فلسطين والبحث عن حلول غير مجدية

bllogs القدسA general view of Jerusalem's old city shows the Dome of the Rock in the compound known to Muslims as Noble Sanctuary and to Jews as Temple Mount, October 25, 2015. Palestinian officials reacted warily on Sunday to what U.S. Secretary of State John Kerry hailed as Jordan's "excellent suggestion" to calm Israeli-Palestinian violence by putting a sensitive Jerusalem holy site under constant video monitoring. REUTERS/Amir Cohen

يجري استسهال طرح خيار "حل الدولتين" كحل للقضية الفلسطينية، ولا يجري التوقف عنده بموضوعية تبين حقيقة حال الدولة الفلسطينية المتاحة في ظل ما يطرح الآن ومن كل الأطراف المعنية أو المتدخلة، وخاصة العربية والإسلامية، لكون الأمر يغري كورقة سياسية.

ولكن المشكلة تظهر عند الحديث عن أمر بحجم القدس وفلسطين؛ فتوحد العالم الإسلامي تحت قيادة واحدة لا هو أولوية ولا حتى مطلوب أو مقبول من الشعوب المسلمة (وهو ما وعاه الرئيس رجب طيب أردوغان مؤخرا فاكتفي برصيد تسجيله هدفا على بيريز وتسيير سفينة مرمرة)، ومن يطمحون له يضعون على عواتقهم عبء التنافس على كأس مفترض لبطولة نهائية لا يمكن أن تنعقد. فالسيادة على أي من المقدسات الإسلامية شرف، ولكنه حق وواجب لا يكون إلا للدولة والشعب التي تقوم تلك المقدسات على أرضها. ومن هنا فإن خدمة تلك المقدسات تكون بخدمة قضية الشعب صاحب الأرض والولاية عليها.

ومشكلة المقدسات الإسلامية في القدس أن المسجد الأقصى تحديدا هو أن إسرائيل تزعم -استنادا لأساطير مختلقة في تاريخ مختلق على يد كهنوت وساسة- وجود حق تاريخي لها فيه بوجود هيكل تريده تحديدا تحت المسجد الأقصى. والهدف هو إزالة المسجد الأقصى كخطوة حاسمة في مسار إزالة الهوية العربية الإسلامية للقدس والتي يجسدها عمليا الشعب الفلسطيني صاحب الأرض الشرعي الوحيد، ولهذا بدأت الصهيونية بنفي وجود شعب فلسطيني أصلا (زعم أن فلسطين أرض بلا شعب)، ثم بتصنيفه كمحتل "لأرض إسرائيل" المخصصة لهم من الرب (إلههم يهوه)، لا المتأتية بشرعية دولية.

فالشرعية الدولية لم تتوفر حتى لقرار الاعتراف بإسرائيل، كون ميثاق الأمم المتحدة يرفض احتلال أي أرض بالقوة، وحتى قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة الخارق لهذا المبدأ في مايو/أيار 1949، بعد رفضه من قبل في نهايات عام 1948، جاء لكون إسرائيل تعهدت بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وذكرت تحديدا قرار التقسيم الصادر عام 1947، وقرار حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.

لا تتوفر شرعية دولية لقرار الاعتراف بإسرائيل، لأن ميثاق الأمم المتحدة يرفض احتلال أي أرض بالقوة، وحتى قبول عضوية إسرائيل بالأمم المتحدة الخارق لهذا المبدأ والصادر في مايو/أيار 1949، بعد رفضه من قبل في نهايات عام 1948، جاء لكون إسرائيل تعهدت بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة

وكلا القرارين لم تطبقه إسرائيل حينها ولو بوقف التهجير، أو الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1948، بل تسلحت لعدم الانسحاب باتفاقيات ترسيم مصر ولبنان والأردن للحدود (الخط الأخضر) معها في مؤتمر رودس قبل قبولها بأيام (سوريا رسمت حدودها لاحقا بعد أكثر من شهرين من قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة). وها هي تتحدى الشرعية الدولية باحتلال كامل فلسطين والاستيطان فيها.

ولكن ما خفي على البعض هو أن إسرائيل تريد حل الدولتين المشوه مرحليا لتشرع -صراحة- في مشروع الترانسفير، علما بأنها سبق وأن أخذت موافقة ضمنية من أكثر من جهة على "يهودية الدولة" في مقدمتها "السلطة الفلسطينية". ونذكّر هنا بإعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه بإمكان إسرائيل أن تسمي دولتها "يهودية أو ما تشاء"، مقابل الكيان المشوه المفتقد لأية مقومات أو معالم وسيسمى "دولة فلسطينية"!

وتصل "المساومة"، بظن إمكانية الربح حين يصبح العنوان دينيا، لعروض من مثل "جسر هوائي" يصل سكان كنتونات ما سيسمى دولة فلسطينية بالمسجد الأقصى للصلاة فيه.. ولم لا ما دامت المعركة قلصت منذ عقود لحق الصلاة في المسجد الأقصى، في إسقاط كلي لفكرة كون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وهو ما يوحي للعالم المحايد بأنه يفي الفلسطينيين المسلمين حقهم، كما يفترض أن وصاية الهاشميين، التي استبقت إسرائيل الجميع -ولحقها مؤخرا محمود عباس بما يؤشر على تخليه عن المقدسات- بإيرادها في بند عائم في اتفاقية وادي عربة.

