دفاعا عن الديمقراطية

U.S. President Donald Trump, flanked by U.S. Trade Representative Robert Lighthizer, reads a directive to impose tariffs on imported solar panels before signing it in the Oval Office at the White House in Washington, U.S. January 23, 2018. REUTERS/Jonathan Ernst

تخيل أنك -مثلي أنا- نتاج نموذجي للديمقراطية الليبرالية الغربية، وتم استدعاؤك لإلقاء محاضرة عن منافعها لمجموعة من الطلاب الصينيين في بكين أو شنغهاي. مع تجاهل حقيقة أن الحكومة الصينية لن تسمح لك أبدا بإلقاء مثل هذه المحاضرة؛ فما الذي كنت ستقوله؟

أولاً وقبل كل شيء، يجدر بك ألا تتحدث من منطلق التفوق الأخلاقي؛ فالحضارة الغربية في النصف الأول من القرن العشرين لم تكن متحضرة، وكانت حقوق الإنسان مهضومة.

فقد دمرت الحرب الطبقية أنظمة سياسية بأكملها، وكانت هناك صراعات عنيفة وتطهير عرقي بشكل متزايد. ونظرا إلى هذا التاريخ، فإن الغربيين ليسوا في وضع مريح يسمح لهم بإلقاء محاضرات عن الحريات المدنية أو القيم الإنسانية.

والجدير بالذكر أيضا أن المسيرة العالمية نحو الديمقراطية -التي استمرت بعد سقوط جدار برلين– تعرف تراجعا ملحوظا. ووفقا لوجهة نظر لاري دياموند -من جامعة ستانفورد- فقد تحول العديد من البلدان الديمقراطية منذ بداية هذا القرن إلى أنظمة مختلفة.

المسيرة العالمية نحو الديمقراطية -التي استمرت بعد سقوط جدار برلين- تعرف تراجعا ملحوظا. ووفقا لوجهة نظر لاري دياموند -من جامعة ستانفورد- فقد تحول العديد من البلدان الديمقراطية منذ بداية هذا القرن إلى أنظمة مختلفة. وبطبيعة الحال، فإن الانتخابات وحدها لا تصنع دولة ديمقراطية

وبطبيعة الحال، فإن الانتخابات وحدها لا تصنع دولة ديمقراطية. وينبغي النظر في تعزيز الانتخابات للأغلبية العرقية أو الجماعة الدينية، والتي تقضي بدورها على الأقليات، وهي النتيجة التي شوهدت أحيانا كثيرة في دول البلقان، على سبيل المثال.

هناك حالات يعتبر فيها انتخاب زعيم بمثابة تشريع لظهور الدكتاتورية. كما هو الحال في روسيا، التي أصبحت -منذ فوز الرئيس فلاديمير بوتين في الانتخابات عام 2000- ديمقراطية بوتين. وهذا العام، سيحقق بوتين فوزا مريحا آخر ليظفر بفترة ولاية أخرى في منصبه.

وفي ديمقراطية حقيقية؛ تُستَكمل الانتخابات الحرة والنزيهة على نطاق أوسع بسيادة القانون، والإجراءات القانونية الواجبة النفاذ، والقضاء المستقل، والمجتمع المدني النشط، وحرية الصحافة والعبادة والتجمع وتكوين الجمعيات.

وفي الواقع، من الممكن نظريا -رغم أنه من غير المرجح- أن تتوفر الأنظمة السياسية على هذه العناصر دون انتخابات على الإطلاق. وقد أثبت العالم السياسي صمويل فاينر -في دراسته الشاملة لمختلف أنواع الحكم- وجودَ مجتمع واحد فقط ليبرالي وليس ديمقراطياً: مجتمع هونغ كونغ الاستعماري.

تعتمد الديمقراطيات على البرامج المؤسسية وليس فقط الأجهزة (المؤسسات)؛ فالأشخاص الذين يشغلونها يقبلون مجموعة من المعايير غير المدونة. وتكمن المشكلة عندما يرفض الشعب -أو أسوأ من ذلك، يرفض قادته- التقيد بالمعايير الديمقراطية.

وهذا ما يحدث اليوم في الولايات المتحدة، حيث يتحدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعض القوانين والمعايير والمبادئ الأساسية للديمقراطية الأميركية. يهدد ترمب (كما فعل الرئيس ريتشارد نيكسون) باستخدام سلطته لحرف سيادة القانون، وذلك لاستهداف أعدائه وبالأخص هيلاري كلينتون التي يرغب في "اعتقالها".

