرين تمثل التنوع المجتمعي في السعودية، وهذا ما مثّل أكبر إزعاج للسلطة السعودية.

ولهذا لم يكن من المنطقي -في حالة السلطة السعودية مع الجمعيات الحقوقية- أن يستمر النشاط الداعم للحريات والحقوق سواء كان فردياً أو جماعياً، في وقت خافت فيه الحكومة السعودية من ارتدادات السخط الشعبي الذي ولّدته كارثة سيول جدة وموجة الربيع العربي. وكم كنا نمني النفس بأن تستقبل الحكومة وقتها هذا النشاط بشيء من العقلانية وسعة الصدر، لكنها للأسف لم تفعل.

ففي 21 مارس/آذار 2011؛ اعتقلت السلطات السعودية محمد البجادي، وهو أحد الأعضاء المؤسسين للجمعية. وبعد اعتقاله بأكثر من عام؛ حُكم عليه بالسجن أربع سنوات إثر ادانته بتهم عدة، من بينها المشاركة في تأسيس جمعية غير مرخصة. ثم تلا ذلك العديد من الاعتقالات التي استهدفت جميع مؤسسي الجمعية (الذين من أشهرهم عبد الله الحامد ومحمد القحطاني وسليمان الرشودي وعبد الكريم الخضير)، وتم توجيه مجموعة من الاتهامات بحقهم؛ من ضمنها التأسيس لجمعية غير مرخصة.

حسمت جمعية "حسم" -منذ بداياتها- فعلاً الرؤية الإصلاحية في السعودية، بتركيزها على الإصلاح من الداخل الذي كان ركناً من أدبيات الجمعية، بحيث يقود النشاط السلمي إلى ملكية دستورية تسمح بإنشاء برلمان شعبي، لكنّ حملة الاعتقالات التي كمّمت الأفواه، وسدّت منافذ التعبير، وأشاعت أجواء الخوف لم تساعدها على إكمال ما بدأته

وفي 9 مارس/آذار 2013 (بعد اعتقال البجادي بنحو عامين)؛ صدر الحكم القضائي بحل الجمعية ومصادرة جميع ممتلكاتها، وشمل ذلك مواقعها على شبكة الإنترنت. كما واجه مؤسسو الجمعية وبعض الداعمين لها أحكاماً بالسجن تتراوح ما بين 5 و15 عاماً.

حسمت جمعية "حسم" -منذ بداياتها- فعلاً الرؤية الإصلاحية في السعودية، بتركيزها على الإصلاح من الداخل الذي كان ركناً من أدبيات الجمعية، بحيث يقود النشاط السلمي إلى ملكية دستورية تسمح بإنشاء برلمان شعبي، لكنّ حملة الاعتقالات التي كمّمت الأفواه، وسدّت منافذ التعبير، وأشاعت أجواء الخوف لم تساعدها على إكمال ما بدأته.

لا شك أن النشاط الذي قام به مؤسسو "حسم" والداعمون لها هو نشاط مؤثر، وعلامة فارقة في تاريخ الحراك السلمي في السعودية، لتغيير الأوضاع القائمة التي ما زالت أبعد ما تكون عن احترام حقوق الإنسان وضرورة المشاركة الشعبية. ولعل ما عانى من أجله المدافعون عن حقوق الإنسان وذوو الضمائر الحية في مجتمعنا يرى ضوءاً قريباً في نهاية النفق، كاتبين بذلك سيادة القانون، وضاربين عرض الحائط بتاريخ الاستبداد وأعوانه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.