أوهام المناخ التي تراود دونالد ترمب

FILE - This July 10, 2008 file photo made with a fisheye lens shows ice floes in Baffin Bay above the Arctic Circle, seen from the Canadian Coast Guard icebreaker Louis S. St-Laurent. In the annual Arctic Report Card, released Tuesday, Dec. 15, 2015 by the National Oceanic and Atmospheric Administration. a record emerged for sea ice, which appears when Arctic Ocean water freezes. If governments are serious about the global warming targets they adopted in Paris, scientists say they have two options: eliminating fossil fuels immediately or finding ways to undo their damage to the climate system in the future. The first is politically impossible _ the world is still hooked on using oil, coal and natural gas _ which leaves the option of a major cleanup of the atmosphere later this century. (AP Photo/The Canadian Press, Jonathan Hayward)

تقول الأسطورة إن الملك كانوت العظيم اصطحب مادحيه ومداهنيه إلى البحر لكي يبين لهم أنه حتى الملك لا يستطيع أن يتحكم في موجات المحيط، وأن قوانين الطبيعة أقوى من مراسيم الرجال. وما يدعو للأسف والرثاء أن يتصور دونالد ترمب أن أوامره التنفيذية قادرة حقا على إيقاف موجات المد.

الواقع أن ترمب محاط بالندماء والرفاق المقربين وليس المداهنين، ومن الواضح أنهم ومعهم ملكهم "الأحمق" "الجاهل" يعتقدون أنهم قادرون بإنكار تغير المناخ على استعادة ثروات وأمجاد الفحم والنفط والغاز. ولكنهم مخطئون. فالجشع لن يعكس مسار تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية، ولن تتمكن أوامر ترمب التنفيذية من إيقاف العملية العالمية المتمثلة في التخلص التدريجي من الفحم والنفط والغاز لصالح طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والمائية، والنووية، والحرارية الأرضية، وغير ذلك من مصادر الطاقة المنخفضة الكربون.

يتلخص دافِع ترمب المهيمن في خدمة المصالح الاقتصادية لصناعات الفحم والنفط والغاز في الولايات المتحدة، والتي تساهم بقدر كبير في تمويل الحملات الانتخابية ودعم وسائل الإعلام لصالح الجمهوريين في الكونغرس وحكومات الولايات في مختلف أنحاء البلاد. وهو فساد سياسي باختصار

في أقل من 100 يوم، علمنا أن ترمب رجل يعيش في عالم الخيال. وهو يصدر المراسيم والأوامر، ويرسل التغريدات في منتصف الليل، ولكن دون جدوى. ذلك أن الحقائق ـ غير الزائفة، وليس ذلك النوع من حقائقه "البديلة"- تظل تتدخل. فهناك الفيزياء؛ وهناك القانون، وهناك المحاكم؛ وهناك إجراءات؛ وهناك ناخبون وافق 36% منهم فقط على أداء ترمب الوظيفي. وهناك أيضا الصين، التي تكسب تكنولوجيا ودبلوماسيا من كل خطوة مدمرة للذات من قبل الرئيس الأميركي الذي يفتقر إلى الكفاءة.

ينطوي الوهم الأخير على تغير المناخ. فقد أصدر ترمب أوامر تنفيذية يزعم أنها ستقلب سياسات المناخ التي انتهجها الرئيس السابق باراك أوباما. وسوف تعمل أوامره على إلغاء اللوائح التنظيمية لخطة الطاقة النظيفة التي وضعتها هيئة الحماية البيئية في الولايات المتحدة؛ وخفض معايير مراقبة انبعاثات غاز الميثان الناتجة عن إنتاج وتوزيع النفط والغاز؛ وإنهاء الاستخدام التنظيمي لما يسمى "التكلفة الاجتماعية للكربون"، التي قدمتها هيئة الحماية البيئية لمعايرة القيمة الدولارية للأضرار المناخية الناجمة عن انبعاث كل طن إضافي من ثاني أكسيد الكربون.

يرى ترمب أن هذه التدابير الجديدة من شأنها أن تعمل على خلق فرص عمل جديدة في قطاع الفحم، وتحقيق "استقلال الطاقة" للولايات المتحدة، وتعزيز النمو الاقتصادي. بالإضافة إلى هذا، أعطى ترمب مؤخرا الإذن ببناء خط أنابيب كيستون الأربعين من ألبرتا في كندا إلى ولاية نبراسكا في الولايات المتحدة، بهدف ربط رمال النفط في كندا بمصافي النفط في الولايات المتحدة. وقد رفض أوباما هذا المشروع على أساس أنه قد يؤدي إلى تفاقم الانحباس الحراري الكوكبي.

يتلخص دافِع ترمب المهيمن في خدمة المصالح الاقتصادية لصناعات الفحم والنفط والغاز في الولايات المتحدة، والتي تساهم بقدر كبير في تمويل الحملات الانتخابية ودعم وسائل الإعلام لصالح الجمهوريين في الكونغرس وحكومات الولايات في مختلف أنحاء البلاد. وهو فساد سياسي باختصار: السياسات الحكومية في مقابل الإنفاق على الحملة.

