بداية ترمب القوية والمفاجئة مع الهند

India's Prime Minister Narendra Modi hugs U.S. President Donald Trump as he departures the White House after a visit, in Washington, U.S., June 26, 2017. REUTERS/Carlos Barria

توماس ر. بيكيرينغ وأتمان تريفيدي

عقد رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي والرئيس الأميركي دونالد ترمب اجتماعهما الأخير في ظل توقعات متواضعة بشأن نتائجه. وحتى الحكومة الهندية قللت من زيارة مودي للبيت الأبيض باعتبارها زيارة "عادية".

ومع ذلك، انتهى زعيما الدولتين الديمقراطيتين الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم إلى تحقيق تقدم هام، مما يدل على قوة الدبلوماسية وقدرتها على تحويل التحديات إلى فرص.

إن العلاقة بين الولايات المتحدة والهند -رغم أنهما أصبحتا قريبتين من بعضهما البعض- كانت مثقلة بالقلق المتبادل حتى وقت متأخر. فبالنسبة لإدارة ترمب؛ تركزت المخاوف حول قضايا مثل تزايد العجز في التجارة الثنائية، وتشريد العاملين في الولايات المتحدة من قبل المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات الهندية، واستخدام الهند المزعوم لاتفاق باريس للمناخ لاستخراج مليارات الدولارات من المساعدات.

أما الهند فكانت قلقة على نحو متزايد بشأن نظرة إدارة ترمبالانعزالية، وعلى وجه الخصوص بشأن تراجع سياستها الواضح بشأن آسيا، حيث كانت الولايات المتحدة الضامن الرئيسي للأمن على مدى السنوات الـ70 الماضية. وقد أدت هذه التصورات إلى إضعاف آمال أن تظل الهند وأميركا شريكين إستراتيجييْن موثوقا بهما.

أظهر مودي وترمب -في واشنطن- تفاهما مريحا مع عدم وجود خلاف حقيقي، وهو خروج عن بعض القرائن بشأن دبلوماسية إدارة ترمب في وقت مبكر. ومع ذلك، كان الأهم من صداقتهما الواضحة بيانُهما المشترك الذي اعترف بأهمية العلاقة الثنائية الجيدة

ولكن أظهر مودي وترمب -في واشنطن– تفاهما مريحا مع عدم وجود خلاف حقيقي، وهو خروج عن بعض القرائن بشأن دبلوماسية إدارة ترمب في وقت مبكر. ومع ذلك، كان الأهم من صداقتهما الواضحة بيانُهما المشترك الذي اعترف بأهمية العلاقة الثنائية الجيدة.

إن الهند تهم أميركا لأسباب عديدة نظرا لكون اقتصادها الرئيسي هو الأسرع نموا في العالم؛ كما أنها تتوفر على أكبر طبقة وسطى عالميا. وسرعان ما سيكون لديها أكبر عدد سكان في العالم. وعلاوة على ذلك، تعترض الهند ممرات الشحن العالمية الحاسمة في المحيط الهندي، وهي بمثابة حصن ديمقراطي هام في آسيا.

وقد أدت هذه العوامل إلى دعم نادر من الحزبين لتعميق العلاقات الأميركية مع الهند منذ أوائل التسعينيات، لكنها -مع ذلك- لم تكن دائما كافية لإبراز الاهتمام المستمر من صناع القرار الأميركيين بالهند.

بيد أنه بناء على زيارة مودي الأخيرة، قد لا يكون ذلك هو الحال في إدارة ترمب، التي تبدو حريصة على التعاون الأمني الثنائي باعتباره المبدأ الرئيسي لسياسة آسيا.

ويبدو أن إدارة ترمب بدأت تدرك أنه في الوقت الذي يمكن فيه للتحولات السريعة في آسيا أن تؤثر على الاستقرار الإقليمي؛ يمكن للثقة المتبادلة مع الهند أن تساعد الولايات المتحدة في استثبات الأمن بشكل متزايد.

ويمكن أن تعمل بصورة -جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة- مع الصين الصاعدة، ليس فقط لدعم النمو الاقتصادي وحماية البيئة؛ ولكن أيضا لضمان أن الصين ستساعد في الحفاظ على السلام والرخاء في آسيا، بدلا من تقويضه.

وينعكس هذا الاعتراف في صفقة دفاعية جديدة هامة تم الإعلان عنها في الاجتماع الأخير، بالإضافة إلى خطط لزيادة المبيعات والتمارين العسكرية وتعميق التعاون في المحيط الهندي، والبناء على اتفاقية الأمن على شبكة الإنترنت في العام الماضي.

