الوقاية أفضل علاج للهجرة

Syrian refugees arrive at the camp for refugees and migrants in Friedland, Germany April 4, 2016. The first group of Syrian refugees arrived in Germany by plane from Turkey under a new deal between the European Union and Ankara to combat human trafficking and bring migration under control, German police said on Monday. REUTERS/Kai Pfaffenbach

مع امتلاء الصحف بالقصص عن التحديات التي تواجه الأسر المهاجرة، ربما يكون من المغري أن نفترض أن أسباب النزوح أيضا تلقى نفس القدر من الاهتمام والدرس، ولكن هذا الافتراض غير صحيح في أغلب الحالات.

فاليوم، تكاد الحلول المقترحة لمشكلة الهجرة القسرية تركز بشكل كامل على مساعدة المهاجرين بعد فرارهم، بدلا من استهداف أسباب الفرار. لكن حل أزمات اللاجئين في العالَم يتطلب إعطاء أسباب الهجرة نفس القدر من الاهتمام الذي نوليه للآثار المترتبة عليها.

لماذا يخاطر الآباء بحياتهم أو حياة أطفالهم، فيتركون ديارهم ويرتحلون إلى المجهول؟ وما الذي يمكن القيام به من عمل لمنع اضطرار الأسر إلى الهجرة في المقام الأول؟ كانت مثل هذه التساؤلات بين أسئلة رئيسية حاولت أنا وبعض الزملاء الإجابة عليها في دراسة جديدة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بعنوان "دول الهشاشة 2018". وجاءت النتائج تنويرية بقدر ما كانت مثيرة للقلق والانزعاج.

بحلول عام 2030، سيعيش أكثر من 80% من فقراء العالَم في منطقة توصف بأنها "هشة"، وهو الوضع الذي ربما يعكس أي عدد من الأسباب السياسية، أو الاجتماعية، أو الأمنية، أو الاقتصادية، أو البيئية تقف خلف هذه الوضعية. ومن المؤسف أن استمرار الاتجاهات الحالية يعني تخصيص قدر ضئيل للغاية من مساعدات التنمية للتصدي للعوامل التي تساهم في إحداث الهشاشة.

تكاد الحلول المقترحة لمشكلة الهجرة القسرية تركز بشكل كامل على مساعدة المهاجرين بعد فرارهم، بدلا من استهداف أسباب الفرار. لكن حل أزمات اللاجئين في العالَم يتطلب إعطاء أسباب الهجرة نفس القدر من الاهتمام الذي نوليه للآثار المترتبة عليها

ففي عام 2016، على سبيل المثال، استُخدِم 2% فقط من مساعدات التنمية الرسمية التي بلغت 68.2 مليار دولار، والتي ذهبت إلى أماكن متأثرة بالهشاشة، للإنفاق على أنشطة منع نشوب الصراعات، وذهبت نسبة 10% فقط من هذا المبلغ لمبادرات بناء السلام. ولا يمكننا أن نستخلص أي استنتاج آخر من كل هذا: يجب علينا أن نعمل على تغيير كيفية تخصيص مساعدات التنمية الرسمية.

تشير تقديرات وكالة الأمم المتحدة للاجئين إلى أن 68.5 مليون شخص نزحوا قسرا في عام 2017. وقد توافد عدد كبير من هؤلاء الأشخاص من خمس دول فقط هي أفغانستان، وميانمار، والصومال، وجنوب السودان، وسوريا. ولكن في حين أن البلدان التي تستضيف اللاجئين تحتاج بشدة إلى الأموال لدعم جهود إعادة التوطين الطويلة الأجل، فإن أغلب مساعدات التنمية الرسمية ما زالت توجه إلى حلول قصيرة الأجل. وكانت المبادرات الإنسانية -مثل الغذاء والمأوى- تمثل ما يقرب من ثلث كل مساعدات التنمية الرسمية في العام الماضي، وكانت هذه الحصة في ارتفاع لفترة تقرب من عشر سنوات.

