صيف السخط في الصين

epa06272580 Chinese President Xi Jinping (C, bottom) delivers a speech during the opening ceremony of the 19th National Congress of the Communist Party of China (CPC) at the Great Hall of the People (GHOP) in Beijing, China, 18 October 2017. China holds the 19th Congress of the Communist Party of China, the country's most important political event where the party's leadership is chosen and plans are made for the next five years. Xi Jinping is expected to remain as the General Secretary of the Communist Party of China for another five-year term. EPA-EFE/WU HONG

تتميز السياسة بعادة سيئة وهي المفاجأة؛ خاصة في بلد مثل الصين حيث يوجد القليل من الشفافية والكثير من المكيدة. قبل خمسة أشهر، فاجأ الرئيس شي جين بينغ مواطنيه بإلغاء الحد الأقصى للرئاسة والإشارة إلى نيته للخدمة مدى الحياة؛ لكن المفاجأة الحقيقية أتت لاحقاً.

في ذلك الوقت؛ كانت هيمنته مطلقة داخل الدولة الحزبية الصينية، وبالتالي فإن سلطته لا يمكن أن تتعرض للهجوم؛ حسب الحكمة التقليدية.

يواجه شي الآن أسوأ صيف منذ توليه السلطة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012؛ إذ يتميز بتدفق مستمر من الأخبار السيئة التي تركت العديد من الصينيين -وخاصة النخب الصينية- يشعرون بخيبة أمل وقلق، وغاضبين وعاجزين وغير راضين عن قوة زعيمهم المتزايدة.

وكان آخر الأخبار السيئة -التي اندلعت في أواخر الشهر الماضي- هي اكتشاف المحققين الحكوميين أن شركة أدوية كانت تنتج لقاحات دون المستوى المطلوب للدفتيريا والكزاز والسعال الديكي، وزوّرت بيانات لقاح داء الكلبالخاص بها. وتناول مئات الآلاف من الأطفال الصينيين على مستوى البلاد اللقاحات المعيبة.

يواجه شي الآن أسوأ صيف منذ توليه السلطة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012؛ إذ يتميز بتدفق مستمر من الأخبار السيئة التي تركت العديد من الصينيين -وخاصة النخب الصينية- يشعرون بخيبة أمل وقلق، وغاضبين وعاجزين وغير راضين عن قوة زعيمهم المتزايدة. وكان آخر الأخبار السيئة -التي اندلعت في أواخر الشهر الماضي- هي اكتشاف المحققين الحكوميين أن شركة أدوية كانت تنتج لقاحات دون المستوى المطلوب

بطبيعة الحال؛ شهدت الصين العديد من الفضائح المماثلة من قبل (من أغذية الأطفال الملوثة إلى تلوث عقاقير الهيبارين التي تضعف الدم)، مع محاسبة رجال الأعمال الجشعين والمسؤولين الفاسدين؛ لكن شي راكم رأسمالا سياسيا كبيرا باقتلاع الفساد وتقوية السيطرة عليه.

إن حقيقة كون شركة خاصة ذات علاقات سياسية عميقة في قلب فضيحة اللقاح، دليل مؤلم على أن حملة شي لمكافحة الفساد من أعلى إلى أسفل لم تكن فعالة كما ادعى. والنتيجة غير المقصودة لتوطيده للسلطة هي أنه مسؤول عن الفضيحة، على الأقل في نظر الجمهور الصيني.

لكن ردة الفعل المعاكسة ضد شي بدأت حتى قبل الكشف عن اللقاح؛ فقد كانت المخاوف ترتفع بسبب الصناعة التدريجية لعبادة شخصيته، وفي الأشهر الأخيرة لم يدخر الموالون لـشي أي جهد في هذا الصدد. وقد تم تصنيف القرية المهجورة -التي أمضى فيها شي سبعة أعوام كمزارع أثناء الثورة الثقافية- مصدرا "للمعرفة العظيمة"، وأصبحت وجهة سياحية رائجة.

وبالنسبة للبعض؛ يذكرنا هذا إلى حد بعيد بالوضع شبه الإلهي الذي يُعْزى إلى ماو تسي تونغ، والذي أدى خلال "القفزة الكبرى إلى الأمام" و"الثورة الثقافية" إلى وفاة الملايين وتدمير الاقتصاد الصيني تقريبًا.

في الواقع؛ الأخبار الاقتصادية اليوم في الصين قاتمة، بداية من انخفاض أسعار الأسهم هذا العام بنسبة 14٪.  قبل ثلاثة مواسم، وفي مواجهة انخفاض حاد في أسعار الأسهم؛ أمر شي الشركات المملوكة للدولة بشراء أسهم لدعم السوق.

