قراءة أولية في قمم الرياض الثلاث

إعلان الرياض.. توافق على مواجهة الإرهاب وإدانة إيران

جملة معطيات أساسية
أسئلة بشأن التحالف الإستراتيجي
استحقاقات الاتفاقيات المبرمة 

من المبكر جداً إعطاء أحكام دقيقة أو نهائية لنتائج زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للرياض يومي 20 و21 مايو/أيار 2017، وما جرى خلالها من قمم غير مسبوقة في بعض أبعادها، وحققت نتائج نوعية في جوانب إستراتيجية مهمة، على رأسها توحيد أو السعي لتوحيد الموقف الحازم حيال التهديدات والتدخلات الإيرانية السافرة في المنطقة، ومحاولاتها الاختراقية التوسعية لتصدير ثورتها ونهجها الديني الطائفي.

لقد أشاد كثيرون بالقدرة الفائقة للسعودية على حشد هذا العدد الكبير من القادة في الدول العربية والإسلامية، وتهيئة الأجواء المواتية لعقد ثلاث قمم تاريخية في سياقات سياسية بالغة التعقيد. من الواضح أن صعوبات جمة واجهتها الدبلوماسية السعودية في الفترة التي سبقت عقد تلك القمم، ومما لا شك فيه أن ذلك يعد نجاحاً دبلوماسياً سعودياً.

جملة معطيات أساسية
للقيام بقراءة أولية لبعض مضامين القمم الثلاث ونتائجها، أشير إلى جملة من المعطيات الأساسية التي تساعدنا في قراءة ما حدث بقالب تحليلي:

1- لئن كانت الأمور صعبة ومعقدة قبل انعقاد القمم السعودية، والخليجية، والعربية الإسلامية مع الولايات المتحدة الأميركية، فهي أكثر صعوبة وتحدياً بعدها؛ فالقضايا التي طُرحت في هذه القمم هي لفائف من التعقيد والوعورة، حيث يتداخل فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويتشابك فيها الآني بالآتي.

2- شهدت القمم تبدلاً درامياً للموقف الأميركي تجاه إيران، فبعد فترة ملاينة سياسية مع إيران، تغير الموقف الأميركي ليكون أكثر تشدداً معها.

البعض يؤمن بوجود تغيرات سياسية حادة فيما بين الديمقراطيين والجمهوريين في السياسة الأميركية الخارجية، في حين يذهب آخرون إلى أن الموقف الأميركي الحالي لإدارة ترمب متسق تماماً مع موقف سلفه، فهو يقطف ثمرات الموقف السابق

البعض يؤمن بوجود تغيرات سياسية حادة فيما بين الديمقراطيين والجمهوريين في السياسة الأميركية الخارجية، في حين يذهب آخرون إلى أن الموقف الأميركي الحالي لإدارة ترمب متسق تماماً مع موقف سلفه، فهو يقطف ثمرات الموقف السابق.

ويرون أنه لولا "الليونة الأوبامية" لما استطاع ترمب تعليب خطورة إيران وتسويقها لدى السعودية ودول الخليج العربي، والدفع باتجاه تحمل مئات المليارات للتسلح العسكري وحزمة من الاتفاقيات الاقتصادية المصاحبة أو المعززة؛ في وقت تشكو منه الاقتصاديات الخليجية من ضعف إيراداتها وكثرة نفقاتها العامة.

3- في سياق معزز لما سبق؛ هنالك تساؤل عن مدى صلابة الاتفاقيات مع الحكومة الأميركية في ظل سيناريوهات عزل الرئيس ترمب لعدة أسباب بعضها قوي، وقد يجد ترمب لاحقا -في حالة استمراره- ضغوطاً تجعله يتراجع عن بعض المسارات أو الاتفاقيات؛ مما يوجد نوعاً من المخاطر التي يفترض أن تحسب بشكل جيد من قبل الخليجيين والعرب في المنطقة.

