نتنياهو والصفقة السافلة

Israel's Prime Minister Benjamin Netanyahu visits the London Stock Exchange in London, Britain, November 3, 2017. REUTERS/Eddie Keogh

في 13 فبراير/شباط الماضي، وبعد نهاية التحقيق الذي بدأ عام 2016؛ أوصت الشرطة الإسرائيلية بتوجيه الاتهام إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بسبب الفساد والاحتيال وخيانة الأمانة.

إن كل الأضواء الآن مسلطة على النائب العام أفيتشا ماندلبليت، الذي يجب أن يقرر ما إن كان سيوجه اتهامات رسمية ضد شخص تحوّل فعلا إلى مرادف للسياسة الإسرائيلية الحديثة.

وإذا استمرت الحكومة الحالية حتى صيف عام 2019، فسيصبح نتنياهو رئيسا لإسرائيل. ولكن الآن ليس من الواضح ما إن كان سينجح في ذلك أم لا.

أصبحت الانقسامات المتطرفة -على نحو متزايد- السمةَ المميزة لولاية نتنياهو وحكمه، وأصبحت الآن الشائعات عن حرب محتملة في سوريا أو لبنان أو غزة صامتة. إن الطريقة التي سيتطور بها وضع نتنياهو الحساس ستقرر دورَ الأحداث والتبعات التي ستسود

ومنذ توليه منصب رئيس الوزراء في مارس/آذار 2009 (قبل ذلك شغل هذا المنصب بين يونيو/حزيران 1996 ويوليو/تموز 1999)؛ شهدت إسرائيل تحت قيادة نتنياهو نموا اقتصاديا غير مسبوق، وفاز بسلسلة من الانتصارات الدبلوماسية.

وفي الوقت نفسه؛ أصبحت الانقسامات المتطرفة -على نحو متزايد- السمةَ المميزة لولايته، وأصبحت الآن الشائعات عن حرب محتملة في سوريا أو لبنان أو غزة صامتة. إن الطريقة التي سيتطور بها وضع نتنياهو الحساس ستقرر دورَ الأحداث والتبعات التي ستسود.

إن تحقيقات الشرطة التي انتهت لتوها -تحت اسم "القضية 1000″ و"القضية 2000"- ليست هي التحديات القانونية الوحيدة التي يواجهها نتنياهو؛ ولا تزال التحقيقات الأخرى بشأن الفساد مستمرة.

إن التأثير المتداعي لهذه الفضائح -التي تتضمن ادعاءات بقبول هدايا قيمتها الإجمالية 300 ألف دولار لمدة عشر سنوات- يمكن أن يُحدث خللا في الدينامية السياسية الهشة بالفعل في إسرائيل، حيث كان لدى المنافسين داخل تحالف نتنياهو تأثير كبير عليه وعلى حزبه الليكود.

وسيحرص أعضاء الحكومة على عدم اتخاذ قرار مسبق بشأن مصير زعيمهم، لكنهم يراقبون عن كثب الاتجاه الذي ستهب منه الرياح السياسية. ولا يهتم وزراؤه -بشكل خاص- بإجراء انتخابات جديدة، ولكن لا أحد منهم يرغب في الغرق مع السفينة.

إن المعضلات التي تواجه وزير المالية موشيه كاهلون ووزير التعليم نفتالي بينيت، واضحة للغاية ولها حاليا تأثير معين، ولن تكون مضمونة في التشكيل الجديد للكنيست (البرلمان).

ونتيجة لذلك، ومع تعمُّق الأزمة حول نتنياهو؛ فإن أعضاء حكومته ركّزوا على إظهار الإنجازات الشخصية لتصبح جذابة للناخبين على حساب مزاياهم الخاصة.

وبما أن المأساة السياسية البطيئة تتسارع؛ فإن نتنياهو سيبدأ في حشد المؤيدين لحماية براءته الخاصة، ومنع أي عدو من التعجيل بانهياره. وسيُجبَر زملاؤه في مجلس الوزراء على الابتعاد عن صخب الجرائم، لكي يتمكنوا من تحقيق طموحاتهم السياسية الطويلة الأجل، خاصة إذا تصاعدت الدعوة إلى الاستقالة.

ويكمن خطر هذا الوضع الصعب في أن يصبح نتنياهو قادرا على تلبية مطالب الفصائل الأكثر طموحا في تحالفه. فمثلا، سيشجع ذلك الصقور الذين يطالبون برد فعل قوي على العدوان الذي تنظمه إيران على مرتفعات الجولان.

وكذلك أولئك الذين يصرون على توسيع بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. كما أن جماعات الضغط الأرثوذكسية المتطرفة ستضغط أيضا على نتنياهو بعدم التطرق للقضايا الليبراليةاليهودية في إسرائيل.

إن نتنياهو ليس مبتدئا في السياسة، فهو يعرف بالضبط نوع المعضلة التي يواجهها. وإذا كان سيتعارض مع مبادئه وسيستسلم لمطالب تحالفه العدوانية، فإنه سيكون غير جدير بالمنصب الذي يشغله والبلد الذي يحكمه

ويمكن لأي من هذه الجماعات إثارة التمرد وإجبار ممثليها في الكنيست على فرض رقابة على الحكومة. وفي مواجهة هذه الضغوط؛ يمكن أن تكون باهظةً التكلفةُ السياسيةُ لبقاء رئيس الوزراء. ومن المفارقات أن علاقات نتنياهو بالرئيس الأميركي دونالد ترمب تجعل الأمور أكثر صعوبة.

لقد شعرت الحكومة الإسرائيلية بأنها لا تقهر في الولايات المتحدة، وذلك بدعم من إدارة ترمب , وقرارها القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إلى هناك، فضلا عن عدائها الصريح للاتفاق النووي مع إيران الموقّع عام 2015.

ولكن يبدو أن هذه الثقة تعرف تراجعا ملحوظا؛ فمن الواضح أنه قد تم تجاوز الخط الأحمر لإدارة ترمب هذا الشهر عندما انتقد الناطقُ باسم البيت الأبيض نتنياهو، ونفى الشائعات القائلة إن المسؤولين الأميركيين ناقشوا خطة ضم الضفة الغربية مع نظرائهم الإسرائيليين.

إذا كان هذا الانتقاد يشير حقا إلى خلاف متزايد، فإن أي تحول نحو تشديد مسار إسرائيل سيزيد تعقيد علاقات البلاد مع الولايات المتحدة.

إن نتنياهو ليس مبتدئا في السياسة، فهو يعرف بالضبط نوع المعضلة التي يواجهها. وإذا كان سيتعارض مع مبادئه وسيستسلم لمطالب تحالفه العدوانية، فإنه سيكون غير جدير بالمنصب الذي يشغله والبلد الذي يحكمه.

وإذا كان سيقف أمام إغراء الحل التوفيقي، فهذا يعني نهاية حكمه. إن الرهانات خطيرة جدا أكثر من أي وقت مضى؛ لا بالنسبة لنتنياهو فحسب وإنما أيضا بالنسبة للدولة التي لا يزال يقودها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.