مصر تحت نار الإرهاب

Egyptian policemen stand at the site of attack on a police checkpoint in Arish, Sinai Peninsula, Egypt, 09 January 2017. Reports state seven policemen and one civilian were killed in an attack on a police checkpoint in Egypt's Sinai Peninsula. EPA/STRINGER BEST QUALITY AVAILABLE

اهتزاز الحراك المصري
إقصاء الإسلام السياسي
ممارسات الأنظمة القمعية 

لم تكن مصر بعيدة عن نشاطات الإرهابيين لأسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية، وكان من المتوقع أن يعاني الشعب المصري من ضربات الإرهابيين التي لا تمييز فيها.

فقد عانت مصر وما زالت من مشاكل وهموم اقتصادية صعبة ميزت حياة أعداد كبيرة من الناس بالفقر والضنك، والأوضاع الاجتماعية فيها ليست على ما يرام من زوايا بعض الأمراض الاجتماعية والازدحام السكاني والحاجة للمساكن، وسوء أوضاع العديد من الأحياء الشعبية.

كما أن مصر تعاني كثيرا من هبوط مستوى التعليم، ومستوى الوعي بهموم مصر وطرق التغلب عليها. هذا فضلا عن أن مصر فقدت قيادتها للوطن العربي، ومكانتها الإقليمية أصيبت بضرر كبير. وفي المجمل العام، فإن أوضاع مصر لا تَسُرّ صديقا، وشكلت بيئة حاضنة للجريمة والإرهاب.

اهتزاز الحراك المصري
لم يكن الحراك المصري -الذي وُصف بأنه جزء من حركة الربيع العربي- موّفقا تماما، وشابه نوع من الفشل أصاب المصريين بنوع من الإحباط. ففضلا عن التقصير القيادي الذي حصل إبان الحراك، فإن النتائج لم تكن على قدر التضحيات التي قدمها شعب مصر.

لم يوحِّد الحراك المصري أهلَ مصر، وانتهى إلى شق الصفوف واحتدام الاستقطاب السياسي في الشارع المصري. ولم تتطور قيادة رشيدة قادرة على جمع كلمة المصريين وحشد طاقاتهم، وفق رؤى إستراتيجية واضحة تُخرج المصريين مما عانوا منه عبر سنوات طوال، حتى إن مشكلة مياه النيل ازداد ثقلها على الشعب والحكومة على حد سواء

كان الشعب المصري يتطلع إلى حصول تحولات جذرية في أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لكن التطورات التي أعقبت غياب حسني مبارك لم تكن على قدر التطلعات. فلا الأوضاع الاجتماعية تحسنت، بل اضطرت مصر أن تعمل وكيلا عند دول خليجية طمعا في مساعدات مالية واقتصادية، ولم تتمكن من استعادة دورها التاريخي في قيادة الوطن العربي.

كما اضطرت مصر إلى أن تحني رأسها أمام الحرب على اليمن، ولم تتمكن من أخذ دور في إعادة الأوضاع الصحية في العراق وسوريا، وكان عليها أن تخطو خطوات غير حميدة باتجاه قطر.

لم يوحِّد الحراك المصري أهلَ مصر، وانتهى إلى شق الصفوف واحتدام الاستقطاب السياسي في الشارع المصري. ولم تتطور قيادة رشيدة قادرة على جمع كلمة المصريين وحشد طاقاتهم، وفق رؤى إستراتيجية واضحة تُخرج المصريين مما عانوا منه عبر سنوات طوال، حتى إن مشكلة مياه النيل ازداد ثقلها على الشعب والحكومة على حد سواء.

لم تُحْسن القوى المصرية روحَ الشراكة التي سادت إبان الحراك ضد الرئيس مبارك؛ فقد جمع ميدان التحرير مختلف القوى بصدق نحو تغيير الأوضاع السياسية عسى يكون في ذلك ما يغير الأحوال المصرية عموما، لكن ما انتهى الحراك حتى بدأ التنابز وظهرت الخلافات بين هذه القوى. وكان العرب سعداء بذهاب المصريين لصناديق الاقتراع ليختاروا ممثليهم بكل حرية وشفافية ونزاهة.

لكن الإخوان المسلمين الذين فازوا بالانتخابات لم يكونوا ذوي خبرة ومعرفة سياسية كافية لإدارة شؤون البلاد بحنكة وروية وروح وحدوية. وللأسف طغت العادة العربية الاستئثارية على أسلوب الحكم، ولم يتمكن الرئيس المنتخب محمد مرسي من تدارك الأمور، وحصل الانقلاب العسكري الذي أدى به إلى غياهب السجون.

