الانتخابات التشريعية الجزائرية.. هل من جديد؟

لوحات دعائية خاصة بقوائم المترحشين للانتخابات البرلمانية الجزائر التي ستجرى في 10 مايو/ ايار المقبل تصوير ياسين بودهان الجزيرة نت

انتخابات بلا جديد
محطة تهيئة للرئاسيات 

جاء توجيه وزير الأوقاف الجزائري محمد عيسى للسادة أئمة الجوامع بأن تكون خطبة جمعة يوم 21 أبريل/نيسان 2017 عن ضرورة المشاركة في الانتخابات التشريعية (4 مايو/أيار الجاري)؛ ليُنقذ الحملة الانتخابية من الفتور الذي سادها بسبب ضعف الخطاب السياسي لرؤساء الأحزاب والمترشحين، وعدم تفاعل غالبية المجتمع الجزائري مع الطبقة السياسية التي يرى أنها ليست في مستوى طموحاته ولا في مستوى المسؤولية.

لكن السؤال المطروح هو: هل حقق توجيه وزير الأوقاف الهدف المطلوب منه؟ والجواب عن ذلك هو أن هذا التوجيه خلق جدلا محموما بين مؤيدي إقحام المسجد في العملية السياسية من منطلق أنه لا بد من أن يضطلع بدوره في الشأن العام بما يحقق المصلحة العليا للدولة وللمجتمع دون اصطفاف، ومعارضي ذلك ليبقى جامعا لكافة المواطنين ولا يُحدث فرقة بينهم، ومن يرى أن المسجد يجب أن يهتم بكل ما له علاقة بالقضايا المصيرية والهامة، وفي كل الحالات وليس فقط الحالات التي تخدم السلطة.

حينما نتحدث عن فشل السلطة نسبيا في إقامة علاقة ثقة بينها وبين المواطن لعدم شفافية ونزاهة العملية الانتخابية التي فقدت الكثير من مصداقيتها؛ فإن المعارضة كذلك تتحمل مسؤوليتها بسبب ضعف قياداتها

وحينما نتحدث عن فشل السلطة نسبيا في إقامة علاقة ثقة بينها وبين المواطن لعدم شفافية ونزاهة العملية الانتخابية التي فقدت الكثير من مصداقيتها، مما جعل السلطة ترممها بتنصيب الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات (مارس/آذار 2016)؛ فإن المعارضة كذلك تتحمل مسؤوليتها بسبب ضعف قياداتها التي تفتقر إلى الكاريزما والمؤهلات اللازمة.

ثم إن المعارضة فشلت هي كذلك في إقناع المواطن ببرامجها الهزيلة والشكلية، والبعيدة عن التحكم في الملفات المهمة وبالخصوص المتعلقة بالاقتصاد والتنمية، كما أن تسييرها لتنظيماتها الحزبية لا يخلو من الاستبداد والفساد والانتهازية.

وقد دفعتها قطيعتها مع الشعب إلى مهادنة السلطة والخضوع لأجندتها، وإلا فكيف نفسر انقلاب بعض الأحزاب المحسوبة على المعارضة -والتي كانت في "تنسيقية الانتقال الديمقراطي"- وأعلت من سقف مطالبها وتحديها للسلطة، وهددت بمقاطعة الانتخابات لأنها من تنظيم وإشراف سلطة "مطعون في شرعيتها" لديهم.

لقد دعت هذه الأحزاب إلى الانخراط في مسعى الانتخابات، وطالبت المواطنين -بكل حماسة- بعدم التخلف عنها وبالمشاركة فيها بقوة، وزعيم حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري -الذي كان من صقور المعارضة- مدّ يده للسلطة مرة أخرى، مبدياًّ استعداده لدخول الحكومة إذا كانت الانتخابات حرة ونزيهة. وهذا بعدما خرج تنظيمه منها سنة 2012 بحجة استشراء وتفشي الفساد في مؤسسات الدولة.

انتخابات بلا جديد
تنقضي الفترة المخصصة للحملة الانتخابية -التي وضعت لها الدولة شعار "سمّع صوتك"- اليوم (1 مايو/أيار 2017)؛ والنتيجة المتوقعة -حسب المراقبين والمهتمين- لهذه الانتخابات التشريعية هي أن دار لقمان ستبقى على حالها، ولا يمكن أن يحدث أي تغيير جوهري يصب في الاتجاه الصحيح للارتقاء بالمسار الديمقراطي.

وطبقا لهذه التوقعات؛ فإن النتائج حسمتها السلطة مسبقا لصالح الأحزاب التي تمثلها، وفي مقدمتها حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، كيف لا وهذه الأحزاب تتوفر على كل الإمكانيات والوسائل المادية والبشرية، وكل النفوذ الذي يسمح لها بالحصول على الأغلبية، خاصة أن البرلمان القادم هو الذي سيمهد الطريق للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها سنة 2019.

طبقا للتوقعات؛ فإن النتائج حسمتها السلطة مسبقا لصالح الأحزاب التي تمثلها، وفي مقدمتها حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، كيف لا وهذه الأحزاب تتوفر على كل الإمكانيات والوسائل المادية والبشرية، وكل النفوذ الذي يسمح لها بالحصول على الأغلبية

وفي المقابل؛ فإن أحزاب المعارضة الأساسية الممثلة في التيار الإسلامي بفرعيه "الاتحاد من أجل العدالة والنهضة والبناء" بقيادة عبد الله جاب الله، وتحالف مدرسة المرحوم الشيخ محفوظ نحناح "حمس/التغيير" بقيادة عبد الرزاق مقري وعبد المجيد مناصرة؛ سبق أن استنزفت قوتها ورصيدها في الصراعات والخصومات الداخلية فيما بينها ولسنوات طويلة.