وتُعد إكسون موبيل، والغرفة التجارية الأميركية، وكوخ إندستريز من اللاعبين الرئيسيين جميعها، وكل أعضاء الكونغرس تقريبا متورطون في هذا السلوك المشين. وهم على استعداد للظهور بمظهر الحمقى أمام عامة الناس -بإنكار علوم المناخ والانحباس الحراري الكوكبي- ما دام هذا كفيلا بالحفاظ على تدفق أموال الحملة. وسواء كان ترمب ذاته أحمق بالقدر الكافي لتصديق ما يقول شخصيا، فهو يدرك أن أوامره التنفيذية تلعب على البقعة المثالية في السلطة الجمهورية.

ولكن كما هي الحال مع العديد من قرارات ترمب، كان ما تحقق أقل كثيرا من المتوقع. فأولا، لا يستطيع ترمب أن يوقف موجات المد أو مستويات المحيط المتزايدة الارتفاع في حالة الانحباس الحراري الكوكبي. والعلم حقيقي، حتى وإن كان ترمب سعيدا بإظهار جهله العملي.

وثانيا، يُدرك العالَم أن تغير المناخ حقيقي. فقد وقعت كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على اتفاق باريس للمناخ في عام 2015. وقد شهد كوكب الأرض للتو أكثر ثلاث سنوات سخونة في التاريخ المسجل. كما ترتفع درجة حرارة المحيطات بشكل كبير (مؤخرا تسبب هذا في إلحاق الضرر بنحو 93% من الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا في هذه العملية). ولن يغير جهل ترمب واستهزاؤه بعقول الناس ولن ينجح في اجتذاب أي أتباع على الصعيد العالمي.

وعلاوة على ذلك، سوف تكون تصرفات ترمب موضع طعن في المحاكم، ويكاد يكون من المؤكد أنه سيخسر. صحيح أنه قد يستميل قلة من الناخبين في وست فرجينيا وقد يحظى بثناء ومديح كوخ إندستريز. ولكنه لن يتمكن من إسقاط القواعد التنظيمية التي أقرتها هيئة الحماية البيئية فيما يتصل بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

الواقع أن هذه المعايير محمية بموجب قانون الهواء النظيف، ويفتقر ترمب إلى الأصوات في الكونغرس -بفارق واسع- لتغيير هذا التشريع. ويفضل الناخبون الأميركيون بفارق كبير التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري ونحو الطاقة المتجددة. فحتى في ظل السياسة الأميركية الفاسدة، تظل آراء الناخبين عظيمة الأهمية.

أراهن على أن خط أنابيب كيستون الأربعين، الذي سيكلف عدة مليارات من الدولارات، لن يُبنى أبدا. فالعالَم لا يحتاج إلى رمال كندا النفطية، نظرا للاحتياج العالمي الملح إلى الانتقال إلى مصادر طاقة تُطلق صفرا من الانبعاثات الكربونية. واستخراج النفط من رمال كندا النفطية مكلف، وشديد التلويث، وبعيد عن الأسواق

ولن يتمكن ترمب من إحياء قطاع الفحم الميت. فكل العوامل أصبحت ضد الفحم في أيامنا هذه؛ فهو يسبب أمراض الرئة بين عمال المناجم والأشخاص الذين يعيشون بالقرب من محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم. وهو يُطلق قدرا أكبر من ثاني أكسيد الكربون عن كل وحدة من الطاقة مقارنة بالنفط والغاز، كما أصبح الفحم -وكل أشكال الوقود الأحفوري- خاسرا على نحو متزايد في المنافسة مع طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الكهرومائية، وغير ذلك من مصادر الطاقة التي تُطلق صفرا من الانبعاثات الكربونية.

أما عن فرص العمل، فإن عمليات تعدين الفحم تُدار آليا حتى أصبح القطاع بالكامل يوظف بضعة عشرات من الآلاف فقط من العمال في قوة عمل تتجاوز 150 مليون عامل. ولن يلعب قطاع تعدين الفحم أي دور مهم في اتجاهات تشغيل العمالة في الولايات المتحدة في المستقبل، سواء في وجود ترمب أو غيابه.

ولنفس السبب، أراهن على أن خط أنابيب كيستون الأربعين، الذي سيكلف عِدة مليارات من الدولارات، لن يُبنى أبدا. فالعالَم لا يحتاج إلى رمال كندا النفطية، نظرا للاحتياج العالمي الملح إلى الانتقال إلى مصادر طاقة تُطلق صفرا من الانبعاثات الكربونية. واستخراج النفط من رمال كندا النفطية مكلف، وشديد التلويث، وبعيد عن الأسواق. وبصرف النظر عن موافقة ترمب، فمن المرجح أن يرفض المستثمرون خط الأنابيب الذي ربما يفلس قبل بلوغ الأفق المخطط لاستخدامه.

ولن تتأثر الصين وأوروبا، بل وحتى دول منطقة الخليج بتحركات ترمب؛ فالصين عازمة على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتنظيف هوائها، واكتساب لقب رائدة القرن الحادي والعشرين في التكنولوجيات المنخفضة الكربون مثل الألواح الضوئية والمركبات الكهربائية. وقد قطعت أوروبا شوطا طويلا على الطريق نحو اقتصاد بلا كربون. والآن تقوم دول الخليج بنشر قدرة جديدة كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية.

في نهاية المطاف، ربما نندهش من حماقة الرئيس الأميركي وفساد الحزب الجمهوري الأميركي؛ ولكن لا ينبغي لنا أن نتصور أن أوهام ترمب فيما يتصل بالمناخ قد تغير الواقع العالمي أو تحول دون تنفيذ اتفاق باريس للمناخ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.