ترمب والعام الجديد

U.S. President Donald Trump sits at his desk as reporters exit after he signed sweeping tax overhaul legislation into law in the Oval Office at the White House in Washington, U.S. December 22, 2017. REUTERS/Jonathan Ernst

عندما شد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الرحال فجأة إلى قصره وناديه الخاص في بالم بيتش بولاية فلورديا لقضاء عطلة الأعياد؛ تَرَك واشنطن العاصمة على الحافة.

ومن الواضح أن ترمب وحلفاءه الأقوياء في الكونغرس (لديه أكثر من حليف على ما أعتقد) عازمون على نسف ما يُفترض أنه تحقيق قانوني مستقل حول ما إن كان ترمب وأعضاء حملته الانتخابية تواطؤوا مع روسيا في جهودها الرامية إلى هزيمة هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية عام 2016.

الواقع أن سلوك معسكر ترمب في التعامل مع المستشار الخاص روبرت مولر، ومع مكتب التحقيقات الفدرالي الذي يساعد مولر في إدارة التحقيق؛ يجعل -بالمقارنة معه- سلوكَ الرئيس ريتشارد نيكسون ومعاونيه في التعامل مع المحققين في قضية ووترغيت يبدو مروَّضا ومحترَما.

ورغم أن نيكسون أقال أول مدع عام مستقل -وهو أرشيبالد كوكس- في "مذبحة ليلة السبت" الشائنة، فقد جرى تنصيب مدع عام آخر؛ وفي نهاية المطاف استقال نيكسون خوفا من مواجهة الاتهام أمام مجلس النواب والإدانة أمام مجلس الشيوخ (في تلك الحالة، اضطر نيكسون إلى ترك المنصب دون المعاش التقاعدي السخي).

ومن العجيب أن ترمب ومستشاريه لم يتعلموا من تاريخ أقرب إلى الزمن الحاضر أيضا؛ ففي إقالة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي، عَرَّض ترمب نفسه لتعيين نائب عام خاص. ولا أحد يستطيع أن يجزم الآن بما إن كان الأمر قد ينتهي إلى محاولة توجيه الاتهام لترمب.

من الواضح أن ترمب يخشى أن يجد مولر الأساس لتوجيه الاتهام إليه رسميا. ويتلخص احتمال قوي في توجيه الاتهام إلى الرئيس بعرقلة العدالة، وهي إساءة وجريمة تستوجب العزل. ويتطلب الاتهام الجنائي بعرقلة العدالة إثبات النية لصدور الإدانة، ولكن جهود ترمب المتوالية للتأثير على التحقيق أو وقفه تفيد بأنه يخشى أن يكون عُرضة للخطر

لكن أغلب المراقبين يعتقدون أن عددا من كبار الجمهوريين في مجلس النواب -حيث قد تبدأ عملية توجيه الاتهام والعزل- يتعاطفون مع ترمب، وهو ما يرجع في الأساس إلى خوفهم من القاعدة الانتخابية الموالية له (التي تشمل نحو ثلث البلاد، وتتجمع في العديد من دوائر الكونغرس).

وقد يتغير هذا إذا استولى الديمقراطيون على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي خلال نوفمبر/تشرين الثاني القادم. ولكن حتى وإن فاز الديمقراطيون بمجلسيْ الكونغرس، فإنهم لن يتمكنوا -على الأرجح- من حشد أغلبية الثلثين اللازمة لإدانة ترمب في مجلس الشيوخ.

من الواضح أن ترمب يخشى أن يجد مولر الأساس لتوجيه الاتهام إليه رسميا. ويتلخص احتمال قوي في توجيه الاتهام إلى الرئيس بعرقلة العدالة، وهي إساءة وجريمة تستوجب العزل. ويتطلب الاتهام الجنائي بعرقلة العدالة إثبات النية لصدور الإدانة، ولكن جهود ترمب المتوالية للتأثير على التحقيق أو وقفه تفيد بأنه يخشى أن يكون عُرضة للخطر.

والواقع أن مجرد التساؤل عن إمكانية توجيه الاتهام إلى رئيس أمر مزعج في حد ذاته؛ ولكن إذا رأى مولر أن الرئيس لا ينبغي توجيه الاتهام إليه، فإنه قد يسلم اتهاماته إلى مجلس النواب الذي سيقرر حينها ما إن كان عليه أن يواصل عملية توجيه الاتهام والعزل.

ويبدو أن ترمب عازم على تفادي كل من النتيجتين، فمن الواضح أنه يخشى الفشل. ولكن ليس الأمر لأنه قد يكون في ورطة قانونية فحسب، فقد أدار مولر تحقيقا منضبطا ومحكما بلا تسريبات؛ ولكن من المتوقع -على نطاق واسع- أن يُوجّه الاتهام إلى جاريد كوشنر زوج ابنة ترمب.

وربما يفسر هذا لماذا يذهب ترمب إلى ما لم يجرؤ نيكسون على الذهاب إليه قَط، وهو محاولته تشويه سمعة مولر ومكتب التحقيقات الفدرالي. وحتى الآن، كان كل منهما يتمتع باحترام الحزبين.

