في اليوم العالمي للمياه.. لا أمن مائيا عربيا ولا مياه آمنة فلسطينيا

منيرة حجلاوي_سد الأخماس جمع بين زرقة المياه وخضرة الأشجار والجبال المحيطة به

المياه بالوطن العربي
المياه بفلسطين المحتلة

كما في كل عام؛ يأتي اليوم العالمي للمياه في 22 مارس/آذار ليكون مناسبة للتذكير بحال المياه في العالم، وقرع الجرس بشأن ندرتها وازدياد الطلب عليها والتحديات التي نواجهها في موضوعها، وسبل الإدارة المستدامة لها وتحقيق الأهداف الـسبعة عشر للتنمية المستدامة التي لا تستقيم دون هدفها السادس: المياه أصل الحياة.

العالم يقترب من حافة الـ8 مليارات نسمة بحلول عام 2025 وسنصل إلى قرابة عشرة مليارات بحلول 2050، والمياه المتاحة يتعاظم الطلب عليها؛ والتحديان الأكثر أهمية هما:

– المياه وندرتها وإدارتها وأثر التغير المناخي عليها والوصول إليها وإلى الإمدادات لمختلف استخداماتها.
– مياه الصرف الصحي والقضايا المرتبطة بالتلوث والمعالجة وإعادة الاستخدام الآمن لها، لمواجهة الندرة ولتعظيم الإدارة المستدامة لها.

العالم يستهلك قرابة 3600 كم مكعب سنويا؛ ثلثاها يذهبان للزراعة، والثلث المتبقي موزع ما بين الصناعة أولا بواقع 20% والغايات المنزلية التي تنال الـ10% المتبقية.

المياه لا تتوزع بعدالة في العالم؛ فلو قُدّر أن وُزعت المياه العذبة بتساو على سكان العالم لكان نصيب الفرد يتجاوز حاجز 7000 متر مكعب لكل فرد. لكن ليس هذا الحال؛ ولذلك حدد العالم مقياسا لشح المياه في أي بلد وهو أن تقلّ حصة الفرد عن 1000 متر مكعب سنويا، وحدد خط الندرة والشح المطلق أو الفقر المدقع إذا قلّ ذلك عن 500 متر مكعب للفرد سنويا.

الأرقام الأخرى عن مياه العالم مخيفة؛ إذ إن ثلثيْ العالم تقريبا يشربون مياها لا تتوافق مع معايير منظمة الصحة العالمية للشرب، وأكثر من نصف العالم (4.5 مليار نسمة) محرومون من أنظمة الصرف الصحي لمعالجة المياه، ونصف العالم (3.5 مليارات نسمة) يعانون من نقص المياه.

التغير المناخي يُلقي بظلاله على الأرض وعلى المياه؛ فهناك مناطق قلّ فيها المطر فتصحرت، ومناطق جفت، وأخرى اشتد فيها المطر فهددها الغرق والفيضانات.

لكل ما سبق ولارتباط المياه بمختلف نواحي الحياة، ولترابط المياه والطاقة والغذاء؛ تولي الدول الأهمية القصوى للمياه، ويتداعى العالم لحماية مصادر المياه المتوفرة والحد من تبعات التغير المناخي، وتقليل النزاعات وتعظيم الشراكة والتعاون، والتركيز على الإدارة المستدامة للمياه.

المياه بالوطن العربي
في نهاية عام 2018؛ بلغ عدد مواطني العالم العربي قرابة 420 مليون نسمة متجاوزا التوقعات المبنية على معدل النمو السكاني، ليمثّل انفجارا سكانيا يفاقم الطلب على المياه ويزيد خطر التحديات التي تواجه أمنيْه المائي والغذائي، لتصل المخاوف إلى حدذ الجوع والعطش اللذين تفاقمهما الصراعات السياسية والحروب وعدم الاستقرار وغياب الحكومات.

كل ذلك أول أسبابه وقوع الوطن العربي في المنطقة الجافة وشبه الجافة من العالم، فكانت أراضيه شحيحة المياه والأمطار، أما الأنهار فتنبع من خارجها (النيل ودجلة والفرات)، بينما يسيطر الاحتلال الإسرائيلي الغاصب على أرض فلسطين ويحرم أهلها من مياههم التي تحت أقدامهم، كما يغتصب مياه نهر الأردن ويحرم أهله من مياههم، بل إنه قتل بحرهم عندما حوّلوا مجراه.

