التعاون الدفاعي بين العراق وإيران.. هل من جديد؟

epa06039369 A handout photo made available by the Iranian supreme leader official website shows, Iranian supreme leader Ayatollah Ali Khamenei (R) talks to Iraqi Prime minister Haidar al-Abadi (L-3), as Iranian vice president Eshagh Jahangiri (C), and former Iraqi prime minister Ibrahim al-Jafari (L) look on, in Tehran, Iran, 20 June 2017. EPA/IRANIAN SUPREME LEADER OFFICIAL HANDOUT HANDOUT EDITORIAL USE ONLY/NO SALES

الاتفاقية في الميزان
حول ردود الفعل 

وقّعت وزارتا الدفاع في كل من العراق وإيران اتفاق تعاون دفاعي وعسكري يوم 23 يوليو/تموز ٢٠١٧، وذلك في سياق زيارة وزير الدفاع العراقي عرفان الحيالي لطهران.

الاتفاقية تتحدث -وفق المعلومات التي أوردتها وسائل الإعلام الإيرانية والعراقية- عن تعزيز التعاون الدفاعي والعسكري لمحاربة الإرهاب، مع التركيز على مسائل أمن الحدود المشتركة وتبادل التجارب العسكرية والتدريبية، إضافة إلى تقديم إيران دعماً إستراتيجياً ومعلوماتياً وتقنياً للعراق. وقد أكد الطرفان أهمية الاتفاقية في تشكيل إطار للتعاون العسكري والأمني المستقبلي بين بلديهما.

الاتفاقية في الميزان
يسود اعتقاد بأن عمق حضور إيران وتدخلها في المؤسسات المهمة العراقية وصل إلى حد قد لا تحتاج معه إيران إلى أي مذكرات او اتفاقيات، فهي تبدو الآمر الناهي في معظم تفاصيل الوضع الأمني والعسكري، سواء بطريقة مباشرة أو عبر مليشيا الحشد الشعبي التي تستمد تجربتها من قوات التعبئة (الباسيج) والحرس الثوري الإيرانييْن.

يسود اعتقاد بأن عمق حضور إيران وتدخلها في المؤسسات المهمة العراقية وصل إلى حد قد لا تحتاج معه إيران إلى أي مذكرات او اتفاقيات، فهي تبدو الآمر الناهي في معظم تفاصيل الوضع الأمني والعسكري، سواء بطريقة مباشرة أو عبر مليشيا الحشد الشعبي التي تستمد تجربتها من النموذج العسكري الإيراني

بالطبع يدعم هذا التصور حضور المئات -إن لم يكن الآلاف- من المستشارين العسكريين الإيرانيين المنتمين لفيلق القدس بقيادة قاسم سليماني في معظم الجبهات التي تحارب فيها القوات العرقية وميليشيا الحشد الشعبي، والتي تستمد شرعية وجودها من فتوى رجل الدين آية الله السيستاني.

في هذا السياق؛ يجب التذكير بأن الفراغ الأمني الذي أحدثه انسحاب القوات الأميركية عام ٢٠٠٩ وفّر فرصة ذهبية لطهران لكي تعزز دورها العسكري في العراق، تحت مبرر مساعدته في ترتيب قدراته العسكرية للحفاظ على أمن الدولة.

ربما تبدو الصورة على هذا النحو في اللحظة التي تُكتب فيها هذه المقالة؛ لكن المستقبل وترتيباته يحتاج إلى نوع مختلف من العمل والاستعدادات، عمل تركز فيه إيران على عناصر داخل العراق لتأمين مصالحها، دون الحاجة إلى الحضور المكلف لها مالياً وسياسياً بالنسبة.

لقد صاغت الحكومة الإيرانية رواية خاصة لعلاقاتها مع العراق منذ سقوط مدينة الموصل، وهذه الرواية جاءت امتدادا لنفس روايتها بشأن ما يحصل في سوريا.

