وضع خطط لمواجهة الرئيسة لوبان

Marine Le Pen, French National Front (FN) political party leader and candidate for French 2017 presidential election, attends a political rally in Monswiller, near Strasbourg, France April 5, 2017. REUTERS/Christian Hartmann

بعد تصويت المملكة المتحدة الفجائي لترك الاتحاد الأوروبي وفوز دونالد ترمب غير المتوقع في الانتخابات الرئاسية الأميركية العام الماضي؛ قد يظن المرء أن المسؤولين الأوروبيين وضعوا خطط طوارئ مفصلة في حالة انتصار رئيسة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة. لكن لا شيء حدث من هذا القبيل.

إن فكرة تولي لوبان الرئاسة مرعبة جدا -على ما يبدو- مما يشكل تهديدا لمستقبل أوروبا، ولا يزال الكثيرون لا يقبلونها، فبالأحرى التخطيط لها. ولكن هذا التهديد يستوجب على أوروبا معالجة جدية لإمكانية فوزها، ولو كان ذلك من غير المحتمل.

وما من شك في أنه بصفتها رئيسة لفرنسا، يمكن أن تلحق لوبان أضرارا جسيمة بالمشروع الأوروبي. فقد قالت إنها وضعت نفسها على نقيض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وتعهدت بمغادرة منطقة شنغن ومنطقة اليورو.

أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي نفسه، فإنها تعد بأن تسير على خطى المملكة المتحدة وإعادة التفاوض على شروط عضوية بلدها، ومن ثم استدعاء استفتاء. وإذا رفض الاتحاد الأوروبي الإصلاحات التي تطلبها لوبان فستقوم بحملة لخروج فرنسا من الاتحاد (فريكست). ولكن ستكون هناك اختلافات هامة بين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي(البريكست) و"فريكست".

إن فكرة تولي لوبان الرئاسة مرعبة جدا -على ما يبدو- مما يشكل تهديدا لمستقبل أوروبا، ولا يزال الكثيرون لا يقبلونها، فبالأحرى التخطيط لها. ولكن هذا التهديد يستوجب على أوروبا معالجة جدية لإمكانية فوزها، ولو كان ذلك من غير المحتمل

وفي حين يتصور العديد من البريطانيين المشككين في جدوى الاتحاد الأوروبي إقامة تجارة دولية مع العالم، تريد لوبان إدخال سياسات حمائية. وبدلا من الانفتاح، تريد لوبان -التي تدعي أنها الآن ديغولية- تعميق علاقات فرنسا مع "القوى العظمى" ولا سيما مع روسيا والولايات المتحدة، لأنها تركز على الدفاع عن القيم المسيحية "التقليدية" ومحاربة الإرهاب في سياق النظام العالمي المتعدد الأقطاب.

ولتحقيق هذه الأهداف، وعدت لوبان بزيادة الإنفاق على الدفاع الفرنسي بنسبة 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي (هدف حلف الناتو هو 2٪)، مع توضيح للناخبين بأن هذا الإنفاق لن يدعم بعثات الاستقرار في أفريقيا.

وبهذا المعنى، فإن انتصار لوبان سيشكل قطيعة ليس فقط مع التيار الأوروبي، ولكن أيضا مع التوجه الإستراتيجي الفرنسي على مدى العقود القليلة الماضية.

ومما لا شك فيه أن استطلاعات الرأي تصب في صالح الوسط المستقل بزعامة إمانويل ماكرون في الجولة الثانية. لكن الكثيرين يخشون من أن مؤيدي ماكرون ربما لن يجدوا أي تحفيز للخروج للتصويت ضد لوبان.

في الواقع وخلال الأشهر الأخيرة؛ ظل الدعم الشعبي لصالح لوبان مستمرا إلى حد ما، حيث كانت استطلاعات الرأي في الجولة الأولى مستقرة، حتى مع إخماد نار السياسة الفرنسية بسبب الاضطرابات والريبة.

وقد تسببت هذه العاصفة السياسية الكاملة في انقسام نظام الحزب الثنائي بفرنسا إلى أربعة أحزاب، ولم يؤدّ ذلك إلى عدول الأشخاص المفضَّلين عن الترشح، بينما تركوا لوبان سالمة إلى حد كبير.

