رئاسيات مصر 2018.. لماذا يخاف النظام المنافسة؟

People walk near a poster of Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi of the campaign titled, “Alashan Tabneeha” (So You Can Build It), that demands al-Sisi to run in the next year's presidential election, at Sayeda Zainab square in downtown of Cairo, Egypt October 17, 2017. Picture taken October 17, 2017. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh

قبل أكثر من عام؛ سعت بعض وسائل الإعلام المصرية للترويج لفكرة التمديد لعبد الفتاح السيسي في منصب رئاسة الجمهورية سنتين أو أربع سنوات أخرى بدون اللجوء إلى الانتخابات، بل بالاكتفاء بجمع توقيعات من المصريين بالموافقة على هذا التمديد. وخرجت حينئذ مزاعم تقول إن السيسي هو الرجل الوحيد الصالح لهذا المنصب، وأخرى تقول إن أوضاعنا الاقتصادية والأمنية لا تسمح بعقد انتخابات بهذا الحجم الكبير.

ومع أن الحملة فشلت بعد أن أثارت كثيرا من التهكم والدهشة لبلوغ التجاوزات القانونية والدستورية هذه الدرجة، إلا أنها أخفت شيئا أهم، وهو أن موسم الانتخابات -مهما تكن ضمانات نزاهتها ضعيفة والنوايا المبيتة لتزويرها أكيدة- يمثل صداعا للدولة وتحديا لا تدري إلى أين سيسوقها؛ خاصة حين يكون وراء المرشح ظهير شعبي قوي يؤيده.

صداع وعراقيل
هذه المرة يبدو هذا الصداع أقوى من ذي قبل لسببين قويين هما:
الأول: أن مرشح النظام عبد الفتاح السيسي لم يحقق خلال فترة رئاسته الأولى (2014- 2018) إنجازا يلمسه المواطن أو الناخب في حياته وسبل معيشته، بل ازدادت وطأة الأزمات الاقتصادية والخروق الأمنية بصورة قياسية، وإن كان كتاب الإنجازات المعدّ للرجل دعمًا لحملته الانتخابية مملوءاً بمزاعم أخرى.

السبب الثاني: أن دولة مبارك -المتمثلة في كبار رجال الأعمال وزعامات الحزب الوطني، وكبار رجال البيروقراطية المصرية، وجهاز الاستخبارات العامة- لم تقبض ثمن مساندتها لانقلاب 3 يوليو/تموز 2013، بل بدا أن دولتهم قد ذهبت مع ثورة 25 يناير ولم ترجع مع الانقلاب العسكري، ولن يستعيدوها بدون مغالبة النظام القائم؛ لذلك يبدو أنهم الآن يتحينون الفرصة للمنافسة على المنصب المهم، ومن ثم استعادة أمجادهم السابقة.

وبمناسبة دولة مبارك، فإن أي مرشح مدني لا ينتمي إلى مكوِّن اجتماعي ضخم أو حزب سياسي له قاعدة جماهيرية عريضة، سيكون أفضل لها من جنرالات الجيش الحاليين؛ لأن شخصية مدنية بهذه المواصفات يمكن نسج الخيوط حولها وابتلاعها في سياق إدارة الدولة.

دولة مبارك -المتمثلة في كبار رجال الأعمال وزعامات الحزب الوطني، وكبار رجال البيروقراطية المصرية، وجهاز الاستخبارات العامة- لم تقبض ثمن مساندتها لانقلاب 3 يوليو/تموز 2013، بل بدا أن دولتهم قد ذهبت مع ثورة 25 يناير ولم ترجع مع الانقلاب العسكري، ولن يستعيدوها بدون مغالبة النظام القائم؛ لذلك يبدو أنهم الآن يتحينون الفرصة للمنافسة على المنصب المهم، ومن ثم استعادة أمجادهم السابقة

ونلاحظ هنا إشكالية مهمة في التركيبة السياسية المصرية الحالية تؤثر بقوة على هذا الصراع، وهي أننا أمام جيل راديكالي من جنرالات الجيش لا يقبل إلا الحكم المباشر والسيطرة التامة على الدولة، ولا يريد أن يتوارى خلف مكاسب محدودة تاركا الدولة يديرها السياسيون وشبه العسكريين، كما كان الحال في عهد حسني مبارك.

