حرب الأيام الستة في ذكراها الخمسين

(FILES) An Israeli tank patrols near a mosque in this photo taken in June 1967. Thirty years after the six-day war, new revelations show that Israeli generals exerted considerable pressure to push their government to go into battle. According to military historian Ami Gluska of the Hebrew University in Jerusalem, "a gap separated government officials from soldiers who were on average more than 20 years younger and who were burning to go to war". Eds note: Photo available only in black and white.

بعد أيام قليلة يشهد العالَم الذكرى السنوية الخمسين لحرب يونيو/حزيران 1967 بين إسرائيل ومصر والأردن وسوريا، وهو الصراع الذي لا تزال آثاره باقية في منطقة يتسم تاريخها المعاصر بالعنف إلى حد كبير. ورغم أن تلك الحرب دامت أقل من أسبوع، فإن إرثها لا يزال واضحا قويا بعد مرور نصف قرن.

اندلعت الحرب ذاتها بضربة إسرائيلية استباقية استهدفت القوات الجوية المصرية، ردا على القرار الذي اتخذته مصر بطرد قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من غزة وشبه جزيرة سيناء، وإغلاق مضيق تيران أمام سفن الشحن الإسرائيلية. كانت إسرائيل صاحبة الضربة الأولى، ولكن أغلب المراقبين ينظرون إلى ما فعلته بوصفه عملا مشروعا من أعمال الدفاع عن النفس ضد تهديد وشيك.

لم تكن إسرائيل تعتزم القتال على أكثر من جبهة، ولكن الحرب سرعان ما توسعت عندما دخل كل من الأردن وسوريا الصراع مؤازرةً لمِصر. كان ذلك قرارا مكلفا للدول العربية؛ فبعد ستة أيام فقط من القتال سيطرت إسرائيل على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان، والضفة الغربية، والقدسبالكامل.

جعل انتصار 1967 إسرائيل دولة دائمة على نحو لم تنجح حرب 1948 أو حرب 1956 في تحقيقه. فأخيرا، اكتسبت الدولة الجديدة درجة من العمق الإستراتيجي، واضطر أغلب القادة العرب إلى تحويل هدفهم الإستراتيجي من إزالة إسرائيل من على وجه الأرض إلى إعادتها إلى حدود ما قبل 1967

وأصبحت إسرائيل الجديدة أكبر بثلاثة أضعاف من إسرائيل القديمة، ويُذَكِّرُنا ما حدث على نحو غريب بسِفر التكوين: ستة أيام من الجهد المكثف يليها يوم من الراحة، وفي حالتنا هذه يوم التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار.

وضعت المعركة -التي دارت رحاها من جانب واحد- حدا لفكرة (أو حلم عند بعض الناس) مفادها أن إسرائيل يمكن القضاء عليها. وجعل انتصار 1967 إسرائيل دولة دائمة على نحو لم تنجح حرب 1948 أو حرب 1956 في تحقيقه. فأخيرا، اكتسبت الدولة الجديدة درجة من العمق الإستراتيجي، واضطر أغلب القادة العرب إلى تحويل هدفهم الإستراتيجي من إزالة إسرائيل من على وجه الأرض إلى إعادتها إلى حدود ما قبل 1967.

بيد أن حرب الأيام الستة لم تُفض إلى سلام، ولو حتى سلام جزئي. بل كان لزاما على السلام أن ينتظر حتى اندلاع حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، التي مهدت الساحة لاحقا لاتفاقات كامب دفيد ومعاهدة السلام بين إسرائيل ومِصر.

فقد خرج الجانب العربي من هذا الصراع اللاحق وقد استرد شرفه؛ وخرجت منه إسرائيل وقد نالها العقاب والتأنيب. ويبرز هنا درس مهم: لا تقود النتائج العسكرية الحاسمة بالضرورة إلى نتائج سياسية حاسمة، ناهيك عن السلام.

بيد أن حرب الأيام الستة أفسحت المجال للدبلوماسية، أو القرار رقم 242 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. دعا القرار -الذي حظي بالموافقة في نوفمبر/تشرين الثاني 1967- إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في الصراع الأخير، ولكنه أثبت أيضا حقها في الحياة ضمن حدود آمنة ومعترف بها. كان القرار حالة كلاسيكية من الغموض الخَلّاق؛ فقد قرأه أناس مختلفون على أنه يعني أشياء مختلفة. وهذا من شأنه أن يسهّل تبني القرار، ولكنه يزيد صعوبة تنفيذه.

