تغريدات ترمب المتهورة وآمال باكستان الديمقراطية

epa06376823 People rally to protest against the US President Trump's decision to recognize Jerusalem as Israel's capital, in Islamabad, Pakistan, 08 December 2017. US president Donald J. Trump on 06 December announced he is recognising Jerusalem as the Israeli capital and will relocate the US embassy from Tel Aviv to Jerusalem. EPA-EFE/T. MUGHAL

انضمت باكستان الآن إلى صفوف الدول التي ضربتها إحدى العواصف المميزة التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

ففي أول تغريدة له في عام 2018،أعلن ترمب أن الولايات المتحدة بلد "أحمق" لأنه أعطى باكستان أكثر من 33 مليار دولار مساعدات على مدى السنوات الـ15 الماضية، في حين أن باكستان لم تُعطِ سوى "الأكاذيب والخداع" ووفرت ملاذا آمنا للإرهابيين الذين تحاربهم أميركا في أفغانستان "لا أكثر!"، انتهى كلام ترمب. والآن تقوم أميركا بتجميد مساعداتها لباكستان.

ومثل هجماته على كوريا الشمالية أو قراره الأحادي الجانب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ فإن هجمات ترمب على باكستان قد تعجب بشكل جيد قاعدته. ولكن ستكون لها أيضا تداعيات خطيرة على باكستان، حيث أدى عدد من الصدمات في النصف الثاني من 2017 إلى زعزعة استقرار البلاد سياسيا.

وإذا تعثرت باكستان، فإن العواقب ستكون جمة عبر جنوب آسيا وفي أجزاء أخرى من العالم الإسلامي، حيث يعد النظام السياسي في باكستان نموذجا قيما.

مثل هجماته على كوريا الشمالية أو قراره الأحادي الجانب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ فإن هجمات ترمب على باكستان قد تعجب بشكل جيد قاعدته. ولكن ستكون لها أيضا تداعيات خطيرة على باكستان، حيث أدى عدد من الصدمات في النصف الثاني من 2017 إلى زعزعة استقرار البلاد سياسيا

وقد عانى -إلى حد كبير- نحو 50 دولة ذات أغلبية مسلمة تمتد من بنغلاديش إلى المغرب من أجل تطوير نفسها سياسيا. وتحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان أضحت تركيا -التي كانت تتباهى بنظام ديمقراطي فعال- تتجه نحو الحكم الاستبدادي.

ويبدو أن بنغلاديش تتحول أيضا إلى نظام الحزب الواحد بعد أن أحرزت تقدما ملحوظا، ولا سيما على الجبهة الاقتصادية. والآن، فإن باكستان -وهي أفضل أمل متبقٍّ في المنطقة- تواجه أيضا نكسات محتملة.

وعلى النقيض من اتهامات ترمب، أحرزت باكستان تقدما مطردا -وإن كان بطيئا- على مدى العقد الماضي في مكافحة الإرهاب، وفي توطيد المؤسسات الديمقراطية.

بدأ هذا التقدم عام 2007 عندما أطلقت مجموعة من المحامين حركة احتجاج جماهيرية ردا على قرار غير دستوري من الرئيس الباكستاني الرابع برويز مشرف بتعليق عمل رئيس المحكمة العليا. ودفعت الحركة -التي دعمتها عدة أحزاب سياسية- في النهاية مشرف إلى التنحي 2008، لكي يتجنب الاتهام.

وفي الانتخابات العامة اللاحقة، فاز حزب الشعب الباكستاني بعدد من المقاعد في الجمعية الوطنية كان كافيا لتشكيل حكومة قوية. وحصل خصمه السياسي حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (نواز شريف) على أغلبية المقاعد في مجلس مقاطعة البنجاب، مما سهل السيطرة على أكبر مقاطعة في البلاد. لقد وصلت السياسة التنافسية إلى باكستان.

وبعد مأمورية خمس سنوات للحزب الشعب الباكستاني؛ فاز حزب الرابطة الإسلامية بقيادة نواز شريف في الانتخابات العامة الموالية، مع الاحتفاظ بسيطرتها على البنجاب. وقد حدث نقل سلمي للسلطة، مع تحول حزب الشعب الباكستاني إلى المعارضة. وهكذا تجاوزت باكستان مرحلة صعبة أخرى.