ولكن بمجرد توقف عمليات الشراء القسري، تبع ذلك تراجع آخر في السوق، وهذه المرة على خلفية من احتياطات النقد الأجنبي الناضب. لم يكرر شي هذا القدر من الأمية الاقتصادية هذه المرة، لكن ما سيأتي بعد ذلك بالنسبة لسوق الأسهم الصينية يبقى سؤالاً مفتوحاً.

وهناك المزيد من الأخبار الاقتصادية السيئة؛ لقد وصل الرنمينبي (العملة الصينية) إلى أدنى مستوى له في 13 شهرًا. وبينما كان نمو الناتج المحلي الإجمالي في طريقه إلى تحقيق هدف 6.5% لعام 2018؛ فإن الاقتصاد يظهر علامات ضعف.

وقد تباطأت كل من الاستثمارات ومبيعات العقارات والاستهلاك الخاص، مما دفع الحكومة إلى وقف جهودها في تخفيض الديون وتخصيص المزيد من الأموال لدعم النمو.

بيد أن أسوأ تطور اقتصادي يتمثل في نشوب حرب تجارية مع الولايات المتحدة. ورغم أن تأثير ذلك الاقتصادي لم يظهر بعد؛ فإن الصدام بشأن التجارة الذي بدأه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من المرجح أن يشكل التحدي الأصعب الذي واجهه شي حتى الآن، لأسباب تمتد إلى ما هو أبعد من الاقتصاد.

من جهة أخرى؛ هناك تشجيع شي على "حلم الصين" الذي يستلزم إحياء البلاد كقوة عالمية. ولكن كما توضح الحرب التجارية؛ لا تزال الصين تعتمد بشكل كبير على الأسواق والتكنولوجيا الأميركية. وبعيدًا عن أن تكون قوة مهيمنة متجددة، تستعد لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي؛ فإن صين شي تبدو كعملاق ذي أقدام من الطين.

ليس لدى شي منافس شجاع أو له نفوذ حقيقي لتحدي سلطته، كما فعل دينغ وغيره من الثوريين المخضرمين عام 1978، عندما طردوا هوا جوفنغ خليفة ماو الذي اختاره زعيما للحزب الشيوعي الصيني. ومع ذلك؛ فإن الطريق أمام شي تظل شاقة. وإذا بقي في مساره الحالي فإن الصين ستتعثر، الأمر الذي سيزيد من سلبية قيادته. لكن تغيير المسار قد يضر أيضًا بسمعة شي، حيث إنه قد يرقى إلى قبول الحكم الخاطئ

من الصعب المبالغة في الآثار الجيوستراتيجية؛ ففي السنوات الأربعين التي مرت -منذ بدأ دنغ شياو بينغ في إخراج الصين من العصور المظلمة الماوية- حققت البلاد نمواً اقتصادياً وتطوراً غير مسبوق.

لكن لطالما كان هذا التقدم مستحيلاً -أو على الأقل بطيئا- لولا سياسة الصين في الحفاظ على علاقة التعاون مع الولايات المتحدة. لقد طور شي هذه السياسة خلال فترة ولايته، ناهيك عن تصرفاته العدوانية المتزايدة في بحر الصين الجنوبي.

تشير هذه التطورات إلى استنتاج مباشر: تسير الصين في الاتجاه الخاطئ، وهذا ما تؤمن به النخب الصينية التي يبدو إحباطها واضحا وفي تصاعد.

ومع ذلك، ورغم وجود شائعات عن تراجع قوّته وانتقاذه من قبل كبار السن المتقاعدين؛ فإنه من غير المرجح أن يتم إسقاط شي. وهو ما زال يسيطر بقوة على الأجهزة الأمنية التابعة للدولة والجيش.

علاوة على ذلك؛ ليس لدى شي منافس شجاع أو له نفوذ حقيقي لتحدي سلطته، كما فعل دينغ وغيره من الثوريين المخضرمين عام 1978، عندما طردوا هوا جوفنغ خليفة ماو الذي اختاره زعيما للحزب الشيوعي الصيني.

ومع ذلك؛ فإن الطريق أمام شي تظل شاقة. وإذا بقي في مساره الحالي فإن الصين ستتعثر، الأمر الذي سيزيد من سلبية قيادته. لكن تغيير المسار قد يضر أيضًا بسمعة شي، حيث إنه قد يرقى إلى قبول الحكم الخاطئ، وتلك مشكلة كل قائد وخاصة إن كان شخصا قويا مثل شي.

وحتى بعض السياسات الجديدة التي تبناها شي ستتعارض مع غرائزه وقيمه. وهناك مخاطر حقيقية؛ لكن ربما لا يملك شي خيارا سوى مواجهتها، ومع اقتراب صيف السخط بوضوح سيحتاج إلى خطة جديدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.