في المقابل، يتراجع تمويل بناء المدارس والمستشفيات وغير ذلك من مشاريع البنية الأساسية على نحو مستمر. ورغم أنه من المفهوم أن يميل المانحون إلى اختيار حلول تقدم مساعدات فورية للنازحين، فإن إهمال احتياجات اللاجئين الطويلة الأجل ينم عن قِصر نظر شديد. الأمر ببساطة أن طموح المجتمع الدولي فيما يتصل بالمساعدات لابد أن يتطور إلى ما هو أبعد من إبقاء الناس على قيد الحياة؛ ولابد أيضا من تقديم مستقبل أفضل للمهاجرين.

الواقع أن مساعدات التنمية الرسمية من الممكن أن تعمل كأداة قوية لمنع الصراع وعكس الاتجاهات التي تساهم في تعزيز الهشاشة، إذا جرى تخصيصها على النحو الصحيح. وعلاوة على ذلك، كثيرا ما يشكل هذا النمط من الإنفاق مصدر أمل للمهاجرين، خاصة وأن مساعدات التنمية الرسمية تُعَد من بين أكثر مصادر التمويل جدارة بالثقة في العديد من المناطق المتضررة بالأزمات. ويصدق هذا بشكل خاص عندما يطول أمد الطوارئ، لأن مستويات التمويل تنخفض عادة مع نضوب معين التبرعات من مصادر أخرى.

لقد استهلكت أزمة الهجرة العالمية كميات ضخمة من رأس المال المادي والسياسي. والتصدي لهذه الأزمة بفعالية يتطلب تحويل التركيز نحو تحسين الاستقرار والأمن، والأمل في مستقبل أفضل، في الأماكن التي يتوافد منها المهاجرون

من المؤكد أن عكس اتجاهات إنفاق مساعدات التنمية الرسمية الحالية لن يكون سهلا. ذلك أن الهشاشة تتجلى في أشكال لا حصر لها، وسوف يتطلب التصدي لتحديات متنوعة بتنوع التطرف العنيف، وتغير المناخ، والجريمة المنظمة، والتمييز بين الجنسين، وضع قواعد جديدة للإنفاق على التنمية.

ومع ذلك، أصبحت الحاجة شديدة الإلحاح إلى اتخاذ تدابير ملموسة. إن التقاعس عن معالجة الصراع والعنف وغير ذلك من أشكال الهشاشة من شأنه أن يعيد مكاسب التنمية عقودا من الزمن إلى الوراء، مما يزيد من تأجيج نفس الديناميكيات التي أدت إلى عدم الاستقرار في المقام الأول. وما لم يسارع المجتمع الدولي إلى تغيير نهجه في التعامل مع الاستثمار في المناطق الهشة، فسوف يفشل العالم في تحقيق هدف رئيسي من أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة: عدم السماح بتخلف أي إنسان عن الركب.

والإنفاق على الحلول الطويلة الأجل أمر منطقي من الناحية المالية أيضا.فوفقا للأمم المتحدة والبنك الدولي، إذا جرى تخصيص المزيد من الأموال لبرامج منع الصراع، فربما يمكن توفير نحو 70 مليار دولار سنويا من تكاليف إعادة توطين اللاجئين. وفي حين قبل العالَم فرضية الوقاية الفعّالة من حيث التكلفة في مجال الرعاية الصحية (من خلال تشجيع الفحوصات المنتظمة على سبيل المثال)، فإن هذه الفلسفة لم تطبق بعد على عملية صنع السياسات بشأن الهجرة. وهذه الحال يمكن تغييرها، بل إن تغييرها أمر واجب.

لقد استهلكت أزمة الهجرة العالمية -وهي الأسوأ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية– كميات ضخمة من رأس المال المادي والسياسي. والتصدي لهذه الأزمة بفعالية يتطلب تحويل التركيز نحو تحسين الاستقرار والأمن، والأمل في مستقبل أفضل، في الأماكن التي يتوافد منها المهاجرون. وهذا يعني أن مجتمع التنمية، وخاصة الجهات المانحة الرسمية، يجب أن يعيد النظر في أولوياته وسياساته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.