إعادة ترشيح البشير.. سيناريو يتكرر

SudanÕs President Omar Hassan al-Bashir speaks during a press conference after the oath of the prime minister and first vice president Bakri Hassan Saleh at the palace in Khartoum, Sudan March 2, 2017. REUTERS/Mohamed Nureldin Abdallah

سيناريو متجدد
دعوات غريبة
ضغوط خارجية 

على بعد نحو عامين؛ ستُجرى انتخابات رئاسية في السودان لاختيار رئيس جديد بديلا عن الرئيس الحالي عمر البشير، وذلك حسب مقتضيات الدستور الساري حاليا الذي يمنع ترشّح الرئيس البشير لأكثر من ولايتين.

وقد أعلن البشير -غير مرة- عدم رغبته في الترشح لولاية أخرى، وهو الذي ظل رئيسا للبلاد منذ يونيو/حزيران 1989. ثم جدد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تعهداته السابقة بالتخلي عن الحكم مع نهاية دورته الرئاسية الحالية عام 2020، ووعد بتسليم السودان إلى خليفته خالياً من الحروب.

سيناريو متجدد
إن ذات السيناريو الذي سبق الانتخابات الرئاسية الأخيرة في أبريل/نيسان 2015 يتكرر اليوم بكل تفاصيله؛ فقد سبقت تلك الانتخابات تأكيدات من البشير بعدم ترشحه وزهده في الرئاسة، بيد أنه تم لاحقا تجاوز هذا التأكيد.

وبدأت تصدر تصريحات من قيادات في المؤتمر الوطني الحزب الحاكم -الذي يرأسه البشير نفسه- تقول إن ترشيح البشير قرار مؤسسات الحزب وليس قرار البشير، تمهيدا لتجاوز ذلك التأكيد.

ثم توالت -بشكل ممنهج- دعوات تحت لافتات شعبية وحزبية وجهوية وقبلية، تنتهز المناسبات المختلفة لتعلن تأييدها لترشيح البشير، وتبارت النُّخَب المختلفة في تأكيد دقة الظرف الحالي الذي تمر به البلاد، وأن البشير هو الشخص الوحيد القادر على قيادتها في هذ الظرف الدقيق.

تفيض الصحف وأجهزة الإعلام هذه الأيام بأخبار تأييد -من مختلف قطاعات المجتمع السوداني- لإعادة ترشيح البشير، وسيبلغ السيناريو مبلغه حين يُعلَن أن البشير وافق على الترشح نزولا عند رغبة الشارع السوداني، كما قبل انتخابات 2015 بأشهر حين قال إنه أذعن لقرار مؤسسات حزبه، بعد أن أعلن مراراً أنه لا يعتزم الترشح

وتفيض الصحف وأجهزة الإعلام هذه الأيام بأخبار تأييد -من مختلف قطاعات المجتمع السوداني- لإعادة ترشيح البشير، وسيبلغ السيناريو مبلغه حين يُعلَن أن البشير وافق على الترشح نزولا عند رغبة الشارع السوداني، كما قبل انتخابات 2015 بأشهر حين قال إنه أذعن لقرار مؤسسات حزبه، بعد أن أعلن مراراً أنه لا يعتزم الترشح.

لن يكون الوضع في السودان مختلفا عن الأوضاع في العالم الثالث الذي تشكل الدول العربية جزءا كبيرا منه. ويذكر السودانيون أنه في ستينات القرن العشرين عُدّل الدستور من أجل شاب كان عمره ثلاثين سنة ليكون رئيسا للوزراء، وهو الصادق المهدي زعيم حزب الأمة، وكان الدستور المعدَّل يشترط ألا يكون عمر رئيس الوزراء أقل من أربعين سنة.

وفي عهد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد غنت ديانا حداد "نعم إلى الأبد إلى الأبد يا حافظ الأسد"، وحين مات عام 2000 عُدِّل الدستور السوري ليتمكن ابنه بشار الأسد من خلافته في الحكم، لأن عمره آنذاك كان أقل مما يسمح به الدستور.

وفي مصر لا يبدي الرئيس عبد الفتاح السيسي أي رغبة في إجراء الانتخابات الرئاسية المستحقة في 2018. وهو يحاول إما تأجيلها عبر تعديل دستوري لمدّ فترة الرئاسة من أربع سنوات إلى ست، أو بالضغط على المرشَّحين المحتمَلين ممن يستطيعون منافسته، خاصة الذين لديهم امتدادات عسكرية تقلقه مثل أحمد شفيق.