هذا هو المدخل الذي يمكن أن نفهم عبره سعي النظام إلى منع ترشح أي منافس للسيسي حقيقي أو شبه حقيقي في رئاسيات 2018، وقد وضع النظام في طريق الترشح عدة عراقيل لتحقيق هذا الهدف قبل الترشح وبعده، وأهم هذه العراقيل:

1- تعقيد شروط الترشح بإلزام كل راغب فيه بجمع 25 ألف موافقة من مواطنين لهم حق الانتخاب ومن مختلف محافظات الجمهورية، وبحد أدنى ألف موافقة للمحافظة الواحدة، أو الحصول على تزكية عشرين نائبا في البرلمان.

2- غياب أي ضمانات لتنظيم انتخابات نزيهة؛ مثل توفير رقابة دولية، وإشراك القضاء بصورة محايدة في مراقبة عمليتيْ الاقتراع والفرز، وإتاحة فرص تمثيل للمرشحين في لجان الاقتراع على سبيل التساوي بينهم، وإعطاء مندوبي المرشحين في مختلف اللجان حق المتابعة الدقيقة لأجزاء العملية الانتخابية.

3- توجيه الإعلام الفاعل في مصر نحو تأييد السيسي دون سواه، ضمن خطة واضحة تديرها أجهزة أمنية واستخباراتية ثبت تورطها في إعطاء الأوامر المباشرة للإعلاميين في مصر بالتركيز على بث أفكار بعينها، مع تناغم ملحوظ في هذا الاتجاه بين الإعلام المصري وجانب من الإعلام العربي.

4- الدفع بشخصيات كرتونية للترشح أمام السيسي، وليست وظيفة هذه الشخصيات استكمال الديكور الديمقراطي الزائف فقط، ولكن أيضًا التشويش على العملية الانتخابية، وخلط الهزل بالجد؛ نشرا لروح الإحباط في صفوف الجماهير حتى تحجم عن المشاركة، ويتم إخراج نتيجة الفوز الكاسح في هدوء وبدون عراقيل، وتُذبَح الديمقراطية بدون مقاومة.

5- تشكيل اللجنة الوطنية للانتخابات بقرار جمهوري، وليس بناء على مداولات ومشاورات بين مختلف القوى السياسية المصرية التي يهمها أمر هذه اللجنة.

6- مطاردة المرشحين غير المرغوبين بصورة فردية حسب الفرص المتاحة عن طريق الهجوم والتشويه الإعلامي، ومطاردة مساعديهم، والتضييق على تحركاتهم، وتوظيف القضاء في إدانتهم بتهم تمنعهم من الترشح.

انسحابات واعتذارات
وقد أدت هذه الترسانة من العراقيل إلى سقوط بعض المرشحين قبل نقطة البداية، وفي مقدمتهم الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء المصري الأسبق الذي أُرغم على عقد صفقة مع النظام، يتنازل بموجبها عن رغبته في الترشح لرئاسيات 2018، مقابل عدم محاكمته بتهم الفساد ولا المساس بعائلته في الحال ولا بعد وفاته.