ليس من المستغرب بالتالي أن يظل السلام غائبا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، رغم عدد لا حصر له من التعهدات الدبلوماسية التي بذلتها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، والأمم المتحدة، وأطراف الصراع أنفسهم.

إحقاقا للحق، لا يمكننا إلقاء اللوم على القرار 242 بشأن الحالة التي آلت إليها الأمور حاليا. فالسلام لا يأتي إلا حينما يصبح الصراع جاهزا للحل، وهو ما يحدث عندما يكون زعماء الأطراف الرئيسية مستعدين وقادرين على تقبل التسوية والحلول الوسط. وإذا غاب هذا الشرط فلن يكون أي قدر من الجهود الدبلوماسية -التي تبذلها أطراف خارجية حسنة النوايا- كافيا للتعويض عن غيابه.

غير أن حرب 1967خلفت رغم ذلك تأثيرا هائلا. فقد اكتسب الفلسطينيون هوية وبروزا دوليا لم يتسن لهم الحصول عليه حينما كان أغلبهم يعيشون تحت الحكم المصري أو الأردني. ولكن ما عجز الفلسطينيون عن توليده كان إيجاد إجماع بينهم بشأن قبول إسرائيل، وإذا قبلوا بها فما الذي يمكنهم أن يتخلوا عنه لكي تصبح لهم دولة خاصة بهم.

تركت حرب 1967 تأثيرا هائلا. فقد اكتسب الفلسطينيون هوية وبروزا دوليا لم يتسن لهم الحصول عليه حينما كان أغلبهم يعيشون تحت الحكم المصري أو الأردني. ولكن ما عجز الفلسطينيون عن توليده كان إيجاد إجماع بينهم بشأن قبول إسرائيل

ربما يتفق الإسرائيليون على بعض الأمور؛ فقد أيدت أغلبيتهم إعادة سيناء إلى مِصر. وكانت حكومات متباينة على استعداد لإعادة مرتفعات الجولان إلى سوريا بموجب شروط لم تتوافر قَط. كما انسحبت إسرائيل بقرار أحادي من غزة ووقعت معاهدة سلام مع الأردن. وكان هناك أيضا اتفاق واسع النطاق على أن القدس ينبغي أن تظل موحدة وفي يد إسرائيل.

ولكن الاتفاق توقف عندما تعلق الأمر بالضفة الغربية؛ إذ يرى بعض الإسرائيليين أن هذه الأرض كانت وسيلة لتحقيق غاية، ومن الممكن إبدالها بسلام آمن مع دولة فلسطينية مسؤولة. ويرى آخرون أنها كانت غاية في حد ذاتها لاستيطانها والاحتفاظ بها.

هذا لا يعني غيابا كاملا للتقدم الدبلوماسي منذ عام 1967. فقد أدرك كثير من الإسرائيليين والفلسطينيين الواقع المتمثل في وجود الطرف الآخر، والحاجة إلى شكل ما من أشكال تقسيم الأرض إلى دولتين. ولكن في الوقت الراهن لا يبدي أي من الجانبين الاستعداد لحل ما يفصل بينهما من قضايا. وقد دفع كل من الجانبين -وما زال يدفع- ثمن هذا الإعراض.

فإلى جانب الخسائر المادية والاقتصادية، يظل الفلسطينيون يفتقرون إلى دولة خاصة بهم والتحكم في حياتهم. ومن الواضح أن هدف إسرائيل المتمثل في إنشاء دولة يهودية ديمقراطية آمنة ومزدهرة يظل مهددا بسبب الاحتلال المفتوح والواقع الديموغرافي المتطور.

وفي الوقت نفسه، تحركت المنطقة والعالَم في الأغلب إلى الأمام، وأصبح جُل الاهتمام منصبا على روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية. وحتى إذا حَلّ السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فلن يُفضي هذا إلى السلام في سوريا، أو العراق، أو اليمن، أو ليبيا.

وبعد مرور خمسين عاما على اندلاع حرب دارت رحاها ستة أيام، بات غياب السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين جزءا من وضع راهن معيب أصبح مقبولا ومتوقعا في نظر كثيرين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.