هل سيتقدم العالم بدون التعددية والتعاون؟

Secretary-General-designate Mr. Antonio Guterres of Portugal is sworn in by President of the UN General Assembly Peter Thomson at UN headquarters in New York, U.S., December 12, 2016. REUTERS/Lucas Jackson

يتعرض التعاون الدولي حاليا لضغوط شديدة تكتسب معها الأصوات المنادية بفرض تدابير الحماية والأصوات القومية المزيد من القوة، كما تسعى الحكومات -على نحو متزايد- لتحقيق أهداف السياسات بتدابير أحادية أو تبعا للحاجة، بدلا من العمل معا.

وحتى على هذه الخلفية؛ يظل من الواضح تماما أن التعاون الدولي الفعّال يساعد في تحسين النتائج الاقتصادية والحياة اليومية.

وقد أتاح التبادل التلقائي للمعلومات المالية -المستندة إلى معيار الإبلاغ المشترك في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- للحكومات جمع ما يقارب 85 مليار يورو (99 مليار دولار أميركي)، في هيئة إيرادات ضريبية إضافية في مختلف أنحاء العالَم؛ ويمكن أن تساعد هذه المبالغ في تمويل سياسات اجتماعية أفضل.

أنشئ النظام الدولي ومؤسساته كحصن ضد الحرب. وبعد مساعدة أوروبا في التعافي من خراب الحرب العالمية الثانية؛ أعطت التعددية البلدان غرضا مشتركا: تحسين رفاهة مواطنيهم ونوعية حياتهم. وإلى جانب أي مقياس اقتصادي؛ ينبغي لنا أن نقيس نجاح التعددية بالحروب التي نتمكن من تفاديها والأرواح التي نتجنب خسارتها

وبموجب اتفاقية مكافحة الرشوة التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ أصبحت الرشا في مجال الأعمال الآن جريمة جنائية في 43 دولة. وبفضل البرنامج الدولي لتقييم الطلاب التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ بات بوسع أكثر من 70 دولة اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن سياسات التعليم من أجل أبنائها.

هذه مجرد عينة من الفوائد التي تستطيع المؤسسات المتعددة الأطراف تقديمها للمجتمعات الحديثة، لكن قيمة التعددية في حد ذاتها تتجاوز أي برنامج أو سياسة بعينها.

أنشئ النظام الدولي ومؤسساته كحصن ضد الحرب. وبعد مساعدة أوروبا في التعافي من خراب الحرب العالمية الثانية؛ أعطت التعددية البلدان غرضا مشتركا: تحسين رفاهة مواطنيهم ونوعية حياتهم. وإلى جانب أي مقياس اقتصادي؛ ينبغي لنا أن نقيس نجاح التعددية بالحروب التي نتمكن من تفاديها والأرواح التي نتجنب خسارتها.

ومع ذلك؛ يفقد المزيد من الناس الثقة في قدرة التعاون الدولي على حل مشاكل اليوم. وفي حين أدى تعميق الترابط بين اقتصادات العالَم إلى تغذية النمو، وانتشال الملايين من براثن الفقر، ورفع مستويات المعيشة؛ فإنه لم يكن تقاسم الفوائد مشتركا بالقدر الكافي.

وإذا لم تكن التعددية قادرة على تسليم كل ما نريده؛ فإن الحل لن يكون بالتخلي عنها، بل يتعين علينا أن نجعلها تحقق النتائج في عصرنا الحديث.

ونظرا لضخامة التحديات التي يواجهها العالم؛ فإنه لن تتمكن أي دولة من التصدي لها بمفردها أو حتى بشكل ثنائي، ففي سياق التعددية فقط نستطيع أن نجد الحلول لتحديات اليوم المعقدة.

ويوفر التعاون المتعدد الأطراف البيئة المناسبة لحل الخلافات سلميا؛ ومنصات للاتفاق على قواعد مشتركة للعبة؛ وآليات لإدارة التدفقات الدولية على نحو أفضل؛ وقنوات لتبادل الأفكار والخبرات حتى تتعلم الدول من بعضها بعضا.

