طريق بريطانيا نحو الخراب

LONDON, ENGLAND - FEBRUARY 20: Protesters and migrant workers wave flags as they demonstrate outside Parliament on February 20, 2017 in London, England. A day of action in support of migrant workers and EU citizens is held today to highlight their contribution to the UK economy and to call on the government to guarantee their right to remain in the UK after brexit. Peers in the House of Lords are to begin debating the brexit bill which will pave the way for the UK to le

لا يوجد "بريكست" بريطاني كامل على الطاولة؛ فقبل الخروج من الاتحاد الأوروبي بشكل كامل، ترغب الحكومة البريطانية الآن في "فترة انتقالية" تحتفظ خلالها بالحقوق التجارية لعضوية الاتحاد الأوروبي، مع بقاء مساهمتها في ميزانية الاتحاد الأوروبي، والتقيد بأنظمة الاتحاد الأوروبي وأحكامه القانونية، والسماح بحرية حركة الأفراد.

إن هذه الفترة ستستغرق عامين على الأقل بعد مارس/آذار 2019 (الموعد النهائي الرسمي لعملية الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي)، مما يعني أنه ستبقى بريطانيا -حتى عام 2021- دولةً عضوةً في الاتحاد الأوروبي، ولكن بدون أية حقوق تصويت.

وفي الوقت نفسه؛ فإن حكومة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي -التي وعدت بالاحتفاظ بعلاقات "عميقة وخاصة" مع أوروبا- ستحاول التفاوض على "ترتيبات قائمة على أساس معاهدة جديدة" مع الاتحاد الأوروبي، ولكن بريطانيا لديها أمل ضئيل للغاية في التوصل إلى معاهدة جديدة خلال هذا الوقت القصير.

وفي واقع الأمر؛ فإن بريطانيا ستتجه -بحلول عام 2021- إلى حافة الهاوية، أي انفصال كامل عن أوروبا بدون وجود ترتيبات بديلة للتخفيف من وقع الصدمة. ومن الناحية السياسية؛ فإن مثل ذلك التوقيت ينطوي على مخاطر أكبر لحكومة ماي مقارنة بما تواجهه اليوم، علما بأن الانتخابات العامة القادمة يجب أن تجرى بحلول يونيو/حزيران 2022.

حكومة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي -التي وعدت بالاحتفاظ بعلاقات "عميقة وخاصة" مع أوروبا- ستحاول التفاوض على "ترتيبات قائمة على أساس معاهدة جديدة" مع الاتحاد الأوروبي، ولكن بريطانيا لديها أمل ضئيل للغاية في التوصل إلى معاهدة جديدة خلال هذا الوقت القصير. وفي واقع الأمر؛ فإن بريطانيا ستتجه -بحلول عام 2021- إلى حافة الهاوية

وعليه؛ فإن من الممكن أن تحاول المملكة المتحدة تمديد الفترة الانتقالية إلى ما بعد سنة 2022. وكما تعلمنا التجارب السابقة، فإنه عندما يتم منح التمديد فإن مثل ذلك التمديد قد لا ينتهي على الإطلاق.

يبدو أن المملكة المتحدة تقترب من السيناريو الذي قمت بوضعه قبل ثلاثة أشهر. إن القرار الكارثي لماي بإجراء انتخابات مبكرة في يونيو/حزيران سمح لخصومها بالمطالبة بأن تقوم المملكة المتحدة بالتفاوض على ترتيبات انتقالية، تشبه تلك التي حصلت عليها النرويج بوصفها عضوة في المنطقة الاقتصادية الأوروبية.

لقد تم إنشاء المنطقة الاقتصادية الأوروبية أصلا عام 1994 كإطار مؤقت لبلدان عديدة تستعد للانضمام للاتحاد الأوروبي، ولكن نظرا إلى أن الناخبين النرويجيين رفضوا الاستفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي بعد ذلك بأحد عشر شهرا؛ فقد استمرت بلادهم عضوا في المنطقة الاقتصادية الأوروبية 24 عاما.

لا أحد يستطيع توقع ماذا سيحصل خلال فترة 24 عاما، ولكن الأخبار الطيبة بالنسبة لبريطانيا هي أن الاتحاد الأوروبي قد بدأ فعلا التحرك ببطء نحو تركيبة تتكون من مسارين.

تحتاج منطقة اليورو لكي تزدهر إلى اتحاد سياسي، مما يعني أن البلدان التي لا تتبنى اليورو (مثل الدانمارك وبولندا والسويد) ستشكل حلقة خارجية من التعاون الاقتصادي خارج منطقة اليورو، حيث ستحصل تلك البلدان على عضوية السوق الموحدة ولكن ليس ضمن الاتحاد النقدي أو السياسي.

إن نموذج أوروبا من مسارين سيكون مختلفا تماما عن النموذج المطبق في أوروبا اليوم والذي يتكون من "سرعتين"؛ ففي النموذج الثاني نجد أن كل بلد يتجه نظريا نحو "اتحاد أوثق" وإن كان ذلك بمعدلات مختلفة. ولكن على نقيض ذلك؛ نجد في نموذج المسارين أن بإمكان بريطانيا وبارتياح الانضمام مجددا إلى المسار الخارجي بجانب النرويج وربما سويسرا.

والآن لِنَرَ الأخبار السيئة؛ إن من الممكن ألا تحظى اتفاقية انتقالية للمملكة المتحدة بقبول كل من حكومات الاتحاد الأوروبي والناخبين البريطانيين. إن الفدراليين الملتزمين ضمن الاتحاد يريدون خروج بريطانيا منه بأسرع وقت ممكن، لأن بريطانيا كانت توفر الغطاء فترة طويلة لدول -مثل الدانمارك وبولندا والسويد- من أجل مقاومة المزيد من الاندماج.