وقد أضر الأمر بمصداقية هذه الأحزاب لدى الشعب الجزائري في الصميم لأنها "أظهرت" أن أصحابها ليسوا أصحاب رسالة "الإسلام هو الحل"، وإنما هم طلابٌ للدنيا والكراسي، وأكبر همهم هو الحصول على بعض المناصب لخدمة مصالحهم الشخصية أو على أكثر تقدير الحزبية، وليس خدمة المشروع الإسلامي الذي جاؤوا من أجله، وبسببه نالوا ثقة الشعب الذي سحب منهم هذه التزكية إلى حد ما.

أما الأحزاب المعارضة الأخرى الممثلة في جبهة القوى الاشتراكية التي أصيبت باليتم بعد رحيل زعيمها حسين آيت أحمد، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي تراجع حضوره ووهجه بعد ذهاب قائده سعيد سعدي؛ فإنها تأتي في المرتبة الثالثة عدديا بعد أحزاب السلطة والتكتل الإسلامي.

وهذا راجع -بالدرجة الأولى- إلى أن هذا الفصيل لم يستطع أن يحقق الانتشار الجغرافي على المستوى الوطني وبقي حبيس موطنه "بلاد القبائل"، والتنظيم الوحيد الذي استطاع أن يخرج من هذه الدائرة -ولو نسبيا- هو تجمع القوى الديمقراطية الذي يتزعمه الوزير الأسبق عمار بن يونس.

وما كان ليستطيع أن يحقق ذلك لولا أنه انتقل من خندق المعارضة -حيث كان رفيقا لسعيد سعدي– إلى خندق الموالاة. ولكن تشكيلته لا يمكن أن تحقق نتائج معتبرة تؤثر في صنع القرار، بل ستكون إضافة لصالح أحزاب السلطة عند التصويت على مشاريع القوانين التي ستعرض على المؤسسة التشريعية.

محطة تهيئة للرئاسيات
إن الأهمية التي تحظى بها الانتخابات التشريعية القادمة ليست نابعة من السلطة التشريعية ذاتها، لأنها كانت وما زالت في الغالب واقعة تحت هيمنة الأحزاب الموالية للسلطة، بحيث تحول البرلمان إلى مجرد جهاز لتزكية عمل السلطة التنفيذية وسياسة أصحاب القرار.

إنما تكمن أهمية هذه الانتخابات في كونها ستوفر المناخ والظروف المناسبة لاختيار الرجل الأول الذي سيحكم البلاد في الفترة المقبلة، والذي لا يمكن أن يكون إلا ابن النظام الجزائري.

فالانتخابات الرئاسية لم يعد يفصل عنها سوى سنتين، والسؤال المطروح هو: هل من حق الرئيس بوتفليقة الترشح مرة أخرى -وفقا للدستور الجديد المعدل سنة 2016- وكأنه يخوض الانتخابات لأول مرة؟ أم إن ظروفه الصحية لا تسمح له بذلك؟ علما بأن الجزائرتمر بمرحلة صعبة وحساسة على المستوى الأمني والاقتصادي.

تكمن أهمية الانتخابات التشريعية الحالية في كونها ستوفر المناخ والظروف المناسبة لاختيار الرجل الأول الذي سيحكم البلاد في الفترة المقبلة، والذي لا يمكن أن يكون إلا ابن النظام الجزائري

ويقتضي هذا الأمر وجود رجل بمقاس هذه التحديات، فعلى المستوى الأمني تشهد الحدود الشرقية توترا بسبب الحروب القبلية في ليبيا، واختراق الجماعات الإرهابية الحدود التي تفصل بينها وبين تونس للتوغل في عمق التراب الجزائري، كما أن دول الساحل (خاصة مالي والنيجر) تشهد اضطرابات ومنازعات دائمة على الحدود الجنوبية للجزائر، ناهيك عن النزاع المزمن بين الجزائر والمغرب بسبب قضية الصحراء الغربية.

وقد زادت هذا الوضعَ المشحونَ سخونةً الحالةٌ الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الجزائر منذ تراجع أسعار البترول، مما تسبب في تراجع مداخيل العملة الصعبة التي يوفرها إنتاج البلاد من النفط بنسبة تقارب 100% من مداخيلها، والتي تقابلها محدودية التصدير في المواد الأخرى التي لا تتجاوز 02%.

وقد جعل ذلك الخزانة العمومية -أو بالأحرى الحكومة- تنتهج سياسة التقشف وترشيد النفقات، وإعطاء الأولوية للمشاريع الخدماتية الهامة مثل التعليم والصحة والسكن والطرقات. ومع ذلك فإن المقلق هو أن احتياطيات الصرف بدأت تتآكل إلى النصف، فبعدما كانت تقارب مئتيْ مليار دولار نهاية عام 2013 وصلت إلى حوالي 100 مليار دولار.

وهذه كلها مؤشرات تدفعنا للاعتقاد بأن السلطة الجزائرية فعلا في أزمة، وهذه الأزمة تقتضي وتتطلب -حسب أغلب المحللين- ضرورة البحث عن رجل قوي يخلف الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة. وهنا ندخل في معركة أخرى لا يمكن التكهن بالسيناريو الذي ستأخذه ولا بما يمكن أن تنتهي إليه!!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.