وقصد إسرائيل هو رفض حق الشعب الفلسطيني في أرضه، والذي يتضمن السيادة على مقدساتها سواء الإسلامية أو المسيحية، كما على كل ما فوق أرضه وما في جوفها. فالحروب التي تقوم حول تنازع مصادر المياه الجوفية والسطحية وحصصها وحول التنازع على الثروات المعدنية أكثر من كل التي قامت حول التنازع على المقدسات أو بزعمها.. والأخيرة، أي زعم التنازع على مقدسات هو ما تفعله الصهيونية العالمية منذ تأسيسها على يد رأسماليين يهود "علمانيين"، للتغطية على حقيقة ما تنازع عليه من أرض إستراتيجية وثروات طبيعية.

ويؤكد هذا سلاسل الحروب التي طالت سوريا والأردن ولبنان حد احتلال الأخيرة (وكان هذا قبل اكتشاف النفط في قاع شرقي البحر المتوسط مؤخرا)، وهي حروب سعت للسيطرة على نهر الأردن ومنابعه، ليس لقدسيته التي هي لدى المسيحيين وتنحصر في موقع المغطس، بدلالة استهدافها لأنهار لبنانية لا تصب في مجرى الأردن، كنهر الليطاني.

ولا تزال مصادر المياه والتربة الغنية، إضافة للنفط الآن، مطمعا رئيسيا لإسرائيل لا يمكن ربطه بأية ذريعة دينية. ومن قبلها لم تكن "الحروب الصليبية" شنت لأجل تحرير المقدسات المسيحية من حكم المسلمين لأهل البلاد وأصحاب الأرض التي تقوم عليها المقدسات، بعد أن أسلموا وبقيت منهم أقلية مسيحية لم تكن تشكو أي تمييز ولم يكن يُردّ عن أرضها أي حاج أوروبي.. بل شنت لأن خزائن ملوك أوروبا (الإقطاعية) فرغت بعد شفط كل ما في جيوب فلاحيها، فجرى تجنيدهم في جيش لغزو ونهب أرض فلسطين الغنية.

هل سيقبل أبناء يافا وحيفا وعكا وكل مدن وقرى فلسطين المحتلة عام 48، بالعودة للضفة الغربية وتناسي مدنهم وبلداتهم وقراهم؟ والأهم هل سيقبل من بقي في تلك المدن والبلدات والقرى وتحملوا الويل لنحو قرن من الزمن، ترحيلهم المخطط له للدولة الفلسطينية، بل وعبرها للأردن ولكل أصقاع العالم؟! الجواب حتما هو لا

وهذا لا يلغي حقيقة أن عامة المسلمين يريدون تحرير المقدسات في القدس بصورة رئيسية، ومن بعدها الخليل. بل إن هدف التحرير هذا ملحّ كونه لازم لحماية تلك المقدسات التي تسعى إسرائيل لتدميرها، وتجند لذلك متطرفيها الذين استثمرتهم الصهيونية، بل وأنبتتهم كجيش "عقائدي" لحروبها (نسخة يهودية سابقة على داعش ومطابقة لها) لا يقف عند أي وازع خلقي أو إنساني، وهو خطر سيظل ماثلا حتى إن جرى قبول حل الدولتين، كون المتطرفين يحظون بدعم الدولة الأقوى، وضعف الدولة الفلسطينية المتاحة محسوم بداية.

فلو قبلنا جدلا ضمانة سلامة المقدسات، فهل سيكفي الجسر الذي سيربط المسجد الأقصى بنتف الأراضي المشتتة والمحاطة بالمستوطنات والتي ستعتبر أرض دولة فلسطين، للقول بأنه بات للفلسطينيين دولة ومقدسات مصانة؟ حتى لو جرى وصل تلك النتف بإخلاء بعض المستوطنات، أو حتى أزيلت أغلب المستوطنات، هل ستصبح للفلسطينيين دولة؟ بل حتى إذا انسحبت إسرائيل من الضفة الغربية كلها إلى حدود ما قبل حرب الـ67 وسمح للفلسطينيين المهجرين بالعودة إليها، هل سيصبح لهم دولة؟

هل سيقبل أبناء يافا وحيفا وعكا وكل مدن وقرى فلسطين المحتلة عام 48، بالعودة للضفة الغربية وتناسي مدنهم وبلداتهم وقراهم تلك؟ والأهم هل سيقبل من بقي في تلك المدن والبلدات والقرى وتحملوا الويل لما يقارب القرن من المحتل الصهيوني، ترحيلهم المخطط له للدولة الفلسطينية، بل وعبرها للأردن ولكل أصقاع العالم؟! الجواب حتما هو لا كبيرة. فلم الخوض في حلول كهذه؟ّ

الحل هو ما سيأتي وحده بفعل الزمن مهما تأخر، ولكن يمكن تسريعه؛ وهو حل "الدولة الواحدة" التي ستعيد فلسطين موحدة لكامل شعبها الذي يملك حق العودة إليها. ولمن يقول إنه لا يمكن انتظار حل كهذا يأتي به الزمن، نذكر بأن الحلول المسماة اتفاقيات سلام (كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة) كانت كلها كارثية، ومن أخف كوارثها افتراض وجود سلام مع إسرائيل وتصنيف مقاومة الاحتلال دوليا باعتبارها "إرهابا".

هذه الاتفاقيات يجهد الوطنيون المخلصون الآن في محاولة إلغائها، ويتمنى كل عربي لو لم تبرم.. ومن قبلها لو لم تبرم اتفاقيات الحدود في رودس، والتي أتاحت الاعتراف الدولي بإسرائيل مع إضافة ما احتلته عام 48 لها بدل انسحابها لخطوط التقسيم عام 1947.. وهو الانسحاب الذي أعلنت إسرائيل قبولها به ليقبلها المجتمع الدولي في صفوفه، ولكن العرب استبقوه بأيام فقط بتنازلات رودس!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.