هل يقض شعبويو إيطاليا مضاجع أوروبا؟

مدونات - حركة النجوم الخمسة إيطاليا

"إنهم يحاولون منعنا عبر الابتزاز المعتاد بالفوارق المتصاعدة في أسعار الفائدة، وأسواق البورصة الهابطة، والتهديدات الأوروبية". هكذا كتب زعيم حزب الرابطة بإيطاليا ماتيو سالفيني في صفحته على فيسبوك. وأضاف في إصرار: "هذه المرة، التغيير قادم".

والآن قام سالفيني بتشكيل حكومة جديدة مع زعيم حركة النجوم الخمسة الشعبوية لويجي دي مايو. وكما يقترح تصريح سالفيني؛ فإن الائتلاف بين حركة النجوم الخمسة وحزب الرابطة يمثل حركة جديدة رافضة لأوروبا، وقادرة على الانتقام من الأسواق المالية والاتحاد الأوروبي والصقور المالية في ألمانيا.

الواقع أن سالفيني أعلن فعلا بداية "الجولة الثانية" في المعركة الكبرى بين الشعبوية الإيطالية والمؤسسة الأوروبية. وقد انتهت الجولة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، عندما استغلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزيمخاوف الأسواق المالية لإرغام رئيس الوزراء الإيطالي السابق على الاستقالة من منصبه.

من المؤكد أن حركة النجوم الخمسة وحزب الرابطة رفيقان غريبان، ولهذا السبب فشلا مستهلَّ الأمر في تشكيل حكومة بعد الفوز بأغلبية مجمعة في 4 مارس/آذار (الماضي). ولكن إذا نجحا في الحكم؛ فإن برنامجهما السياسي ربما يصلح كنموذج للشعبويين في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي

ومنذ ذلك الحين؛ كانت النزعة الرافضة لأوروبا في صعود، وخاصة في إيطاليا نظرا لموقعها على الخطوط الأمامية في أزمة المهاجرين واللاجئين.

تتابعت فصول الدراما السياسية الأخيرة في إيطاليا على خلفية أكبر من التغيرات السياسية في مختلف أنحاء أوروبا؛ فقد أصاب الفزع الأسواق في الشهر المنصرم بعد ظهور وثيقة تمهيدية صادرة عن حركة النجوم الخمسة/حزب الرابطة، تقترح ضرورة عودة أوروبا إلى فترة ما قبل معاهدة ماستريخت التي أبرمت 1992 وما قبل اليورو.

ولكن لم تتحرّ حركة النجوم الخمسة وحزب الرابطة أي قدر من الوضوح بشأن المدى الذي يعتزمان دفع الأجندة المناهضة لليورو إليه. وفي الاستجابة لتسريب الوثيقة؛ وَعَد كل من الحزبين بأن مناقشة اليورو لم تكن مطروحة على الطاولة.

ثم أحدث الرئيس سيرجيو ماتاريلا -في أواخر مايو/أيار (الماضي)- ضجة عندما منع تعيين رجل الاقتصاد الرافض لأوروبا باولو سافونا وزيرا جديدا للاقتصاد والمالية، مما يشير إلى أن العملة الموحدة ربما تشكل قضية مركزية في المستقبل.

الواقع أن الحكومة الإيطالية -التي تجمع بين سلالتين مختلفتين من الشعبوية- من شأنها أن تشكل تهديدا خطيرا للمشروع الأوروبي، لأنها قد تشكل جوهرا جديدا للاتحاد بين الشعبويين ورافضي أوروبا الذين عملوا حتى الآن على نحو منفصل.

ولن يظل رافضو أوروبا منقسمين إلى قبائل مختلفة: من الساسة المناهضين للمهاجرين على اليمين، والساسة المناهضين للتقشف على اليسار.

من المؤكد أن حركة النجوم الخمسة وحزب الرابطة رفيقان غريبان، ولهذا السبب فشلا مستهلَّ الأمر في تشكيل حكومة بعد الفوز بأغلبية مجمعة في 4 مارس/آذار (الماضي). ولكن إذا نجحا في الحكم؛ فإن برنامجهما السياسي ربما يصلح كنموذج للشعبويين في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي.

ولنتأمل هنا مثلا الأجندة الدولية للرابطة، والتي تدعو إلى شن حملة ضد المهاجرين والعودة إلى قيم أكثر تقليدية. هذه نفس الأفكار التي تحرك رئيس وزراء المجر المتزايد الاستبداد فيكتور أوربان، الذي أقام الآن علاقة وثيقة مع سالفيني.

من جانبها؛ لم تُبدِ حركة النجوم الخمسة عدم تعاطف مع أجندة الرابطة المناهضة للهجرة، بل إنها قد تسعى إلى تكميلها بحشد الدول الأعضاء في منطقة البحر الأبيض المتوسط تحت راية مناهضة للتقشف وأوروبا الشمالية.

