حزب العدالة والتنمية التركي وتحديات المرحلة المقبلة

Turkish President Tayyip Erdogan, greets members of his party during the Extraordinary Congress of the ruling AK Party (AKP) in Ankara, Turkey, May 21, 2017. REUTERS/Murad Sezer

عودة المؤسس
تغييرات تنظيمية
تحديات بالجملة

ألقى الاستفتاء الذي جرى في تركيا منتصف الشهر الماضي بظلاله على أحزاب المعارضة وحزب العدالة والتنمية الحاكم معاً، وإذا كان الأمر بالنسبة لحزبيْ المعارضة (أي الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية) تجلى في ظهور حالة انقسام داخلهما، وسط مطالبة بتغيير القيادات وتحميلها مسؤولة ضعف أدائها السياسي، فإن الأمر بالنسبة لحزب العدالة والتنمية كان مختلفا.

فقد اتجه هذا الحزب إلى عقد مؤتمر استثنائي، لا لترتيب بيته الداخلي فحسب بل للبحث في كيفية مواجهة تحديات المرحلة المقبلة، ولعل مثل هذا الأمر يحظى بأهمية كبيرة في ظل عودة مؤسس الحزب رجب طيب أردوغان إلى رئاسة الحزب.

عودة المؤسس
شكلت عودة أردوغان إلى رئاسة حزب العدالة والتنمية -بعد أن استقال منه بمقتضى الدستور عقب انتخابه رئيسا للبلاد عام 2014- أولى خطوات تطبيق التعديلات الدستورية التي أقرها الاستفتاء، وهي خطوة ستعطي قوة كبيرة لمؤسسة الرئاسة التي ستجمع -للمرة الأولى منذ نهاية الولاية الرئاسية لعصمت إينونو– بين منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحزب الحاكم.

من أهم ملامح مرحلة عودة أردوغان إلى زعامة الحزب، إنهاءُ الخلافات والتجاذبات السياسية التي ظهرت داخله بسبب نتيجة الاستفتاء التي لم تكن بمستوى التوقعات والآمال، فقد بدا الحزب وكأنه أمام تيارين: الأول، إسلامي يتراوح بين المحافظة والتشدد. والثاني، أقرب إلى الليبرالية كنهج وتفكير وبرنامج ورؤية

وقد بدت العودة مؤثرة لدى أردغاون عندما قال في افتتاح المؤتمر الاستثنائي الثالث للحزب: "أعود اليوم إلى حزبي إلى عشي إلى حبي"، ومع هذه العودة يمكن القول إن حزب العدالة والتنمية دخل مرحلة جديدة من تجربته السياسية.

في الواقع، ثمة من يرى أن من أهم ملامح مرحلة عودة أردوغان إلى زعامة الحزب، إنهاءُ الخلافات والتجاذبات السياسية التي ظهرت داخله بسبب نتيجة الاستفتاء التي لم تكن بمستوى التوقعات والآمال، فقد بدا الحزب وكأنه أمام تيارين: الأول، إسلامي يتراوح بين المحافظة والتشدد. والثاني، أقرب إلى الليبرالية كنهج وتفكير وبرنامج ورؤية، وهو ما أثر سلبا على نتيجة الحزب في الاستفتاء.

وسبق هذا الاستقطابَ بروزُ ظاهرة انكفاء القادة الكبار من أمثال الرئيس السابق عبدالله غل والقيادي المؤسس بولنت أرينج ورئيس الوزراء السابق أحمد دواد أوغلو، كقادة يختلفون مع أردوغان في كيفية إدارة العديد من الملفات السياسية الحساسة.

ولعل الأهم هنا هو ما سيشهده الحزب على صعيد الإتيان بقيادة حزبية جديدة في المكتب السياسي واللجنة المركزية، ستكون من جيل الشباب ومن اختيار أردوغان بالذات، بعيدا عما سُمي نفوذ أنصار تيار فتح الله غولن داخل الحزب.