المياه لا تتوزع بعدالة في العالم؛ فلو قُدّر أن وُزعت المياه العذبة بتساو على سكان العالم لكان نصيب الفرد يتجاوز حاجز 7000 متر مكعب لكل فرد. لكن ليس هذا الحال؛ ولذلك حدد العالم مقياسا لشح المياه في أي بلد وهو أن تقلّ حصة الفرد عن 1000 متر مكعب سنويا، وحدد خط الندرة والشح المطلق أو الفقر المدقع إذا قلّ ذلك عن 500 متر مكعب للفرد سنويا

تتعاظم الفجوة الغذائية في الوطن العربي نتيجة لشح المياه في الوطن العربي، وفاقم ذلك الزحف العمراني؛ فأصبحت الدول العربية -التي تعتمد في مواردها الغذائية الرئيسة على الاستيراد- تعاني من خطر الجوع وتهديد أمنها الغذائي، بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية وغياب أو تأخر الإستراتيجيات العربية والوطنية والدعم المالي اللازم، وغياب الأنظمة والقوانين والتشريعات المختلفة ومنها الاستثمارية.

الأرقام المتعلقة بحصة الفرد المبنية على المصادر المائية المتجددة تشير إلى أن موريتانيا فقط في دول المغرب العربي هي التي لا تواجه عجزا مائيا اليوم أو بحلول عام 2030، في حين أن الجزائر والمغرب تهددهما الفجوة المائية في 2030 بنقص يُقدر بـ10 و18 مليار متر مكعب، وهو نقص تواجهه الجزائر بزيادة المصادر غير التقليدية كالتحلية للمياه.

وفي دول القرن الأفريقي ووادي النيل؛ دخلت مصر -قبل التهديد المحتمل الناجم عن سد النهضة- ضمن الدول التي ستعاني فجوة مائية قدرت بـ48 مليار متر مكعب في 2030، تحدُّ منها إعادة الاستخدام للمياه المعالجة. في حين أن كلا من السودان وجيبوتي وجزر القمر والصومال تنعم بأمن مائي وتتجه لعام 2030 ولديها وفرة مائية.

وبالنسبة لدول الشرق الأوسط؛ فإن سوريا ولبنان منها ينعمان بالمياه إلا أنهما بمعايير الشح المائي يقعان تحت خط 1000 متر مكعب للفرد بقليل، ويواجهان عجزا مائيا يتفاقم في سوريا بواقع 15 مليار متر مكعب. أما فلسطين فتأتي أولا في الفقر المدقع إذ لا تتجاوز حصة الفرد حاليا 50 مترا مكعبا من المياه المتجددة المتاحة له، بغض النظر عن نوعيتها غير الصالحة للاستهلاك كما هو حال في قطاع غزة.

وأما الأردن فيأتي ثانيا في الفقر المدقع بواقع 88 مترا مكعبا من المياه المتجددة، وسيحل عام 2030 على الأردن وفلسطين بفجوة مائية تبلغ سبعة مليارات متر مكعب لكل منهما. ويسعى الأردن لتقليلها بإعادة الاستخدام للمياه المعالجة التي تقلل حدة الفجوة المائية.

وبخصوص دول الخليج العربي والعراق واليمن؛ فإن دول الخليج بلا مياه متجددة تُذكر، ولولا المياه غير التقليدية التحلية أو غير المتجددة لكانت الأوضاع صعبة، إلا أن محطات تحلية المياه تجعل حصة الفرد الخليجي تتراوح ما بين 150-400 متر مكعب للفرد سنويا، والفجوة المائية عظيمة في كل من اليمن (33 مليار متر مكعب) والسعودية بواقع 41 مليار متر مكعب بحلول عام 2030 فقط.

وأما العراق فسيصل 2030 بوفرة مائية قدرت بأكثر من 44 مليار متر مكعب، زيادة عن الطلب المتوقع على المياه لتعداد سكاني يصل 40 مليون نسمة؛ إلا أن الحروب وعدم الاستقرار جعلت العراق يواجه عجزا مائيا رغم وفرة المياه.

وقد ذهبت دول عربية -في مواجهة التحديات المائية- إلى المصادر غير المتجددة التي تقدر بأكثر من 15 مليار متر مكعب، وبمخزون إستراتيجي هائل تتواجد الأحواض المستغلة في كل من الأردن والسعودية (حوض الديسي)، ومصر والسودان وليبيا (حوض النوبة الرملي)، وتونس والجزائر (حوض العرق الشرقي).

