هرولة الأفارقة للتطبيع مع إسرائيل.. فتّش عن الرياض وأبو ظبي

Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu (R) prepares to shake hands with Chadian President Idriss Deby as they deliver joint statements in Jerusalem November 25, 2018. REUTERS/Ronen Zvulun

ضوء أخضر سعودي
محاكاة الخطاب الإسرائيلي

تطرح الزيارة التي أداها الرئيس التشادي إدريس ديبي قبل أيام لإسرائيل الكثير من الأسئلة وعلامات الاستغراب، في ظل وجود بيئة أفريقية كانت تتحفظ عن التطبيع مع إسرائيل بسبب الرفض الشعبي الأفريقي لجرائم الاحتلال الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني، وطلبا لنيل رضا القوى العربية التي تربطها بأفريقيا أواصر التاريخ وصلات الجغرافيا والمصالح المشتركة.

ضوء أخضر سعودي
الصلة الوثيقة التي تربط الرئيس تشادي بحاكميْ الرياض وأبو ظبي تطرح احتمالا كبيرا بأن تكون هاتان الدولتان الخليجيتان وراء هذه الزيارة، التي تأتي في سياق تتسارع فيه وتيرة التطبيع مع إسرائيل على الضفة الخليجية، بعد أن كشفت تسريبات صحفية –نشرت في الأشهر والأسابيع الأخيرة- وجود مخططات لدي قيادة الحكم بالسعودية والإمارات لبناء تحالف إستراتيجي مع إسرائيل.

وهي مخططات عززتها الرسائل الإيجابية التي صدرت من البلدين في الآونة الأخيرة تجاه إسرائيل، ثم جاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليؤكد ذلك بقوله إن "إسرائيل ستكون في ورطة كبيرة بدون السعودية".

وتتجلى مظاهر العلاقات الوثيقة للرئيس التشادي مع الرياض وأبو ظبي في مساندته القوية لنظاميْ البلدين في الأزمة الخليجية وخلافهما مع قطر، حيث اضطرت تشاد لقطع علاقاتها مع قطر بضغط سعودي، قبل أن تتراجع لاحقا عن هذه الخطوة.

كما يعتبر ديبي من القادة الأفارقة القلائل الذين اتهمتهم منظمات حقوقية ووسائل إعلام دولية باكتتاب مرتزقة من بلاده لإسناد القوات السعودية في الحرب باليمن، وشاركت تشاد في تمرينات درع الخليج العسكرية.

وفي المقابل؛ تدعم الرياض وأبو ظبي سلسلة مشاريع استثمارية في تشاد، كما احتضنت أبو ظبي في 13 سبتمبر/أيلول الماضي منتدى استثماريا لدعم تشاد، التي تواجه ضائقة اقتصادية قوية بعد تراجع إنتاجها من النفط منذ سنة 2014.

الصلة الوثيقة التي تربط الرئيس تشادي بحاكميْ الرياض وأبو ظبي تطرح احتمالا كبيرا بأن تكون هاتان الدولتان الخليجيتان وراء هذه الزيارة، التي تأتي في سياق تتسارع فيه وتيرة التطبيع مع إسرائيل على الضفة الخليجية، بعد أن كشفت تسريبات صحفية –نشرت في الأشهر والأسابيع الأخيرة- وجود مخططات لدي قيادة الحكم بالسعودية والإمارات لبناء تحالف إستراتيجي مع إسرائيل

وذهب ديبي بعيدا في الانجرار وراء حلف الرياض/أبو ظبي حين رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين نجامينا وأبو ظبي إلى مستوى سفارة، بعد أن كانت مصالح تشاد تتم رعايتها من قنصلية. وعين على رأس هذه السفارة قبل أشهر نجله الثلاثيني زكرياء ديبي الذي يؤهله لخلافته في السلطة وفق تقارير صحفية، ليكون بذلك ثاني رئيس يختار نجله سفيرا في أبو ظبي بعد الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح.