ورغم غياب احتمال انضمام فرنسا وإسبانيا إلى هذه القضية؛ فإن اليونان وغيرها من الدول ربما تفعل، وربما تعرقل هذه الدول جميعها سياسة الاتحاد الأوروبي.

علاوة على ذلك؛ يحدث كل هذا في ظل انتخابات العام المقبل للبرلمان الأوروبي، والتي من المرجح أن تخوضها أعداد كبيرة من الأحزاب الشعبوية في مختلف أنحاء القارة. ولا شيء أحب إلى الشعبويين الأوروبيين من خلق برلمان يكره ذاته، حيث يعارض أغلبية أعضاء البرلمان الأوروبي وجود المؤسسة التي يخدمونها.

وإذا حدث هذا فإنه سيؤدي أيضا إلى عواقب بعيدة المدى فيما يتصل بتشكيل المفوضية الأوروبية، وغير ذلك من هيئات الاتحاد الأوروبي الحاكمة، والتي كانت تقليديا معزولة عن المشاجرات السياسية على المستوى الوطني.

تشير دراسة حديثة صادرة عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى انحدار التأييد الشعبي للاتحاد الأوروبي في إيطاليا، أكثر من انحداره في أي دولة أخرى في الاتحاد خلال 2007-2017؛ فلا عجب إذن أن تتحول إيطاليا من إحدى أكثر الحكومات دعما للاتحاد الأوروبي في الكتلة لتصبح الطليعة الجديدة للشعبوية الأوروبية

ولكن بينما كانت قوى الشعبوية تحشد نفسها؛ كانت قوى التيار الرئيسي تفعل الشيء نفسه، وخاصة منذ النصر المؤزر الذي حققه إيمانويل ماكرون في انتخابات الرئاسة الفرنسية العام الماضي. لقد قدم ماكرون موجة جديدة من التفكير في المشروع الأوروبي؛ ومثله -كمثل الشعبويين أنفسهم- يمثل ماكرون التغيير وليس الوضع الراهن.

وتكمن عبقرية ماكرون في أنه لا يقبل الخطوط التقليدية الفاصلة بين اليسار واليمين، وبين تكامل الاتحاد الأوروبي والسيادة الوطنية. إنه يقدم قصة ربما تلقى القبول بين الأوروبيين الذين يشعرون بأنهم تُرِكوا خلف الركب.

لقد وعد ماكرون وميركل بتقديم مخطط للإصلاحات على مستوى الاتحاد الأوروبي في غضون الشهر المقبل. وبين الأفكار الأكثر إثارة للاهتمام؛ هناك فكرة "أوروبا المرنة" التي تسمح لتحالف بين الدول الأعضاء الراغبة في المضي قُدُما نحو تكامل أكثر عمقا، في حين تترك الباب مفتوحا أمام دول أخرى للدخول في وقت لاحق.

وإذا استمرت إيطاليا على المسار الشعبوي، فإنها بذلك تستبعد نفسها من هذه المجموعة الأساسية. وإذن يكون السؤال الأكبر -في هذه الحقبة من التاريخ الأوروبي- هو ما إن كان الإصلاحيون المنتمون إلى التيار الرئيسي يستطيعون الفوز على الشعبويين؟

ويريد الثنائي القديم الجديد الفرنسي/الألماني إعادة اختراع القلب الأوروبي، وبالتالي دفع رافضي أوروبا إلى الهامش. لكن سالفيني ودي مايو يريدان أن يجعلا ذلك الهامش النواة الأساسية الجديدة، وبالتالي عزل القوى الرائدة التقليدية في الاتحاد الأوروبي.

غني عن القول إن المباراة ستكون طويلة؛ فقد فاز القلب الأوروبي بالجولة الأولى عندما جلب في محل بيرلسكوني فعليا ماريو مونتي، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة في العواصم الأوروبية. ومع ذلك؛ فإن عودة النزعة الشعبوية إلى إيطاليا تفيد بأن هذا ربما كان نصرا باهظ التكلفة.

تشير دراسة حديثة صادرة عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى انحدار التأييد الشعبي للاتحاد الأوروبي في إيطاليا، أكثر من انحداره في أي دولة أخرى في الاتحاد خلال 2007-2017؛ فلا عجب إذن أن تتحول إيطاليا من إحدى أكثر الحكومات دعما للاتحاد الأوروبي في الكتلة لتصبح الطليعة الجديدة للشعبوية الأوروبية.

لكن الأمل لم يضع تماما في نظر أولئك الذين ما زالوا يؤمنون بالمشروع الأوروبي. الجانب المضيء الوحيد في نجاح رافضي أوروبا هو أن أنصار أوروبا تخلصوا من شعورهم بالرضا عن الذات. والآن تكاد قدرة كل من الحركتين على البقاء توضع على محك الاختبار قريبا، بدءاً من إيطاليا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.