إن سيناريو إعادة ترشيح البشير يبرز اليوم في عناوين عدة تتصدر المشهد السياسي في السودان؛ فهذا وزير الإعلام يقول: سنعدل الدستور لنرشح البشير، وسنمرر تعديلاً يتوافق مع رغبتنا في ترشيح البشير، فالدستور ليس قرآنا منزلا.

ووزير الخارجية السوداني يقول: حزب المؤتمر الوطني يتجه لترشيح البشير. ويعلن رئيس حزب موالٍ: سنرشح البشير لأنه صمام الأمان. والمدير التنفيذي لـ"سوداتل" شبه الحكومية يؤكد في مهرجان ثقافي مطالبته بترشيح البشير مجددا، بل ويعلن دعم مواطني الولاية التي تستضيف المهرجان وكل الشعب للبشير.

كما أعلن وفد من زعماء ومشايخ الطرق الصوفية -بعد لقائه البشير- ترشيحه له لمنصب الرئاسة في انتخابات 2020، نظرا لحاجة البلاد إليه.

دعوات غريبة
وفي هذا السياق والسباق المحموم؛ تولى عضو برلماني وقيادي في حزب الأمة المتحد -الموالي لحزب المؤتمر الوطني- إطلاق دعوة فجة لانتخاب البشير رئيساً مدى الحياة و"لدورة أبدية"، مطالباً بتغيير نظام الحكم إلى "نظام ملكي" لتنصيب البشير ملكاً للسودان.

ولعل الأمر الأكثر إدهاشا هو الزَّجُّ بطلاب مدارس الأساس في المناداة بترشيح البشير لفترة رئاسية قادمة، وذلك إبان انعقاد الدورة المدرسية القومية التي حضر ختامها البشير بإحدى ولايات السودان خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث صدح التلاميذ بأنشودة تضمنت عبارات مثل "أيدناك لولاية جديدة".

وبالتأكيد؛ فإن تلاميذ هذه المرحلة لا يمارسون السياسة، ولا يحق لهم الاقتراع والانتخاب لعدم بلوغهم السن القانونية. الأمر الذي يدخل في إطار الممارسة السياسية غير الرشيدة وربما المتهافتة.

من داخل المؤتمر الوطني نفسه؛ يجرؤ البعض على الوقوف ضد فكرة إعادة ترشيح البشير، فيما يفضل آخرون الصمت المطبق. فالقيادي المعروف بالمؤتمر الوطني أمين حسن عمر كرر عدم تأييده للفكرة، وكانت معارضته الأولى لها في انتخابات 2015. وقال عمر -في تصريحات صحفية- إن دستور الحزب ودستور الدولة لا يسمحان بإعادة ترشيح الرئيس

ومع هذه الحملات المحمومة الهادفة لإعادة ترشيح البشير لولاية أخرى، فإن الملعب السياسي لا يبدو بدون ضغوط داخلية وأخرى خارجية تتفاعل باستمرار في مواجهة هذا الأمر.

فعلى المستوى الداخلي؛ عبّر علي الحاج محمد الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي -الذي أسسه الراحل حسن الترابي بعد مفاصلته مع حزب البشير في 1999- عن امتعاضه من دعوة البعض لترشيح البشير، وقال إن مثل هذه الخطوات ستعيدنا إلى مربع ما قبل الحوار الوطن الذي شارك بموجبه حزبه في الحكومة الحالية.

ومن جانبه؛ حذّر الأمين السياسي للحزب نفسه من أي تراجع عن مخرجات الحوار الوطني، قائلاً: "لا نقبل أي حديث خلاف هذا، ولا مساس بالدستور إلا عن طريق ما اتُّفق عليه في الحوار".

ويُعتبر حزب المؤتمر الشعبي أشرس أحزاب معارضة الداخل في فترة ما قبل مؤتمر الحوار الوطني، فقد أبدى الحزب الحاكم حرصا كبيرا على اصطحابه في الحوار وتوّج ذلك بمشاركته في الحكومة.