فالرئيس ديبي الذي يمسك بمقاليد السلطة في تشاد منذ قرابة ثلاثة عقود، وشهد نظامه هزات عميقة جراء سلسلة من المحاولات الانقلابية، وتتهمه المعارضة السياسية بالاستبداد والفساد والتشبث بالكرسي؛ بات مؤخرا يركن للخارج كثيرا بغية إضفاء الشرعية على نظامه المهزوز، وذلك بتقديم نفسه بوصفه الرجل الذي ضحى جيشه كثيرا في جهود الحرب على الإرهاب بالمنطقة.

يمكن الجزم بأن الرئيس التشادي ما كان ليجرؤ على القيام بزيارة رسمية لإسرائيل بهذا التوقيت لولا الضوء الأخضر السعودي والإماراتي؛ فقد يكون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يسعى بذلك لدفع قسط من أثمان مساندة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو له، في حادثة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول.

فلا يُعقل أن يزور حليف قوي للسعودية والإمارات –مثل إدريس ديبي- إسرائيلَ دون أن تكون هناك موافقة مبدئية منهما على ذلك، فالرياض -التي أبدت انزعاجها قبل سنة من موقف سلطات توغو التي كانت تعتزم تنظيم قمة إسرائيلية/أفريقية، ووجهت استفسارا ساعتها للقائم بالأعمال التوغولي بالرياض بشأن ذلك- لا يمكن أن يزور حليفها ديبي إسرائيل دون رضاها، أو على الأقل إشعارها بهذه الخطوة.

محاكاة الخطاب الإسرائيلي
يتناغم الخطاب السعودي الموجه لأفريقيا في الآونة الأخيرة مع الخطاب الإسرائيلي، حيث يطرح الطرفان -على طاولة اللقاء مع أي مسؤول أفريقي- موضوع الأمن، وضرورة تنسيق الجهود من أجل محاربة الإرهاب في القارة الأفريقية.

ويلاحظ أن حركة الزيارات الأخيرة إلى أفريقيا، أو تلك التي قام بها مسؤولون أفارقة إلى السعودية أو إسرائيل؛ كان موضوع الملف الأمني يتصدر أجنداتها.

فقد أورد موقع "ديبكا" الإسرائيلي أن الرئيس التشادي يسعى -عبر زيارته لتل أبيب- لتوثيق علاقات بلاده مع إسرائيل وإقناعها بالمشاركة في الحرب ضد تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أنحاء القارة الأفريقية، ولضمها إلى جهود الولايات المتحدة وفرنسا المكرسة لذلك في هذه المنطقة.

ولفت الموقع –وهو مقرب من الدوائر الاستخباراتية الإسرائيلية- أن حكومة نتنياهو مستعدة لتقديم المساعدة بمختلف أشكالها في الحرب على الإرهاب بأفريقيا، عسكريا أو لوجستياً أو استخباراتيا على الجبهات التي ينشط فيها الجيش التشادي.

وفي سياق آخر؛ زار محمد بن عبد الله العايش مساعد وزير الدفاع السعودي الكاميرون قبل أيام، والتقى رئيس البلاد بول بييا ومسؤولين عسكريين، وأكد أن الرياض تتطلع إلى التعاون مستقبلا مع الكاميرون فيما يتعلق بأمن البلدين، وتبادل الخبرات في مجال محاربة الإرهاب والتدريب العسكري.

يمكن القول إن إسرائيل نجحت في استدراج السعودية للتناغم معها في ذات اللغة التي استخدمتها لتشويه المقاومة وربطها بالإرهاب، حيث اتخذت إسرائيل من ظهور "الجماعات الجهادية" في أفريقيا -طوال الأعوام الأخيرة- شماعة لوصم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، واعتبارها هي والجماعات الأفريقية المسلحة وجهين لعملة واحدة، مستفيدة من ضعف فهم النخب السياسية الأفريقية لأبعاد الصراع العربي/الإسرائيلي

وتأتي زيارة المسؤول السعودي بعد زيارة قام بها مسؤول إسرائيلي رفيع للكاميرون في أغسطس/آب، وكان موضوع محاربة الإرهاب أهم نقطة في أجندتها.

