قيادة المدن.. حلول محلية لمشاكل عالمية

People cross a busy junction in a business and shopping area in central Tokyo, Japan, December 8, 2015. Japan's economy dodged recession in the third quarter with the initial estimate of a contraction revised to an annualised expansion of 1.0 percent, offering a glimmer of hope for policymakers struggling to end years of stagnation. REUTERS/Thomas Peter TPX IMAGES OF THE DAY

يلتقي الجمعة (8 يونيو/حزيران) قادة يمثلون أكبر الاقتصادات المتقدمة لحضور قمة الدول السبع الكبرى، لمناقشة التحديات الأكثر إلحاحا التي تواجه العالم.

إن معظم القضايا المطروحة على أجندة ها الاجتماع (من التغير المناخي إلى انعدام المساواة) تجد لها صدى خاصا لدى الناس الذين يعيشون في المناطق الحضرية، والذين يشكلون ما نسبته 54% من سكان العالم.

ولكن الحكومات المحلية لن يكون لها تمثيل بأي صفة رسمية خلال اجتماعات الدول السبع الكبرى، وهذا خطأ؛ فلو أردنا أن نحل أكبر المشاكل التي تواجه العالم فيجب إشراك المدن في تلك المحادثات.

تاريخيا؛ لعبت المدن دورا هامشيا في المناقشات الدولية، ففي الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال كانت المدن -في بداية الأمر- تعاني من انتشار الفساد والتحزب، وكانت السياسات المحلية في حالة فوضى؛ ولكن المراكز الحضرية اليوم هي أقوى اقتصاديا وأشجع سياسيا

تاريخيا؛ لعبت المدن دورا هامشيا في المناقشات الدولية، ففي الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال كانت المدن -في بداية الأمر- تعاني من انتشار الفساد والتحزب، وكانت السياسات المحلية في حالة فوضى؛ ولكن المراكز الحضرية اليوم هي أقوى اقتصاديا وأشجع سياسيا.

إن إصرار مدن القرن الواحد والعشرين على العمل طبقا لمصالحها أصبح واضحا في أواخر سنة 2017، وذلك عندما تعهد أكثر من 50 عمدة أميركي بتلبية التزامات اتفاقية باريس للمناخ لسنة 2015 في تحدٍّ مباشر لانسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاقية.

سيقوم هذا الأسبوع قادة من مونتريال و10 آلاف مدينة أخرى في أنحاء العالم بإرسال رسائل مماثلة إلى الدول السبع الكبرى، إذ سيقدمون إعلانا يتضمن مجموعة متنوعة من الآراء البلدية المتعلقة بالمواضيع الرئيسية المطروحة في القمة، وسيحثون الحكومات الوطنية على التعاون بشكل أكبر مع نظرائها على المستوى المحلي.

إن هذه الطلبات وطريقة تقديمها تحدث لأول مرة في اجتماعات الدول السبع الكبرى والهدف هو أن يصبح ذلك شيئا اعتياديا.

وعلى الرغم من عدم وجود ملف المدن الكبرى على طاولة المناقشات؛ فإنها تعمل -بفضل رأس المال البشري القوي والأسواق التنافسية وجاذبيتها الكبيرة- على بناء مستقبل أكثر تقدمية وشمولية واستدامة. إن قادة المدن من بيونس إيرس إلى طوكيو يقومون بإطلاع العالم على مخاوفهم، وبغض النظر عن الأجندات الوطنية.

إن المدن الصغيرة والمتوسطة الحجم تعمل على تحسين صورتها العالمية؛ ومن خلال الاستثمار في تخطيط حضري أذكى وأكثر مرونة فإن الحكومات من بوردو في فرنسا إلى كوريتيبا في البرازيل تعمل على تقوية هويتها كعلامة تجارية، وجذب المواهب والاستثمار والأعمال التجارية من حول العالم.

لقد قالت المؤلفة الأميركية/الكندية والناشطة في مجال المدن جين جاكوب قولتها الشهيرة بأن المدن هي المحركات الحقيقية للرخاء الوطني.

إن المدن تحرك النمو من خلال الابتكار والتجارة والتبادل، وخدمات المدن هي عادة أكثر وضوحا للمواطنين من المساعدات الفدرالية؛ فمثلا من هو الذي يحضر للمساعدة عند وقوع حادث مروري أو كارثة طبيعية؟

مدن اليوم تواجه الكثير من التحديات، ومع نمو المناطق الحضرية اضطر القادة إلى تغيير كيفية التخطيط. وفي خضم الموازنات المحدودة؛ فإن حكومات المدن تتخلى عن الأنظمة البيروقراطية بشكل مفرط لصالح الأنظمة التي تشجع على مستويات أكبر من ريادة الأعمال

في واقع الأمر؛ إن مدن اليوم تواجه الكثير من التحديات، ومع نمو المناطق الحضرية اضطر القادة إلى تغيير كيفية التخطيط. وفي خضم الموازنات المحدودة؛ فإن حكومات المدن تتخلى عن الأنظمة البيروقراطية بشكل مفرط لصالح الأنظمة التي تشجع على مستويات أكبر من ريادة الأعمال.

لكن.. وكما قال عمدة شيكاغو راهم إيماونيل في الشهر الماضي؛ فإن هذا يعتبر شيئا إيجابيا للعديد من المدن، بحيث أصبحت مكانا لاختبار مستقبل الحركة والعمل والإسكان والطاقة والتعليم والصحة.

لقد ذكر إيمانويل لزملائه من العمد في مدينة نيويورك أنه "بعد عشرين سنة من الآن، سنشهد نقاط انحراف تنحدر فيه دولة الشعب لصالح دولة المدينة (مثل سنغافورة)، التي تحرك النشاطات الثقافية والاقتصادية".

بالطبع لا تملك كل المدن نفس الموارد أو النفوذ أو الاحتياجات مثل شيكاغو أو سنغافورة، ولكن بإمكان قائد أي مدينة هذه الأيام أن يقدر أهمية الوقوف على الجبهات الأمامية للتغيير.

إن القادة المحليين في كل مكان يشعرون بالإلهام بسبب هذا التضامن والترابط من خلال شبكات دولية، مثل ميتروبوليس وسي 40 للمدن و100 مدينة مرنة، علما بأن هؤلاء القادة يقومون بعقد شراكات من أجل خلق أجندات حضرية موحدة.

إن الحكومات الوطنية تفشل في إيجاد حلول لكل قضية رئيسية تقريبا، بينما يستمر قادة المدن في الحصول على ثقة الناس؛ فطبقا لمسح أجراه مركز الأبحاث السياسية في معهد باريس للدراسات السياسية فإن 64% من البالغين الفرنسيين يعتقدون أن العمدة على المستوى المحلي يعمل بجدية أكبر من الفرع التنفيذي لحل المشاكل اليومية. ومن المؤكد أن كثيرا من سكان المدن لديهم نفس الشعور.

إن هذه فرصة سانحة لقادة المدن ليصبحوا لاعبين دوليين وعندما تقام اجتماعات -مثل قمة الدول السبع الكبرى- من أجل مناقشة التحديات الأكثر صعوبة على مستوى العالم؛ فإن الناس الأقرب لتلك التحديات -والذين يُرجح أن لديهم أفكارا أكثر أهمية فيما يتعلق بكيفية التغلب على تلك التحديات- يجب أن يكونوا في غرفة اجتماعاتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.