تقول الرواية الإيرانية إن حضور طهران في العراق أصبح "ضرورة إقليمية ضمن جهود محاربة الإرهاب التكفيري الوهابي الذي يتوسع في العراق وسوريا". وبعبارة أخرى؛ تركز هذه الرواية على أن الحضور الإيراني يحظى ببعض الشرعية لدى بعض القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدية الأميركية وروسيا.

وفي هذا السياق وضمن دعم هذه الرواية الإيرانية؛ كان تأسيس مليشيا الحشد الشعبي التي أدخِلت ضمن هيكلة وزارة الدفاع العراقية، وأصبح المنتسبون إليها يتقاضون مرتباتهم كبقية المنتسبين إلى الجيش. وكانت هذه الخطوة انتصاراً إضافياً ومبكّراً لإيران.

ذلك أنه بمثل هذا القرار يتعزز مبدأ فصل المؤسسة العسكرية إلى قوات مسلحة رسمية ومحترفة، لديها عقيدة عسكرية تتعلق بوطنها العراق، وفي الغالب تحظى بمساعدة أميركية وتدريب، وأخرى هي مليشيا الحشد الشعبي التي تحظى بعقيدة قتالية مختلفة، وهي بالتأكيد أقرب لإيران من حيث الشخصيات التي تقودها وأساليب تدريبها.

يجري كل هذا الجهد الإيراني في غياب عربي كبير عن المشهد العراقي، والشيء الوحيد الذي يُحسن بعض العرب فعله هو انتقاد الدور الإيراني في العراق سواء كان سياسيا أو عسكريا، وهو انتقاد مستمر منذ ٢٠٠٣، لكن لا جدوى منه إلا تأكيد العجز العربي أمام تمدد الحضور الإيراني

في سياق مثل هذه الخلفية التاريخية للتعاون العسكري خلال السنوات القليلة الماضية؛ استطاعت المؤسسة العسكرية والأمنية الإيرانية أن تضع قدميها بثبات في العراق، بعيدا عن فضاءات العمل السياسي الذي يبدو -إلى حد كبير- منضبطا بإيقاع العلاقات الأمنية والعسكرية.

الإعلان عن الاتفاقية يأتي بعد ما صرح به رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي فيما يتعلق باستعادة مدينة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية، حيث يُعتقد أن المدينة -التي كان يقدر عدد سكانها بحوالي مليونين- لم يبق فيها إلا بضعة آلاف.

إنهاء سيطرة تنظيم الدولة تعتبره إيران ثمرة من ثمار التعاون العسكري والأمني بينها وبين العراق، حيث كان المستشارون الإيرانيون يزودون الحشد الشعبي بالدعم اللوجيستي والتخطيطي للعمليات العسكرية التي قُتل فيها أكثر من أربعين ألف مدني، وفق تقدير وزير الخارجية العراقي السابق هوشيار زيباري.

ما تسمى بـ"معركة تحرير الموصل" تجري الاستفادة منها لتقوية دور الحشد الشعبي في المنظومة العسكرية العراقية، بحيث يحصل على المزيد من الشرعية والإمكانات، وبالتالي يزداد زخم القوة العسكرية الإيرانية في العراق.

يجري كل هذا الجهد الإيراني في غياب عربي كبير عن المشهد العراقي، والشيء الوحيد الذي يُحسن بعض العرب فعله هو انتقاد الدور الإيراني في العراق سواء كان سياسيا أو عسكريا، وهو انتقاد مستمر منذ عام ٢٠٠٣، لكن لا جدوى منه ولا فائدة إلا تأكيد العجز العربي أمام تمدد الحضور الإيراني في الحواضر العربية.

حول ردود الفعل
في الوقت الذي تعزز فيه إيران حضورها في العراق، وتنتقل مما كان سياسياً واقتصادياً إلى المستوى الأمني والعسكري؛ يبقى النظام الرسمي العربي قابعاً في مرحلة اللعن والانتقاد لما تقوم به طهران، وإذا ما تم تجاوز هذه المرحلة من قبل البعض فهناك ردود أفعال بلا نتائج واضحة أو حاسمة، يمكنها أن تؤثر في علاقات إيران والعراق.