إن المتحمسين الفدراليين يكرهون فكرة أوروبا من مسارين؛ فهم يريدون إجبار جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على تبني اليورو خلال العقد القادم، وأن ينضموا -بشكل دائم- إلى اتحاد سياسي ونقدي واسع النطاق، حيث يعتقدون -وهم محقون في ذلك- أن تحقيق ذلك الهدف سيكون أسهل بخروج بريطانيا من المشهد.

لكن الفترة الانتقالية لا تعتبر الدواء الشافي لبريطانيا، وكذلك فإن بريطانيا بدأت فعلا تشعر بالتكلفة الاقتصادية لـ"بريكست" مع بدء الشركات العالمية -التي كانت في السابق تستخدم بريطانيا مركزا إقليميا لعملياتها الأوروبية- في نقل بعض من نشاطاتها.

وبينما تحاول حكومة المملكة المتحدة التمسك بالخيال المتمثل في فترة انتقالية محددة بشكل صارم؛ فإن هذه العملية ستتسارع بشكل أكبر. وبالإضافة إلى ذلك؛ فإن الاتحاد الأوروبي سيستخدم الفترة الانتقالية لتغيير قوانينه التنظيمية، وذلك حتى يجب على الشركات -التي توظف العمالة وتحقق إيرادات ضريبية عالية- أن تنتقل إلى إحدى مناطق الاتحاد الأوروبي.

فعلى سبيل المثال؛ بدأت الهيئة المصرفية الأوروبية ووكالة الأدوية الأوروبية فعلا عملية الانتقال من لندن، مما يعني أن الوظائف القانونية والإدارية، وتلك المتعلقة بالحث والضغط والمرتبطة بنشاطات عالية التنظيم (مثل الأمور المالية والأبحاث المتعلقة بالأدوية)؛ ستحتاج للانتقال كذلك.

وهكذا؛ فإن الفترة الانتقالية ستؤثر سلبا على الشركات العالمية التي يوجد مقرها في بريطانيا من خلال ضربة ازدواجية تنظيمية، إذ ستخضع تلك الشركات لنزوات بيروقراطيات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في الوقت نفسه.

إذا أرادت بريطانيا مستقبلا الانضمام مجددا للاتحاد الأوروبي فستضطر للقبول ببنود أقل جاذبية من التي تتمتع بها اليوم؛ فهي لن تعود قادرة على استلام خصومات الميزانية أو الحصول على معاملة خاصة فيما يتعلق بالأنظمة والقوانين الاجتماعية؛ بل وربما يتم إجبارها كذلك على الانضمام لليورو. وحتى نسبة 48% من الناخبين البريطانيين الذين صوتوا للبقاء في الاتحاد الأوروبي يمكن أن يرفضوا هذه البنود المذلة

ومما يجعل الأمور أسوأ أن الوعد بفترة انتقالية طويلة يمكن أن يؤخر التحول في الرأي العام، وهو التحول اللازم من أجل وقف "بريكست" قبل فوات الأوان؛ فبعد 28 مارس/آذار 2019 ستكون المملكة المتحدة رسميا خارج الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ النمو الاقتصادي فيه يتجاوز النمو الاقتصادي البريطاني.

وإذا أرادت بريطانيا مستقبلا الانضمام مجددا للاتحاد الأوروبي فستضطر للقبول ببنود أقل جاذبية من التي تتمتع بها اليوم؛ فهي لن تعود قادرة على استلام خصومات الميزانية أو الحصول على معاملة خاصة فيما يتعلق بالأنظمة والقوانين الاجتماعية؛ بل وربما يتم إجبارها كذلك على الانضمام لليورو. وحتى نسبة 48% من الناخبين البريطانيين الذين صوتوا للبقاء في الاتحاد الأوروبي يمكن أن يرفضوا هذه البنود المذلة، مما يعني أن الوضع البريطاني سيكون معلقا.

وهذا يشبه وضع النرويج ولكن بدون الثروة النفطية أو التماسك الاجتماعي، وكما أشار الناطق التجاري لحزب العمال بذكاء؛ فإن فترة انتقالية شبه دائمة مبنية على أساس "نموذج النرويج" ستحوّل بريطانيا إلى "دولة تابعة".

فطبقا لهذا النموذج ستستمر بريطانيا في دفع مبالغ طائلة لميزانية الاتحاد الأوروبي والتقيد بقوانين الاتحاد الأوروبي، ولكن لن يكون لها أي رأي في كيفية صرف تلك النقود وكيفية عمل تلك القوانين.

ربما سيبدأ الشعب البريطاني -خلال الأشهر القادمة- في توقع هذه النهاية المذلة، علما بأن النموذج النرويجي لن يرضي كبار السن في الريف البريطاني المتخوفين من أوروبا، ولا الناخبين الشباب في المناطق الحضرية الذين يريدون الاحتفاظ بحقوق مواطنة الاتحاد الأوروبي، والتي كانت طيلة فترة حياتهم أمرا مفروغا منه.

ومع ترسخ تلك التوقعات الكئيبة؛ فإن من الممكن أن يغير الناخبون البريطانيون رأيهم فيما يتعلق بالبريكست قبل أن يمضي قادتهم قدما في هذا الطريق. ولكن حتى يحصل مثل هذا التحول الجوهري، يتوجب على البلاد أن تعيش أزمة سياسية أو اقتصادية كبيرة لدرجة تخرج الرأي العام من حالة الثقة الزائدة بالنفس.

يقوم البريطانيون حاليا بمحاكاة الشعار الوطني المحبوب "حافظ على هدوء أعصابك واستمر"، ولكن قبل أن تتحسن الأمور بالنسبة لبريطانيا، فإنه من المحتمل أنها ستسوء كثيرا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.