ومن داخل المؤتمر الوطني نفسه؛ يجرؤ البعض على الوقوف ضد فكرة إعادة ترشيح البشير، فيما يفضل آخرون الصمت المطبق. فالقيادي المعروف بالمؤتمر الوطني أمين حسن عمر كرر عدم تأييده للفكرة، وكانت معارضته الأولى لها في انتخابات 2015.

وقال عمر -في تصريحات صحفية- إن دستور الحزب ودستور الدولة لا يسمحان بإعادة ترشيح الرئيس، واستبعد موافقة البشير على تعديل الدستور. وأضاف -محاولا تلطيف رأيه الذي يبدو جريئا جدا- أن البشير لن يُذعن لتلك الدعوات، لأنه يعكف على تمتين الوحدة الوطنية وبناء الحزب وقيادته الجديدة.

كذلك مارست حركات مسلحة متمردة (مثل الحركة الشعبية) ضغوطا ضد إعادة ترشيح البشير، وقايضت تركها السلاح ومشاركتها في الانتخابات بعدم تعديل الدستور، مما يعني وقوفها ضد إعادة الترشيح الذي يتطلب تعديل الدستور بالضرورة.

أما فيما يتعلق بالضغوظ الخارجية؛ فهناك قناعة لدى البعض بأن أميركا تقف بطريقة مباشرة وغير مباشرة ضد إعادة ترشيح البشير، ويستند أولئك إلى عدة معطيات.

ضغوط خارجية
ورغم أن البعض يجزم بأن عرض الحركة الشعبية ليس أكثر من محاولة لإرباك الساحة السياسية الداخلية، وإشغالها بمسائل تعديل الدستور وإطلاق الحريات؛ فإن هناك من يقول إن هذا العرض جاء بإيعاز من واشنطن لزيادة الضغوط على البشير في إطار رفضها لإعادة ترشيحه.   

وتذهب التحليلات السياسية بعيدا في شأن الضغوظ الأميركية، حين تربط بين هذه الضغوط والشروط القاسية التي وضعتها واشنطن لاستكمال ما اُتفق عليه فيما يتعلق برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعد رفعها للعقوبات الاقتصادية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

يقول البعض إن الدستور يمكن تعديله لأنه ليس وحيا أنزله الله، ينسون أن هناك قَسَماً وتعهداً من الرئيس بحماية الدستور وصونه. هذا فضلا عن أن تعديل الدستور يحتاج إلى موافقة "قوى الحوار الوطني" التي تشارك في "حكومة الوفاق" ومن بينها حزب المؤتمر الشعبي

ويرى البعض أن هذا الأمر هو ما دعا البشير إلى الاتجاه لموسكو التي زارها نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث طلب من رئيسها فلاديمير بوتين الحماية مما وصفه بالاعتداءات الأميركية، وفي ذهنه وقوف موسكو الصلب وراء الرئيس السوري الأسد.

كما أنه نُظر إلى تهديد المحكمة الجنائية الدولية للأردن بأنها ستحيل ملفه إلى مجلس الأمن الدولي، لعدم تعاونه فيما يتعلق بتنفيذ أمرها باعتقال البشير عندما زار عمان في مارس/آذار الماضي لحضور القمة العربية الأخيرة؛ باعتباره ضغطا على البشير ومحاولة لتحديد تحركاته الخارجية.

يبدو أن تعديل الدستور -وهو العقبة الكأداء أمام إعادة ترشيح البشير- يأتي في ظل توتر داخل المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم)، الذي يعاني من صراع داخلي خفي بشأن السلطة.

كما أن الحركة الإسلامية ممتعضة من التهميش الحكومي لها، ومتوترة من إمكانية حلها بقرار رئاسي. وحتى القوات النظامية غير راضية عن الفشل في إدارة الاقتصاد وكبح جماح الفساد، وتمكن الفقر والجوع من قطاع عريض من الشعب.

يقول البعض إن الدستور يمكن تعديله لأنه ليس وحيا أنزله الله، ينسون أن هناك قَسَماً وتعهداً من الرئيس بحماية الدستور وصونه. هذا فضلا عن أن تعديل الدستور يحتاج إلى موافقة "قوى الحوار الوطني" التي تشارك في "حكومة الوفاق" ومن بينها حزب المؤتمر الشعبي؛ فقد نصت مخرجات الحوار على إعداد دستور دائم للسودان تجيزه هيئة برلمانية منتخبة في 2020.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.