كما أعلن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية عدم ترشحه، بسبب الجو غير الصحي في مصر وغياب ضمانات النزاهة، وقال في تغريدة له على تويتر:

سامي عنان يبدو الطريق أمامه أكثر تمهيدا؛ إذ يمكن أن يكون مرشحا مفضلا عند كثير من رجال دولة مبارك بنفوذهم المعروف والمتغلغل في أوصال مصر، وفي هذه الحالة لن يعاني -على الإطلاق- في جمع ترشيحات المواطنين، إلا أن ضغوط النظام والتشويه الإعلامي لن تستثنيه، وكذلك التضييق الأمني واستغلال حالة الطوارئ في عرقلة أعماله الخاصة بالترشح

"إغلاق المجال العام على المستوى السياسي والإعلامي، ومحاصرة الأحزاب، وقمع المعارضين بالقضايا الملفقة، ووضعهم على قوائم الإرهاب، والتحفظ على أموالهم، واستمرار حالة الطوارئ؛ يعني إصرار نظام السيسي على عدم إجراء انتخابات تنافسية، وهي المصدر الوحيد للمشروعية، وبالتالي أعتذر لمن طالبوني بالترشح".

وكذلك أعلن حمدين صباحي -الذي خاض رئاسيات 2014 ضد السيسي- عدم ترشحه للدورة الحالية، وقد ذاق في المرة السابقة الطعم المر لانحياز الإعلام وصناديق الاقتراع والقائمين عليها وعلى فرز أصوات الناخبين إلى المرشح المنافس، واعتباره هو مجرد ديكور لا يمكنه الانسحاب ولا فرص أمامه للفوز، ولا يريد الرجل أن يذوق هذه المرارة مجددا، ويكفيه أن يقف من بعيد متهما النظام بذبح الديمقراطية!

وعلى أية حال، ما زال بعض المرشحين المحتملين مصرّين على إكمال الطريق إلى نهايته قدر استطاعتهم، وفي مقدمة هؤلاء: المحامي والحقوقي خالد علي، والفريق سامي عنان عضو المجلس العسكري المصري سابقا ورئيس حزب مصر العروبة الديمقراطي، والذي أعلن مساء أمس الجمعة ترشحه للسباق الرئاسي بعد ساعتين فقط من إعلان السيسي ترشحه رسميا.

ويتساوى المرشحان المحتملان (عنان وخالد علي) في صعوبة حصولهما على عشرين تزكية من أعضاء البرلمان؛ نظرا لأنه لا توجد أحزاب في البرلمان المصري تملك أكثر من عشرين مقعدا إلا "المصريين الأحرار" و"مستقبل وطن" و"الوفد"، وهي أحزاب مؤيدة للسيسي، وبقية الأحزاب الصغيرة تخشى بطشة الأمن.

ومن هنا يلزم كلا من خالد علي وسامي عنان البحث عن توكيلات المواطنين من مختلف محافظات الجمهورية، أما علي فهو يكافح بقوة لأجل تحقيق هذا الشرط، وثمة كثيرون من بقايا ثورة 25 يناير وبعض الأحزاب الصغيرة لديهم الاستعداد لمساندته نكاية في دولة السيسي.

إلا أن علي مهدد بالتضييق والمطاردة الأمنية له ولمؤيديه وبالتشويه الإعلامي، وأخطر من ذلك بالحكم القضائي في تهمة ارتكاب فعل علني فاضح، لو ثبتت عليه فهو الخروج القسري من السباق الانتخابي لا محالة.

وأما عنان، فيبدو الطريق أمامه أكثر تمهيدا؛ إذ يمكن أن يكون مرشحا مفضلا عند كثير من رجال دولة مبارك بنفوذهم المعروف والمتغلغل في أوصال مصر، وفي هذه الحالة لن يعاني -على الإطلاق- في جمع ترشيحات المواطنين، إلا أن ضغوط النظام والتشويه الإعلامي لن تستثنيه، وكذلك التضييق الأمني واستغلال حالة الطوارئ في عرقلة أعماله الخاصة بالترشح.

والمتوقع -بناءً على الأجواء المسيطرة على مصر الآن- أن تمر انتخابات الرئاسة المصرية 2018 فاترة مثل سابقتها، ويفوز فيها السيسي بما يشبه التزكية، إلا أن ينجح مرشح يمتلك فرصا تنافسية في اجتياز العقبات المفروضة، وفي هذه الحالة المستبعدة نسبيا قد نشهد معركة انتخابية حقيقية بين دولة السيسي وخصومها الكثيرين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.