وأشارت البيانات العامة إلى أن الجانبين يعتزمان مواصلة السياسات المعقولة السابقة في هذه المجالات. وإذ لم يذكرا صراحة بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، فإن عليهما أن يفعلا ذلك في المستقبل.

كما أظهر مودي وترمب مزيدا من الوضوح والتضامن في مواجهة الإرهاب، وذلك بطلبهما من باكستان بذل المزيد من الجهد لعرقلة المحميات المتطرفة في أراضيها.

إن اتباع نهج أميركي أقل تساهلا تجاه باكستان ليس فقط من شأنه أن يسهم في أمن جنوب آسيا؛ بل يمكن أن يساعد أيضا على منع تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان، حيث لا تزال أميركا غارقة في أطول حروبها على الإطلاق.

ليس من المستغرب -مع ذلك- أن مودي وترمب لا يزالان غير مستعدين للاتفاق على التجارة والعلاقات التجارية. ورغم أن العلاقة الثنائية كانت تميل تاريخيا إلى التشديد على الأمن والدفاع أكثر من الاقتصاد، فإن وجهة نظر الزعيمين -المتمثلة في مبادراتهما الجديدة- تهدد بترك الأمور في شكلها غير المتوازن.

ليس من المستغرب -مع ذلك- أن مودي وترمب لا يزالان غير مستعدين للاتفاق على التجارة والعلاقات التجارية. ورغم أن العلاقة الثنائية كانت تميل تاريخيا إلى التشديد على الأمن والدفاع أكثر من الاقتصاد، فإن وجهة نظر الزعيمين -المتمثلة في مبادراتهما الجديدة- تهدد بترك الأمور في شكلها غير المتوازن

مودي وترمب ركزا -كقائدين وطنيين- على نمو العمالة المحلية بواسطة التصنيع. ولكن هناك الكثير من الفرص ينبغي اغتنامها. ولإيجاد أرضية مشتركة مفيدة للطرفين؛ تجب إعادة تصور البعد الاقتصادي للعلاقة الثنائية بينهما.

وكما هو الحال، تعاني الدولتان من الفجوة بين مهارات العمال والوظائف المتاحة. وينبغي أن تؤسسا لحوار قوي حول تدريب العمال وحول القدرة التنافسية، بما في ذلك مناقشة مسألة تعتبر خلافية لإدارة ترمب: كيف يستخدم قطاع التكنولوجيا في الهند تأشيرات "B H1" التي تم تصميمها لإعطاء العمال ذوي المهارات العالية فرصة الدخول إلى الولايات المتحدة؟

وإذا استطاعت الولايات المتحدة والهند تجاوز خلافاتهما على هذه الجبهة، فستجدان فرصا كبيرة للتعلم من بعضهما البعض في مجالات مهمة، مثل كيفية استخدام التجارة الإلكترونية والمنصات الرقمية لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على مضاعفة حجم صادراتها.

كما يعتبر القصور في البنية التحتية فرصة أخرى لتعاون أعمق: فالولايات المتحدة والهند -إضافة إلى بلدان مثل اليابان وسنغافورة– يمكنهما أن تتقاسما التكنولوجيا والموارد بطرق مبتكرة، من أجل تطوير روابط النقل التي تعزز الاقتصاد والمراكز الحضرية.

وسيتطلب تحديدُ أوجه التآزر بين نهج "أميركا أولاً" وشعار مودي "اصنع في الهند" الإبداعَ والصبر والمرونة، والأهم من ذلك التركيز الإستراتيجي. وسيتعين على كل من الزعيمين التركيز على الصورة الكبيرة: كيفية تحقيق نتائج مفيدة للطرفين، من حيث الإنتاجية والقدرة التنافسية والابتكار.

ولبلوغ النجاح المنشود؛ ينبغي المشاركة على جميع مستويات الحكومة الأميركية، من المسؤولين فيها إلى الدبلوماسيين. وكخطوة أولى، يجب على وزارة الخارجية أن تتحرك بشكل أسرع لملء الفراغ في تعاملها مع جنوب آسيا.

ورغم التحديات المستمرة؛ فإن العلاقة بين أميركا والهند انطلقت -في عهد ترمب ومودي- بصفة أقوى مما كان متوقعا. وقد أبدى كل جانب الرغبة في الاستثمار في مستقبل الآخر، وليس مجرد الرغبة في التعامل مع الصفقة. والآن يبدأ العمل الشاق: تطوير رؤيتهما الإستراتيجية المشتركة وتنفيذها باستمرار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.