ولو تحدثنا بلغة التحليل عند عالم الاجتماع البولندي زيغمونت باومان، لقلنا إننا نعيش حالة من "السياسة السائلة" التي تتعذر فيها "الصلابة السياسية"، أي بعبارة أخرى يتغير فيها الثابت ويثبت فيها المتغير؛ في حركة مرتبكة ومربكة ولا تنتظم في نسق يسهل ملاحظته وتتبعه، فضلاً عن التحكم فيه وتوجيهه. وكل ذلك يقضي بأهمية التوازن مع مختلف القوى في المنطقة وغيرها، وعدم رمي البيض كله في سلة الأميركان.

أسئلة بشأن التحالف الإستراتيجي
من القضايا الكبيرة في بيان قمة الرياض ما جاء حول إعلان النوايا بشأن تأسيس "تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي في مدينة الرياض"، والذي سيشارك فيه العديد من الدول للإسهام في تحقيق السلم والأمن بالمنطقة والعالم، والعمل على استكمال التأسيس وإعلان انضمام الدول المشاركة خلال عام 2018.

لم تتضح بعد أمور تفصيلية حول هذا التحالف، ولم يُكشف النقاب عن الدول التي أبدت موافقة أولية للمشاركة فيه. وهنا تتخلق أسئلة عديدة ومحيرة، ومنها: ما أهداف هذا التحالف المعلن عن نواياه؟ وما أولوياته؟ وما مهامه؟ وما الذي يجعله إستراتيجياً؛ أهو غاياته ومجالاته، أم حجم المشاركة فيه، أم النطاق الجيوسياسي، أم الإطار الزمني، أم خليط من ذلك أو من بعضه؟

ما دور السعودية والأقطار الخليجية في هذا التحالف وما مسؤولياتها؟ وماذا عن مصر والأردن وبقية الأقطار العربية؟ هل ستشارك فيه تركيا أم تحجم، ولماذا؟ ما دور أميركا في التحالف وما مسؤولياتها؟ هل سيكون لبعض الدول الغربية الحليفة دور فيه؟ ما سلم العداوات والصداقات للتحالف؟ هل سيكون العداء مقتصراً على التهديدات الإيرانية، أم أنه سيشمل تهديدات الجماعات المتطرفة والإرهابية في السياقين السني والشيعي؟

وهل سيمتد ذلك إلى حركات الإسلام السياسي بشكل مباشر؟ وما انعكاساته على المنطقة؟ وما نسب نجاح التحالف في تحقيق غاياته؟ وما علاقة التحالف بالقوة المشتركة التي أعلن تأسيسها من بعض الدول الإسلامية بقوات قوامها 34 ألف جندي لدحر قوى الإرهاب في المنطقة؟

ربما يكون جيداً الاكتفاء بإثارة هذه الأسئلة عوض التكهن بإجابات لم تكتمل أبعادها ولم تتضح كثير من خفاياها. لكننا ولو التقطنا جانباً له علاقة بسلم العداوات والصداقات والنطاق الجيوسياسي للتحالف المرتقب، فإنه سيكون من اللافت أن ترمب أعلن أثناء زيارته للكيان الصهيوني -التي تلت مباشرة زيارته للسعودية- أن "ما حدث مع إيران قرّب أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط إلى إسرائيل".

وأضاف مغتبطاً بأنه "لمس شعوراً جيداً جداً حيال إسرائيل" (المصدر: سي أن أن العربية، ترامب: تهديد إيران قرّب الدول العربية من إسرائيل 22 مايو/أيار 2017).

هنا نتساءل: هل يشهد ملف التطبيع مع الكيان المحتل تغيراً فعلياً يتجاوز الكلام المجرد؟! هذا الملف على درجة عالية جداً من الحساسية، إذ لا تزال الشعوب العربية والإسلامية رافضة لمبادئ التطبيع مع هذا الكيان الذي يمارس أشد أنواع الإرهاب الدولي تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل، فضلاً عن الانتهاكات الصارخة للمقدسات الإسلامية والمسيحية.