وتعدّ الكاميرون من أوثق الدول الأفريقية صلات بإسرائيل في المجال الأمني، فكتيبة التدخل السريع -التي تعتبر كتيبة النخبة في الكاميرون- أسسها ضباط إسرائيليون متقاعدون 1999 وتولوا تدريبها.

وتعتبر هذه الكتيبة -التي تُعنى بحراسة الرئيس- أهم وحدة في الجيش الكاميروني من حيث التجهيز والتدريب، ويبلغ قوامها خمسة آلاف جندي، وظل يشرف عليها -منذ تأسيسها- العقيد المتقاعد بالجيش الإسرائيلي أبراهام آفي سيرفان إلى غاية وفاته في تحطم مروحية عام 2010، ثم تولى الإشراف عليها بعده ماير آرتز الجنرال المتقاعد في الجيش الإسرائيلي.

وفي سياق آخر؛ زار رئيس النيجر محمدو إيسوفو السعودية في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وتوحي الصفة الثانية لرئيس النيجر –باعتباره رئيسا دوريا لمجموعة الخمس لدول الساحل-  ووجود وزير دفاع بلاده ضمن الوفد المرافق له بأن موضوع الأمن كان حتما في صدارة محادثات الجانبين.

فقد التزم السعوديون سابقا مع الإماراتيين بتحمل أعباء أكثر من ربع الميزانية السنوية للقوات المشتركة لدول الساحل، التي تم نشرها قبل أشهر في شمال مالي لمحاربة "التنظيمات الإرهابية" بالمنطقة، وتشمل هذه القوة: موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو.

لقد أدركت السعودية مؤخرا أهمية الاستثمار في الملف الأمني بمنطقة الساحل كورقة لتوثيق الصلة بأهم الدول الفاعلة عسكريا في قوتها كموريتانيا وتشاد والنيجر، لتوظيفها في أجندة الدبلوماسية السعودية بالمنطقة.

كما يقف خلف الاهتمام السعودي بمنطقة الساحل مساعي الرياض لكسب ودّ الأوروبيين لإدراكها محورية منطقة الساحل بالنسبة لهم، فالرياض تعي جيدا أن الساحل يشكّل هاجسا كبيرا للأوروبيين باعتباره مصدرا رئيسيا للكثير من الأزمات التي تمر بها القارة العجوز، كالهجرة والجريمة العابرة للحدود والإرهاب.

وفي الأخير؛ يمكن القول إن إسرائيل نجحت في استدراج السعودية للتناغم معها في ذات اللغة التي استخدمتها لتشويه المقاومة وربطها بالإرهاب، حيث اتخذت إسرائيل من ظهور "الجماعات الجهادية" في أفريقيا -طوال الأعوام الأخيرة- شماعة لوصم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، واعتبارها هي والجماعات الأفريقية المسلحة وجهين لعملة واحدة، مستفيدة من ضعف فهم النخب السياسية الأفريقية لأبعاد الصراع العربي/الإسرائيلي، بسبب تأثير الإعلام الغربي الخادم للمشروع الإسرائيلي.

ويبدو للأسف أن وصف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لحركة حماس بأنها "منظمة إرهابية"، وعدم تمييز المسؤولين السعوديين الذين يزورون الدول الأفريقية بين المقاومة والإرهاب؛ أسقط السعوديين -عن وعي أو بدونه- في فخ القطيعة مع المبادئ التي لا يتخيل أي أفريقي مسلم أو غير مسلم أن تتنازل عنها السعودية، لما لها من بُعد روحي ومكانة في قلوب المسلمين.

وعليه؛ فإن تطبيع السعودية مع إسرائيل وتشجيع البلدان الأفريقية على ذلك زلة لا تغتفر، ترتكبها قيادة بلاد لها مكانتها الخاصة في نفوس المسلمين الأفارقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.