ويرى محللون أتراك -ولا سيما قريبين من حزب العدالة والتنمية- أن عودة الرئيس المؤسس إلى قيادة الحزب أكثر من ضرورية، لا بسبب التعديلات الدستورية التي جرت فحسب، بل لأن طبيعة النظام السياسي في البلاد باتت بحاجة إلى مثل هذه الخطوة التي ستقوي أداء الحزب.

كما أنها ستقضي على ظاهرة عدم الاستقرار المتعلقة بفشل تجربة الحكومات الائتلافية، وتساعد في الانتقال إلى نظام سياسي جديد يقوم على الحزب الواحد، ولاحقا الدخول في مرحلة إصلاحية جديدة وفق الشعار الذي رفعه المؤتمر الاستثنائي: "بداية عهد التقدم والديمقراطية والتغيير والإصلاح".

تغييرات تنظيمية
كان اللافت على الصعيد التنظيمي في المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية استحداث منصب جديد، هو وكيل الرئيس العام للحزب الذي سيستخدم صلاحيات الرئيس عمليا وفقا لتوجيهاته، حيث تسلم هذا المنصب رئيس الوزراء بن علي يلدريم تكريما لجهوده.

وقد انصبت التغييرات التنظيمية في جملة خطوات، من أهمها: تعديل النظام الداخلي للحزب، وإضافة شعار رابعة إلى الحزب تعبيرا عن المبادئ الأربعة (شعب واحد، علم واحد، وطن واحد، دولة واحدة)، وتغييرات واسعة في اللجنة المركزية (تغير 19 عضوا من أصل 50).

من التغيرات التي أحدثها المؤتمر، توسيعُ صلاحيات مجلس إدارة القرار المركزي للحزب، وإعطاء صلاحيات جديدة للجنة المركزية، إذ بات من صلاحياتها فصل أي عضو حزبي، وكذلك الموافقة بشكل استثنائي لنائب أو مسؤول أو قيادي على شغل منصبه لأكثر من ثلاث دورات متتالية

وكان من أبرز الذين غادروا هذه اللجنة الناطق باسم الحزب ياسين أقطاي، ونائب رئيس الوزراء ويسي كايناك، ووزير العمل محمد مزين، ومساعد رئيس الحزب نوكهت هوتار، ومسؤول الحزب في ديار بكر محمد غالب أنصار أوغلو.

أما الذين انضموا إليها فكان أبرزهم بن علي يلدريم، ووزير الداخلية سليمان سويلو، وصاحب قناتيْ "أي تي في" و"ستار" أدهم سنجق، فضلا عن انضمام وجوه شبابية ما زالت في مرحلة التعليم الجامعي مثل رميسة كاداك وياسمين أتاسفير.

ومن التغيرات أيضا، توسيعُ صلاحيات مجلس إدارة القرار المركزي للحزب، وإعطاء صلاحيات جديدة للجنة المركزية، إذ بات من صلاحياتها فصل أي عضو حزبي، وكذلك الموافقة بشكل استثنائي لنائب أو مسؤول أو قيادي على شغل منصبه لأكثر من ثلاث دورات متتالية، بعد أن عزف الحزب عن تعديل هذا البند في ميثاقه الداخلي.

وفي ضوء هذه التعديلات في القيادة المركزية للحزب؛ سيجري تعيين المسؤولين الحزبيين في الأقاليم والفروع، بما يعني أن الحزب سيشهد جملة من التغييرات في صفوفه، وسط توقعات بأن تؤدي هذه التغييرات في القيادة الحزبية إلى تعديل حكومي قريب.        

تحديات بالجملة
في الواقع، إذا كان المؤتمر الاستثنائي الثالث لحزب العدالة والتنمية مؤتمرا لترتيب البيت الداخلي للحزب للانتقال إلى مرحلة جديدة، فإن ثمة تحديات بالجملة تنتظره، ولعل أول هذه التحديات هو كيفية الإعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجري في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

والتحدي هنا يكمن في كيفية تحقيق فوز كبير في هذه الانتخابات، بعد أن أظهرت نتائج الاستفتاء تراجع الرصيد الشعبي للحزب لصالح المعارضة. وعند الحديث عن المعارضة؛ لا بد من التوقف عند رفض حزب الشعب الجمهوري لجمع أردوغان بين منصب رئيس الجمهورية ورئاسة حزب العدالة والتنمية.