وذهبت دول أخرى لبناء السدود وجمع مياه الأمطار التي شكلت إنقاذا كبيرا للعديد من الدول، أو بناء محطات التحلية ذات الكلفة العالية، والاستثمار في بناء محطات الصرف الصحي وإعادة الاستخدام. ومن لا حيلة له منها ركز الجهود على تقليل الفاقد والترشيد، بينما انهمكت هذه الدول أجمع في السعي نحو الإدارة المستدامة للمصادر والحوكمة الرشيدة على الصعيد الوطني.

ولكن يبقى الهم الأكبر للمياه العربية هو النزاعات والأزمات ومجاري الأنهار الدولية، وغياب اتفاقيات دولية كما هو الحال في حوض نهر الأردن. وإن وُجدت الاتفاقيات فإنه لا يُلتزم بها كما هو الحال في نهريْ دجلة والفرات، أو الرغبة بإعادة النظر في الحصص كما هو الحال في نهر النيل العظيم.

وفي المحصلة؛ فإن العالم العربي يعاني فقرا مائيا غير مسبوق، وتتعمق فجوته المائية عاما بعد آخر، إذ ينعدم أمنه المائي وتتعمق فجوته الغذائية. وستتعمق أكثر إن بقي الحال على ما هو عليه، وإن لم يتم النظر بمفهوم إستراتيجي لقضايا الأمن والمياه والغذاء والطاقة في الوطن العربي، وضرورة التكاملية في الإنتاج وفي الزراعة والغذاء.

المياه بفلسطين المحتلة
لا يستقيم الحال إن لم نتحدث عن فلسطين وواقعها المرير؛ فمياهها إما محتلة أو ملوثة أو مشتراة أو خاصة، والنزر اليسير الذي تديره الحكومة يوزع بخسارة واختلاف على الصلاحيات.

المياه المحتلة: تحتل إسرائيل حوض نهر الأردن منذ 1948 حين سيطرت على منابعه العليا وصولا إلى بحيرة طبريا، وأكملت سيطرتها باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان مستولية بذلك على مختلف منابع والمجاري المغذية للنهر (بانياس ودان وحاصباني) المغذية لبحيرة الحولة التي تم تجفيفها، وصولا إلى بحيرة طبريا التي أغلقتها إسرائيل وحولت مياهها نحوها منذ 1964.

وكانت انطلاقة العمل الفلسطيني المسلح في مطلع يناير/كانون الثاني 1965 بتفجير نفق عيلبون المشتمل على مضخات تحويل المياه، إلا أن إسرائيل شنت حربها الثانية واحتلت الأراضي العربية الممتدة بين الجولان وسيناء، بما فيها الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. وأحكمت سيطرتها على مصادر المياه وأحواض المياه الجوفية، وأصدرت الأوامر العسكرية التي جعلت المياه تابعة للحاكم العسكري للاحتلال باعتبارها أملاكا لدولة الاحتلال.

وفي المحصلة؛ فإن العالم العربي يعاني فقرا مائيا غير مسبوق، وتتعمق فجوته المائية عاما بعد آخر، إذ ينعدم أمنه المائي وتتعمق فجوته الغذائية. وستتعمق أكثر إن بقي الحال على ما هو عليه، وإن لم يتم النظر بمفهوم إستراتيجي لقضايا الأمن والمياه والغذاء والطاقة في الوطن العربي، وضرورة التكاملية في الإنتاج وفي الزراعة والغذاء

لم يحرم الفلسطينيون والعرب فقط من مياههم في حوض نهر الأردن، بل وحُرم البحر الميت أيضا الذي بات يضمحل بسبب تحويل مجرى النهر والصناعات الإسرائيلية للبوتاس وأملاح البحر الميت. ولم تُعِدْ العملية السلمية للفلسطينيين مياههم؛ فهم -حتى يومنا هذا- محرومون من الوصول إلى النهر أو البحر وحتى من المياه التي تحت أقدامهم.