لقد كان التعاون والتكامل على مستوى العالَم من العناصر البالغة الأهمية في التوسع المذهل، الذي طرأ على الرفاهة والفرص على مدار السنوات السبعين الماضية.

وفي هذا الأسبوع؛ يجتمع وزراء من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس برئاسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وسيلتقون على اعتقاد مفاده أن التعاون الدولي أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، ولكن يتعين على التعاون الدولي أن يعاجل -بشكل أفضل- إحباطات الناس وتوقعاتهم، ويعينهم على تحقيق أعلى آمالهم.

بوسع الدول أن تتعلم من بعضها بعضا كيفية تحقيق النمو الشامل في مواجهة قضايا مثل البطالة، وانخفاض الأجور، والإسكان، والرعاية الصحية. ولكن مع غياب التعاون في التصدي لتحديات عالمية مثل الفساد، والتدفقات المالية غير المشروعة، وتهديدات الأمن السيبراني، والمنافسة غير العادلة، والتلوث وتغير المناخ؛ فلن تأتي الحلول لمثل هذه القضايا المحلية إلا جزئية أو قصيرة الأجل

نحن نعلم ماذا يجب علينا أن نفعل؛ إذ يتعين علينا أن نضمن قدرة التنظيم الذكي للأسواق على استباق التأثيرات المعطلة والمترتبة على التكنولوجيات الرقمية الجديدة، وتسخير الفرص التي تتيحها.

ويتعين علينا أن نعمل على تحديث قواعد التجارة العالمية والاستثمار وليس التخلي عنها، وذلك لنشر فوائدها على نطاق أوسع. كما يتعين علينا أن نعمل على إيجاد سبل جديدة لمكافحة التفاوت بين الناس وحماية الأكثر ضعفا.

ويجب علينا أن نزود أطفالنا ليس فقط بالتعليم الجيد، بل وأيضا بالمهارات التي يحتاجون إليها لتحقيق الازدهار، فضلا عن كوكب نظيف يعيشون عليه.

وبوسع الدول أن تتعلم من بعضها بعضا كيفية تحقيق النمو الشامل في مواجهة قضايا مثل البطالة، وانخفاض الأجور، والإسكان، والرعاية الصحية.

ولكن مع غياب التعاون في التصدي لتحديات عالمية مثل الفساد، والتدفقات المالية غير المشروعة، وتهديدات الأمن السيبراني، والمنافسة غير العادلة، والتلوث وتغير المناخ؛ فلن تأتي الحلول لمثل هذه القضايا المحلية إلا جزئية أو قصيرة الأجل.

في خطابه الذي ألقاه مؤخرا أمام الكونغرس الأميركي؛ دعا ماكرون إلى إنتاج "سلاسة جديدة من التعددية… تتسم بالفعالية، والقابلية للمساءلة، والتوجه نحو تحقيق النتائج"، والتعددية التي "تحترم وتحمي ثقافاتنا وهوياتنا وتسمح لها بالازدهار معا".

ولتحقيق هذه الغاية؛ تعتزم منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التركيز هذا الأسبوع ليس فقط على الدفاع عن مبدأ التعاون الدولي، بل وأيضا على المناقشات بشأن ما يتعين علينا أن نعمل على تحسينه.

إن إيجاد الحلول يستلزم أن نستمع إلى الجميع، وخاصة أولئك الذين فقدوا الثقة في الحكومات والمؤسسات. ولا بد من أن تتطور التعددية بهدف واضح يتلخص في خدمة كل من يتوق إلى حياة أفضل.

في عالَم منقسم على نفسه نخسر جميعا، ولكن من خلال الجمع بين معارفنا وخبراتنا ومواردنا، والعودة إلى الالتزام بنظام تعددي مسؤول وفعّال وشامل؛ نستطيع أن نصنع مستقبلا أكثر إشراقا وازدهارا للجميع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.