إذ اعتبره حزب الشعب الجمهوري انتهاكا واضحا للدستور رغم أن التعديلات الدستورية أقرت ذلك، وهو ما يشي بأن الانقسام السياسي الوطني مرشح للمزيد من التطور ما لم تشهد تركيا خطوات سياسية وإصلاحية تسهم في معالجته.

ومن التحديات الماثلة أيضا، كيفية التعاطي مع القضية الكردية، وجدوى استمرار الحرب مع حزب العمال الكردستانيبعد أن بلغت مرحلة غير مسبوقة من العنف على حساب التنمية والنمو والاقتصاد والتعايش الاجتماعي والاستقرار.

إذا كان المؤتمر الاستثنائي الثالث لحزب العدالة والتنمية مؤتمرا لترتيب البيت الداخلي للحزب للانتقال إلى مرحلة جديدة، فإن ثمة تحديات بالجملة تنتظره، ولعل أول هذه التحديات هو كيفية الإعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجري في نوفمبر/تشرين الثاني 2019

وكذلك كيفية التعامل مع الصعود الكردي في المنطقة خاصة في شمال سوريا (روج آفا)، وأثر ذلك سلبا على العلاقات التركية/الأميركية في ظل التحالف الأميركي/الكردي الناشئ، والإصرار الأميركي على دعم الكرد بالسلاح والعتاد في إطار الاستعداد لمعركة استعادة الرقة من تنظيم الدولة الإسلامية. وهو ما يثير مخاوف تركيا من تؤدي سيطرة الكرد على الرقة إلى ولادة إقليم كردي بعمق جغرافي على حدودها الجنوبية، على غرار ما حصل في إقليم كردستان العراق.

وهناك تحدٍّ آخرُ لا يقل أهمية عما سبق هو التحدي الاقتصادي، فقد شهدت البلاد سنوات من الإنجازات الاقتصادية الضخمة التي حققتها حكومات حزب العدالة والتنمية المتتالية، وهي إنجازات دفعت في الداخل إلى تعزيز ثقة الناخب التركي بالحزب، وفي الخارج وضعت تركيا في قائمة مجموعة دول العشرين.

وبعد كل هذا؛ عانى الاقتصاد التركي في السنوات الأخيرة تراجعا ملحوظا في معدلات النمو والتنمية، لصالح الركود والتضخم وارتفاع نسبة البطالة، والتراجع المتتالي لسعر العملة التركية أمام الدولار. وهكذا فإن تحدي الحفاظ على المنجزات الاقتصادية أصبح أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.

إضافة إلى ما سبق، فإن عملية التحول السياسي الجارية بتركيا -في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الذي يسيطر على الرئاسات الثلاث (الحكومة والبرلمان والرئاسة)- ترافقت مع إجراءات أمنية وقضائية تتعلق بكيفية التعاطي مع قضايا الحريات والإعلام والصحفيين، ولا سيما في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري الفاشل صيف العام الماضي.

وبغض النظر عن المسار القانوني لهذه الإجراءات؛ فإنها أثرت على صورة تركيا، وباتت مادة دسمة للعديد من المنظمات التي وجهت انتقادات لاذعة لتركيا معبرة عن خشيتها من تحولها إلى دولة قمعية شمولية.

إن هذه التحديات مجتمعة تنتصب اليوم أمام حزب العدالة والتنمية في المرحلة المقبلة، لا كحزب يلتزم بقواعد اللعبة الديمقراطية في إدارة الحكم والبلاد فقط، وإنما أيضا في انتهاج الديمقراطية كمفاهيم وممارسة وسلوك وسط الحاجة الدائمة إلى المراجعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.