فالفلسطينيون لا يحفرون آبارا إلا بموافقة الاحتلال، ولا يبنون سدودا، ويعيشون على النزر اليسير الذي مكنتهم منه الاتفاقية المرحلية التي وُقعت 1995. وأما اتفاقية وادي عربة فقد اعترض السوريون على ما فيها بخصوص نهر اليرموك، بحكم أن القانون الدولي يفترض موافقة جميع الأطراف المتشاطئة على الإدارة والتحصيص لأي مجرى نهر دولي، ولا يزال الخلاف مستمرا بين السوريين والأردنيين على تحصيص مياه النهر.

المياه الملوثة: أما الفلسطينيون فباتوا يعانون من المستوطنات التي باتت سرطانا ينتشر في الضفة الغربية وقطاع غزة ويسرق المياه، وقليلا قليلا بدأت غزة تفقد المياه المتاحة لها وبات مليونا فلسطيني يعيشون الآن في القطاع مهددين في المياه المتاحة لهم والتي شهدت الأمم المتحدة بأنها غير صالحة للاستهلاك البشري، إذ يعتمدون على حوض طاقته لا تتجاوز 50 مليون متر مكعب، لكنهم يبحثون عن المياه في كل مكان.

وباتوا يستنزفون الحوض بما يقارب أربعة أضعاف طاقته مما أدى إلى تسرُّب مياه البحر إليه فأصبح مِلحا أجاجاً. ونتيجة لنقص الكهرباء وعدم تشغيل محطات معالجة الصرف الصحي؛ تسربت المياه إلى الحوض وإلى البحر، فأصبح -فوق ملوحته- ملوثا، وبات يهدد أهل غزة بالأمراض إن شربوا مياهه، أو بالموت إن سبحوا -هربا من سجنهم الكبير- في البحر الملوث بمياه المجاري.

وبات العالم يدق ناقوس الخطر لإنقاذ قطاع غزة، وبقيت إستراتجية الإنقاذ -التي ترتكز على بناء محطة تحلية تنقذ ما يمكن إنقاذه- رهنَ التمويل الدولي الكبير، ورهن الحصار، ورهن الانقسام الداخلي، ورهن الطاقة، ورهن القدرة على الإدارة، ورهن المقدرة على دفع الكلفة.

المياه المشتراة: بات الفلسطينيون يشترون مياههم وبأسعار يربح منها القطاع الخاص والعام في إسرائيل. فالفلسطينيون اشتروا عام 2018 قرابة 85 مليون متر مكعب سنويا، تشكل نحو 30% مما هو متاح لهم في الضفة الغربية وقطاع غزة من الأحواض الجوفية (آباراً وينابيع)، وتصل الفاتورة الشهرية قرابة تسعة ملايين دولار لمياه الشرب، وزهاء 2-3 ملايين لفاتورة الصرف الصحي.

المياه الخاصة: أتاحت الاتفاقية المرحلية للفلسطينيين في الضفة الغربية قرابة 118 مليون متر مكعب وبمعدل لا يتجاوز 15% من المصادر الجوفية المشتركة، يأخذ الفلسطينيون هذه المياه من الآبار والينابيع التي تتوزع ما بين القطاعين الزراعي والمنزلي. إلا أن ملكية الآبار والينابيع لا تتبع للحكومة؛ فهي إما مملوكة للبلديات أو للأفراد، وبنسبة تصل نحو 50% لا تنطبق عليها معايير الإدارة.

المياه الحكومية: ما تسيطر عليه الحكومة من المياه هو نزر قليل لا يتجاوز في أحسن حالاته 40% من المصادر المتاحة، ولذلك تشكل المياه المشتراة رافدا للحكومة ودائرة المياه من أجل توزيع المياه على المحافظات.

إلا أن تزويد الحكومة للمياه بأسعار أقل من كلفتها خلق أزمة كبيرة لدائرة المياه التي نص قانون المياه -الذي سُنّ منتصف 2014- على تحويلها إلى شركة.

وأدى تزويد المياه بخسارة إلى مراكمة مديونية كبيرة على الشركة المستقبلية، ولذلك لا بد من النظر في تدبير المديونية العالية التي تتجاوز مليارا و200 مليون شيكل (حوالي 300 مليون دولار)، إذا ما أردنا الاستدامة للشركة التي ستقوم عما قريب، وكذلك النظر في قضية استرداد الكلفة، إذ لن يستقيم الوضع إذا ما بقيت المياه الخاصة والمشتراة على الحال الذي هي عليه: أسعار باهظة ومياه عامة تباع لجيوب خاصة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.