وقد شاهد الجنرالات -الذين لا يزالون أقوياء- هذه التطورات من الثكنات التي انطووا فيها. وبعد أكثر من 60 عاما من التغييرات في القيادة العسكرية التي جاءت بعد الانقلابات فقط؛ حلت الحكومة التي يقودها المدنيون محل قائد القوات المسلحة في نهاية فترة ولايته.

وكان هذا هو الإنجاز الهائل الثالث لسيادة القانون والتنمية الديمقراطية في باكستان، الذي يبدو الآن أنه في وضع قوي لمواصلة تعزيز نظامه السياسي ومؤسساته. وقد تنافست أحزابه السياسية والمتطورة -إلى حد ما- على تكافؤ الفرص، وأجريت الانتخابات عندما تطلب الدستور ذلك، وتحولت السلطة دون عنف.

ثم في 2016، وبعد نشر أوراق بناما التي كشفت مدى التهرب الضريبي من قبل الأثرياء في العالم؛ تبين أن أفراد عائلة شريف قد قاموا بتحويل مبالغ هائلة من المال إلى شركات عديدة خارج البلاد، واستثمرت بعد ذلك في عقارات باهظة الثمن في لندن والشرق الأوسط.

وقد فتحت هذه الإفصاحات الطريق أمام لحظة "الربيع العربي" الباكستانية، مع تمرد الشباب على النظام السياسي الذي تسيطر عليه النخب، بقيادة حزب "باكستان تحريك-إنصاف" (حزب سياسي بزعامة بطل الكريكيت السابق عمران خان) الذي وفر فقط أرضية لهذا التمرد.

بالنظر إلى هشاشة مؤسساتها الديمقراطية وتهديد الإرهاب الذي لا يزال قائما؛ ينبغي عدم التقليل من إزالة شريف المزعزعة للاستقرار. لكن إصرار ترمب على مغازلة قاعدته القومية بكراهية الأجانب (خاصة المسلمين) بدلا من النهوض بالمصالح الأمنية الوطنية الحقيقية للولايات المتحدة؛ يجعله كمن يصب الزيت على النار

وبفضل الأرضية التي تركز على العدالة والحوكمة الرشيدة؛ اكتسب حزب "باكستان تحريك-إنصاف" تقدما منذ انتخابات 2008، وحصل على دعم جديد من الشباب في المناطق الحضرية مطالبين بمحاربة الفساد وبخدمات أفضل. وهذه ليست مجموعة صغيرة: فنحو 75% من سكان المدن الباكستانية الكبيرة هم دون سن الخامسة والعشرين.

وقد هدد الحزب باستخدام نفوذه المتزايد عبر دعوة أنصاره الشباب إلى الشوارع، إذا لم يتم التحقيق بشكل سليم في التعاملات المالية لأسرة شريف. ونظرا لتاريخ باكستان المعروف مع التدخل العسكري في السياسة (في 1958 و1969 و1977) ردا على الاحتجاج الشعبي، كان يجب أن يُؤخذ هذا التهديد على محمل الجد.

وتجنبت باكستان تصعيدا سياسيا عندما قرر القضاء التحقيق فيما كشفته أوراق بناما. ففي يوليو/تموز 2017، أعلنت المحكمة العليا حكمها: لقد تصرف شريف بشكل غير صحيح، ولا يمكن أن يبقى عضوا في الجمعية الوطنية، ناهيكم عن أن يظل رئيسا للوزراء.

وانتخب حزب الرابطة الإسلامية شهيد خاقان عباسي -وهو عضو حكومي محترم- خلفا لشريف كزعيم للحزب ورئيس للوزراء. وأعرب القادة العسكريون عن ارتياحهم لكيفية معالجة الوضع.

وفي الوقت نفسه، وبالنظر إلى هشاشة مؤسساتها الديمقراطية وتهديد الإرهاب الذي لا يزال قائما؛ ينبغي عدم التقليل من إزالة شريف المزعزعة للاستقرار.

إن إصرار ترمب على مغازلة قاعدته القومية بكراهية الأجانب (وعلى وجه التحديد كراهية المسلمين)، بدلا من النهوض بالمصالح الأمنية الوطنية الحقيقية للولايات المتحدة؛ يجعله كمن يصب الزيت على النار.

ومع ذلك، هناك سبب يدعو إلى الأمل. إن استجابة باكستان لتحدياتها السياسية الأخيرة تشير إلى استمرار الالتزام بالنضال من أجل الديمقراطية، وهو التزام يمكن أن يكون نموذجا مُهمًّا للغاية بالنسبة للعديد من البلدان الأخرى ذات الأغلبية المسلمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.