وتكمن الأسباب وراء ارتفاع شعبية لوبان بقدر كبير في مراجعة إستراتيجية الجبهة الوطنية والتغيرات التي عرفها المشهد السياسي الخارجي. فقد تمكنت من الهروب من غيتو اليمين المتطرف باتباع إستراتيجية ضخمة شكلها حليفها فلوريان فيليبو، بهدف توسيع نداء الجبهة إلى المجموعات الرئيسية التي تجنبها في السابق، وخاصة موظفي القطاع العام والنساء والكاثوليك.

ومع تقدم فيليبو بهذه الخطة -مدعيا أن الجبهة الوطنية "ليست من اليمين ولا من اليسار"- فإنه عمل أيضا على التحضير لحكومة بقيادة لوبان. ولهذه الغاية، يسعى إلى بناء نخبة سياسية جديدة للعمل في حكومة الجبهة الوطنية، ومحاولة التغلب على مقاومة أجندة الحزب من "الدولة العميقة" في فرنسا، مستكشفا ما يستطيع وما لا يستطيع الرئيس القيام به -بما في ذلك الدعوة إلى الاستفتاءات- دون إذن من البرلمان.

يتعين على قادة أوروبا أيضا أن يفكروا في كيفية الاستجابة لطلب لوبان إعادة التفاوض على شروط عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي، وإلى أي حد ينبغي أن يقاوموا جهودها الرامية إلى إخراج فرنسا من بقية أوروبا؟

وبالمقارنة مع لوبان وفريقها؛ يبدو أن قادة أوروبا غير مستعدين. وبطبيعة الحال -ومع الكثير من المجهول- هناك خطط قليلة يمكن أن يتقاسموها علنا؛ والواقع أن أي تصريحات في هذه المرحلة الدقيقة قد تعطي نتائج عكسية. ولكن هذا لا يعني أن قادة الاتحاد الأوروبي يجب أن يكتفوا بالقول إن فوز لوبان سيؤدي إلى نهاية الاتحاد الأوروبي.

وبدلا من ذلك، على قادة الاتحاد الأوروبي أن يفكروا جيدا لتحديد إلى أي مدى سيكونون قادرين على التصدي لرئاسة لوبان؟ فحتى لو فازت فإنها ستكافح للحصول على الأغلبية البرلمانية.

وهذا يعني أنها قد ترضخ لما يُدعا بالفرنسية "المعايشة" مع برلمان ورئيس وزراء معادييْن. هل يمكن لقادة الاتحاد الأوروبي الآخرين تشكيل تحالف غير رسمي مع عناصر الحكومة الفرنسية؟

ويتعين على قادة أوروبا أيضا أن يفكروا في كيفية الاستجابة لطلب لوبان إعادة التفاوض على شروط عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي، وإلى أي حد ينبغي أن يقاوموا جهودها الرامية إلى إخراج فرنسا من بقية أوروبا؟ وهل يجب على المفوضية الأوروبية أن تضع خططها الخاصة للخروج الفرنسي من منطقة اليورو وشنغن؟

وهناك إمكانية تسهيل خروج فرنسا من الاتحاد الأوربي خشية محاولة لوبان تفكيك الاتحاد الأوروبي من الداخل، عبر بناء تحالفات مع رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان. إنها حقا فرضية ينبغي النظر فيها.

ولا ينبغي الاستخفاف بهذه الأسئلة الواقعية الصعبة. وهذا مهم بالضبط لأن طرحها في العراء يدل على مدى الانزعاج الذي سيحصل في حالة فوز لوبان. وفي الواقع ومن وجهة نظر الاتحاد الأوروبي؛ إن انتخاب رئيس عدائي في فرنسا -بلد جان مونيه- سيكون أكثر تدميرا من "بريكسيت".

وإذا تعلمنا شيئا واحدا من عام 2016 الرهيب، فإن استطلاعات الرأي منقوصة. وبدلا من التغاضي، نأمل -هذه المرة- أن يبدأ الاتحاد الأوروبي في الإعداد لأسوأ السيناريوهات. وقد لا تُنفذ هذه الخطط مستقبلا، لكن على زعماء أوروبا إيجادها الآن بدلا من الندم عليها في وقت لاحق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.