ولكن ترمب شعر بالإحباط من التحذيرات التي تلقاها من أن إقالة مولر من شأنها أن تطلق العنان لعاصفة سياسية، لأن نائب المدعي العام رود روزنشتاين لا بد أن يتخذ القرار بشأن إقالة مولر؛ ولأنه قال إنه لا يرى سببا للقيام بذلك، فسيكون لزاما على ترمب أن يقيل روزنشتاين أولاً، وهو ما قد يبدو شبيها إلى حد كبير بمذبحة ليلة السبت، التي كانت بمثابة نقطة التحول في رئاسة نيكسون.

وعلى هذا، فمن خلال إثارة التساؤلات بشأن نزاهة مولر ومكتب التحقيقات الفدرالي، يحاول ترمب وحلفاؤه تمهيد الساحة لرفض جماهيري واسع النطاق لتقرير مولر أياً كانت نتائجه.

لقد كان المشهد مفزعا؛ فقد أدان ترمب مكتب التحقيقات الفدرالي في مشاركاته على موقع تويتر وفي تصريحات أخرى. وأخضع حلفاؤه من جناح اليمين في مجلس النواب (الأكثر تحزبا حتى من مجلس الشيوخ) مدير مكتب التحقيقات الفدرالي الجديد كريستوفر راي لاستجواب عدائي في جلسات استماع متعددة.

كما استجوبوا -بكل عنف- نائب المدير أندرو مكابي -الذي كان قريبا من كومي ويمكنه تأكيد مزاعمه بشأن محاولة ترمب إقناعه بالإبقاء على التحقيق محدودا وعدم توسيع نطاقه- لمدة ثماني وتسع ساعات في كل مرة.

كان إرهاب كبار المسؤولين في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفدرالي من قِبل لجان مجلس النواب غير مسبوق، منذ حملات مطاردة وقمع المعارضين المناهضة للشيوعية في خمسينيات القرن العشرين. وتسعى هذه الإستراتيجية إلى إقالة المسؤولين المزعجين بمكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة العدل أو إرغامهم على الاستقالة.

ومن المؤسف أنها صادفت بعض النجاح؛ فمن المقرر أن يتقاعد مكابي خلال العام الحالي (2018)، وقد أظهر استطلاع حديث للرأي انخفاضا كبيرا في مستوى الدعم الشعبي لتحقيق مولر على مدار الأشهر الستة المنصرمة.

من المعروف عن ترمب تقلبه واندفاعه، ولكن كبار مستشاريه نجحوا -حتى الآن- في تقييده، مع أنهم يسعون جاهدين لتجنب اتخاذ إجراءات أو إبلاغه بأمور ربما تزعجه. ومؤخرا كشفت صحيفة واشنطن بوست أن المسؤولين عن إبلاغه بالمعلومات الاستخباراتية يتجنبون الحديث عن روسيا

وهذا ما جعل العاصمة على الحافة؛ فلا أحد يستطيع أن يجزم بأن ترمب لن يتخذ إجراءات درامية -سواء فيما يتصل بالشؤون الدولية أو التحقيق في مسألة روسيا- خلال إقامته في بالم بيتش.

وفي حين يواصل ترمب الخضوع لكلمات الإطراء من قِبَل فلاديمير بوتين (صَرَّح مسؤول الاستخبارات الأميركية المتقاعد جيمس كلابر مؤخرا بأن عميل الاستخبارات السوفياتية السابق بوتين شديد البراعة في التعامل مع ترمب)، تتدهور العلاقات الأميركية مع روسيا.

ويتخذ كل من الجانبين خطوات تُفضي إلى تعميق التوترات الثنائية؛ فقد كانت الغواصات الروسية تتهادى بالقرب من كابلات الاتصالات الغربية الحيوية عند قاع المحيط الأطلسي، الأمر الذي ينطوي ضمنا على خطر إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الأميركي والأوروبي وأسلوب الحياة في الغرب.

وفي الرد على ذلك، تخطط منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لإنشاء مركز قيادة جديد لمراقبة مثل هذه الأنشطة. كما كانت الطائرات العسكرية الروسية تحلق قريبا من طائرات هذا الحلف.

وعلاوة على ذلك، أعلنت إدارة ترمب مؤخرا أنها ستسمح ببيع أسلحة دفاعية فتاكة لأوكرانيا للتصدي للعدوان الروسي هناك، وهو التحرك الذي تزعم روسيا أنه لن يجلب إلا المزيد من العنف. ثم هناك كوريا الشمالية التي بات من المحتمل للغاية الدخول في حرب معها، وفقا لبعض المسؤولين العسكريين المتقاعدين.

من المعروف عن ترمب تقلبه واندفاعه، ولكن كبار مستشاريه نجحوا -حتى الآن- في تقييده، مع أنهم يسعون جاهدين لتجنب اتخاذ إجراءات أو إبلاغه بأمور ربما تزعجه. ومؤخرا كشفت صحيفة واشنطن بوست أن المسؤولين عن إبلاغه بالمعلومات الاستخباراتية يتجنبون الحديث عن روسيا.

ولكن من المفهوم أن تكون الكوكبة المحيطة بالرئيس ترمب من مسؤولي السياسة الخارجية والاستخبارات على وشك أن تتغير. فمن المتوقع على نطاق واسع أن يحلّ شخصٌ أكثر تشددا محلّ وزير الخارجية ريكس تيلرسون في أوائل هذا العام.

وقد بدأ الخروج الجماعي لموظفي البيت الأبيض إما بسبب عدم رضاهم أو لاستياء ترمب منهم. وحتى إن مرت عطلة الأعياد بسلام نسبي؛ فمن الواضح أن عام 2018 سيكون عاما صاخبا وعاصفا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.