فهو يهاجم حرية الصحافة، ويشجع أنصاره على مهاجمة الصحفيين عبر نشره على تويتر شريط فيديو (محذوف) شديد الغرابة، يظهر فيه وهو يطرح أرضا مصارعا محترفا تم استبدال وجهه بشعار شبكة "سي أن أن". إنه يحاول هدم نظام أميركا من الضوابط والتوازنات. ويبدو أنه يعطي أولوية قصوى للنهوض بمصالح عائلته التجارية أكثر من مصالح الشعب الأميركي.

ورغم أن بعض أجزاء النظام السياسي الديمقراطي في أميركا (مثلا الفحص القضائي للسلطة التنفيذية) أثبتت قدرتها على الصمود؛ فإن بعضها الآخر آخذ في الانهيار. ولكن ترمب هو نتيجة لهذا الانهيار وليس السبب في حدوثه.

المشكلة الحقيقية هي أن الحزب الجمهوريأصبح -على مر السنين- أداة غير مجدية لجماعات الضغط والمتطرفين، ويبدو أن الديمقراطيين والجمهوريين قد تخلوا عن التزامهم بالحكم بالإجماع.

يهاجم ترمب حرية الصحافة، ويشجع أنصاره على مهاجمة الصحفيين عبر نشره على تويتر شريط فيديو شديد الغرابة، يظهر فيه وهو يطرح أرضا مصارعا محترفا تم استبدال وجهه بشعار شبكة "سي أن أن". إنه يحاول هدم نظام أميركا من الضوابط والتوازنات. ويبدو أنه يعطي أولوية قصوى للنهوض بمصالح عائلته التجارية أكثر من مصالح الشعب الأميركي

ونتيجة لذلك، فإن الجهود التي بذلها مؤسسو أميركا لمنع انتخاب شخص عدواني -مثل ترمب- قد باءت بالفشل. إن استياء الشعب من نظام سياسي، مع تزايد عدم المساواة والنخب الأنانية؛ يجعله خارج نطاق السيطرة.

وقد أدت التحديات الاقتصادية -جنبا إلى جنب مع المخاوف بشأن الهجرة- إلى خلق ضغوط مماثلة في أوروبا، انعكست على دعم كبير للأحزاب الشعبوية اليمينية في الانتخابات بألمانيا وفرنسا العام الماضي، هذا فضلا عن صعود "الديمقراطية غير الليبرالية" في المجر وبولندا.

إن مواجهة مثل هذه الاعتداءات على الديمقراطية تتطلب من القادة السياسيين إبداء الشجاعة والرؤية -كما فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حتى الآن- في الدفاع عن القيم التي يقوم عليها الحكم الديمقراطي.

في الاتحاد الأوروبي، يجب على القادة ألا يغضوا النظر عن هجوم الحكومات المنتخبة على المؤسسات التي تحمي الحرية. وبالإضافة إلى ذلك، لا يعتبر الاتحاد الأوروبي مجرد اتحاد جمركي، بل هو اتحاد للقيم المشتركة، وإذا فشل في التصرف على هذا الأساس فإنه سينهار.

ليست السنوات القليلة السيئة التي مرت بها الديمقراطيات سببا لتفسير فضائل الدكتاتورية والاستبداد. ويُظهر التاريخ أنه عندما يتعلق الأمر برخاء الناس ورفاههم، فإن المجتمعات التي تدافع عن الحرية الاقتصادية والسياسية تحقق أداء جيدا.

وفي ثلاثينيات القرن الماضي، نالت جهود أدولف هتلر وبينيتو موسوليني لضمان عمل القطارات في الوقت المحدد إعجاب البعض، ولكن بالتأكيد ليس بالتكلفة التي دُفعت في ذلك.

نفس الشيء بالنسبة للصين اليوم. نعم، أصبحت البلاد قوة اقتصادية في العقود الأخيرة. ولكن إذا كان النظام لا يستطيع النجاة من الاختلافات الرئيسية -بدءا من التحديات القانونية إلى المحاكاة التلفزيونية الساخرة- فهل يمكن أن يكون قويا كما يدعي قادته؟ وإذا كانت حملة قمع الفساد تقوم بها دكتاتورية فاسدة، فهل يمكن اعتبار ذلك مشروعا؟

وبالمقارنة؛ فإن الهند -التي خسرت السباق الاقتصادي في السنوات القليلة الماضية- ظلت متماسكة منذ الاستقلال -رغم الاختلافات العرقية والدينية واللغوية الشاسعة- دون الحاجة إلى الاعتقال السياسي. وهذا لا يعني أنه لا توجد معارضة أو خلافات.

ولكن بغض النظر عن عدد الهنود المعارضين، فإنه لا يتم القبض على المنشقين أو إجبارهم على "الاختفاء"، وذلك بفضل صمامات الأمان التي توفرها ديمقراطيتهم. ولا يمكن لأي مجتمع أن ينجح بدون هذه الآليات. وحتى كارل ماركس -على ما أعتقد- سيوافقني الرأي في ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.