ما يحصل مثير للانتباه من حيث إن الدول العربية -مثل السعودية– تشارك إيران ودولا أخرى في أن الحرب على الإرهاب مقدَّمة على بقية المعارك، مثل هذا الأمر يجعل الرواية الإيرانية تفرض نفسها، وتحقق سبقاً في إجبار الآخرين على الأخذ بما تراه طهران أولويةً، لا ما قد يفكر به البعض. ومن هنا نجد حضور الحرب على الإرهاب في الاتفاقية العراقية الإيرانية.

رد الفعل المنتقد لاتفاقية التعاون العسكري بين العراق وإيران جاء من واشنطن التي ترى أنها ستعزز دور "دولة مارقة" مثل إيران، لكن هذا لا يتعدى كونه كلاماً للاستهلاك الصحفي، لا سيما أن واشنطن هي التي رعت الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني

ولم يكن الأمر حصراً على العراق وإيران، بل ثمة تشابه مع ما تسرب بعد زيارة رئيس هيئة أركان الجيش السعوي والوفد المرافق له لبغداد، قبل أيام من توقيع اتفاقية تعزيز التعاون العسكري بين بغداد وطهران. حيث تم الحديث عن ضمان أمن الحدود المشتركة بين العراق والسعودية البالغ طولها حوالي ٨١٤ كم، ومنع استغلالها من قبل الجماعات الإرهابية.

كما تم الحديث حول فتح معبر عرعر الحدودي لتسهيل سفر الحجاج العراقيين. ويبدو أن الرياض تحاول أن تُحدث اختراقا في جدار العلاقة الإيرانية العراقية، وهو الأمر الذي سبق أن حاولته بإرسال سفيرها ثامر السبهان، والذي طُلب منه (في سبتمبر/أيلول 2016) أن يغادر بغداد، بسبب احتجاج السلطات العراقية لا سيما القريبة منها مع إيران.

رد الفعل المنتقد لاتفاقية التعاون العسكري الأخيرة بين العراق وإيران جاء من واشنطن التي ترى أنها ستعزز دور "دولة مارقة" مثل إيران، لكن هذا لا يتعدى كونه كلاماً للاستهلاك الصحفي، لا سيما أن واشنطن هي التي رعت الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، والذي لم يستطع الرئيس الأميركي دونالد ترمب تمزيقه، كما وعد بذلك خلال حملته الانتخابية.

بل على العكس؛ وجدت واشنطن -وفق وزير خارجيتها ريكس تيلرسون– أن إيران التزمت بكل تعهداتها التي فرضها عليها الاتفاق النووي. وبهذا تبقى المواقف الأميركية مجرد كلام في فضاء سياسي إيراني مليء بالأفعال "الاستفزازية" التي لا تتوقف.

والخلاصة؛ أن اتفاقية التعاون الدفاعي الإيرانية العراقية ربما تبدو كأي اتفاقية ثنائية بين أي بلدين، لكن سياق الأحداث والجدل حول طبيعة العلاقة العراقية الإيرانية يقولان إنها اتفاقية غير عادية، وأن إيران -الموغلة في التدخل بالمشهد السياسي والاقتصادي العراقي- تبدو اليوم سائرة في مسار تنظيم علاقاتها المستقبلية مع العراق، بغض النظر عن نتيجة التوترات المتفاعلة في المنطقة.

كما تبدو طهران في وضعية اللاعب الذي يريد أن يضمن دوره حتى ولو تغيّب عن أرض الملعب أو أجبِر على التغيّب، وذلك بمثل هذه الاتفاقيات التي تكرس تقسيم المؤسسة العسكرية، وتجعلها في حالة مواجهة داخلية ستُبقى الدولة بالضرورة في وضع لا تُحسد عليه من الضعف والتشرذم، وانتشار مراكز القوى الداخلية المتنافسة التي تسعى للإجهاز على فكرة الدولة.

وذلك أمر ينسجم مع إستراتيجية طهران في ألا ترى دولة مركزية متماسكة في العراق. وهذا بدوره سيجعل الدور الإيراني مرغوبا فيه ومحتاجا إليه، وهو ما تريده طهران في ظل موازين القوى المختلة حالياً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.