وكل ذلك يجعل الحركة التطبيعية معه شديدة الخطورة. والتاريخ يثبت لنا أن الدول المطبعة حققت مكاسب جزئية مؤقتة في الغالب، لا تضاهي التكاليف الباهظة والخسائر الفادحة المترتبة عليها، سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً.

استحقاقات الاتفاقيات المبرمة
في سياق الاتفاقيات السعودية الأميركية، يمكن القول إن من أهم المكاسب السعودية مع أميركا في الاتفاقيات المبرمة ما يتعلق بالتصنيع العسكري. وهذا الملف يستوجب تعاملاً إستراتيجياً طويل الأمد وفق منظور تكاملي، مع أهمية التنويع في هذه الاتفاقيات مع دول عديدة.

لو التقطنا جانباً له علاقة بسلم العداوات والصداقات والنطاق الجيوسياسي للتحالف المرتقب، فإنه سيكون من اللافت أن ترمب أعلن أثناء زيارته للكيان الصهيوني -التي تلت مباشرة زيارته للسعودية- أن "ما حدث مع إيران قرّب أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط إلى إسرائيل"

وسيترتب على ذلك -ضمن أشياء أخرى- الحصول على تقنيات متنوعة وكسب قوة تفاوضية كبرى مع الأميركان وغيرهم. إن تقوية التكتل الخليجي -ولو بين بعض أقطاره- سيفيد كثيراً في ملف التصنيع العسكري أو ملف شراء الأسلحة، وهذا يتطلب نظرة إستراتيجية شاملة.

وفي جانب آخر مهم، ما أعلن عنه في الرياض من تأسيس مركز عالمي لمواجهة الفكر المتطرف، وقد أشاد القادة السياسيون الحاضرون للقمة -وفق نص البيان- بالأهداف الإستراتيجية للمركز المتمثلة في محاربة التطرف فكريا وإعلاميا ورقميا، وتعزيز التعايش والتسامح بين الشعوب.

هذا المركز مكسب إستراتيجي ليس للسعودية فقط بل للخلجيين والعرب أجمعين، إذ يمكن أن يكون أداة تشخيص متطورة لأبحاث التطرف والتكفير والإرهاب.

ومن عوامل النجاح الحاكمة العملُ على تطوير الأدوات البحثية في مسائل التطرف والتكفير والإرهاب، وضمان هوامش حرية فكرية للباحثين المنخرطين في مشاريعهم البحثية المعمقة، والملاحقة الحثيثة للعوامل المؤثرة على هذه الظواهر المعقدة، والمراكمة المستمرة للملاحظات حولها؛ من أجل الخلوص إلى نتائج ذات قيمة، تمكّننا من تفهم تلك الظواهر وتفسيرها تنظيرياً، مما يزيد قدراتنا على تحجيمها والقضاء عليها قدر المستطاع.

ومن الأمور الإيجابية التي تستحق الذكر تشديد القادة المجتمعون -وفق نص البيان- على أهمية تجديد الخطابات الفكرية وترشيدها، لتكون متوافقة مع منهج الإٍسلام الوسطي المعتدل الذي يدعو إلى التسامح والمحبة والرحمة والسلام، مؤكدين أن المفاهيم الخاطئة بشأن الإسلام يجب التصدي لها وتوضيحها، والعمل على نشر مفاهيم الإٍسلام السليمة الخالية من أي شائبة. هذا مكسب للإسلام الحضاري، الذي يحتاجه العالم بجوانبه الروحية والفكرية والمدنية.

يضاف إلى ذلك تأكيد القادة عزمهم على التعاون المشترك لتعزيز برامج التنمية المستدامة لتحسين المستوى المعيشي لشعوب دولهم، وتوفير بيئة آمنة ومستقرة ومزدهرة تحصن الشباب من الأفكار الضالة والمتطرفة، وتأكيدهم أيضاً على أهمية تعزيز البناء العلمي والتبادل المعرفي والتعاون البحثي وبناء القدرات في المجالات كافة، والتنسيق في ذلك وصولا إلى أفضل الممارسات. هذا مكسب حضاري آخر، بيد أن له شروطه ومستحقاته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.