لقد أخطأ الرئيس مرسي ورفض أن يأخذ بنصائح من كانوا له فعلا ناصحين، لكن المشكلة الكبرى أن هناك من عمل على تصحيح الخطأ بخطيئة. فالانقلاب كان خطيئة كبيرة بحق التاريخ المصري وحق شعب مصر، وأدخل البلاد في الكثير من التنافر والعداوات ورغبات الانتقام. إن الخطأ لا تعالجه الخطيئة، لأنها ذات مردود سلبي أضعاف ما يترتب على الخطأ.

إقصاء الإسلام السياسي
النظام الجديد بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لا يوازن الأمور، ولا يقيم علميا النتائج التي تترتب على إجراءات أمنية وسياسية وقضائية قاسية. حظر النظام الجديد حركة الإخوان المسلمين وصنفها إرهابية، رغم أنها ذات امتداد واسع في الشارع المصري وتمكنت من الفوز في الانتخابات.

وهذا جزء من البلَه السياسي العربي الذي لا يحسب عقليا ومنطقيا وعلميا. ومثل مصر؛ سارت السلطة الفلسطينيةفي ملاحقة من فازوا بالانتخابات على أنهم مجرمون.

لم يتوقف نظام السيسي عند عزل الرئيس المنتخب مرسي وسجنه، بل أخذ يلاحق كل القيادات الإخوانية وعناصر حركتهم، واستأجر القضاء ليطلق أحكام الإعدام بالجملة، وكذلك أحكام الأشغال الشاقة والعزل من الوظائف… إلخ. وهذه أعمال خطيرة جدا لأنها تمس عشرات الملايين من الناس، والنظام بأفعاله إنما كان يعادي أبناء شعبه ويزرع فيهم روح الانتقام والثأر

لم يتوقف النظام عند عزل الرئيس المنتخب وسجنه، بل أخذ يلاحق كل القيادات الإخوانية وعناصر حركتهم، واستأجر القضاء ليطلق أحكام الإعدام بالجملة، وكذلك أحكام الأشغال الشاقة والعزل من الوظائف… إلخ. وهذه أعمال خطيرة جدا لأنها تمس عشرات الملايين من الناس، والنظام بأفعاله إنما كان يعادي أبناء شعبه ويزرع فيهم روح الانتقام والثأر.

من يقوم بهذه الإجراءات القاسية ضد شعبه عليه أن يتوقع تكاثر مشاعر الكراهية والبغضاء والأحقاد، وعليه أن يتوقع حالات كثيرة تمس الأمن الداخلي، وتؤدي إلى صراعات دموية.

النظام المصري بقيادة السيسي لم يحسبها جيدا رغم أن مصر تعج بخبراء علميْ النفس والاجتماع، الذين يمكن أن يقدموا الرؤية العلمية للنتائج المترتبة على قمع الآخرين وإقصائهم وحرمانهم. هدفت ثورة مصر إلى توسيع المشاركة الشعبية والحزبية في صناعة القرار وإدارة الدولة، فإذا بالنظام الجديد يتبع أبشع أنواع الإقصاء.

هناك من أدخل في عقول العرب أن إقامة أحزاب دينية سياسية جريمة كبيرة تُلحق الضرر بالمجتمعات العربية، ولم يفسر لنا أحد حتى الآن لماذا يشكل الحزب السياسي الإسلامي خطرا، لكن الحزب المسيحي السياسي يشكل فضيلة.

هناك أديان وأيديولوجيات وفلسفات كثيرة، وكل منها تسعى نحو استلام السلطة وتطبيق ما تؤمن به بطريقة أو بأخرى. ألا توجد أحزاب مسيحية في أوروبا تسعى لاستلام السلطة وتنفيذ برامجها؟ ألا توجد أحزاب شيوعية تعمل ليل نهار على تحسين أوضاعها الانتخابية؟ ألم يقم الكيان الصهيوني على رؤى دينية، وما زال يواصل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وفقا لتعاليم دينية؟

لقد ألحق الكيان الصهيوني أذى هائلا بالأمة العربية، وتسبب في مصرع عشرات الآلاف من الفلسطينيين والمصريين واللبنانيين والأردنيين والعراقيين والسوريين، ورغم ذلك؛ يجوز لهم تشكيل أحزاب سياسية لكنه لا يجوز للمسلمين.

إذا كانت هناك مشكلة مع الأحزاب الدينية الإسلامية فهي متعلقة ببرامج إقصاء الآخرين وإجازة قتلهم ونفيهم وما شابه ذلك، ولكن لا مشكلة مع المعيار الديمقراطي الذي يجب أن ينطبق عليهم كما ينطبق على الآخرين، وهذه مسألة يمكن حلها بالحوار لا بالقتال. أنا أدرك أن بعض الإسلاميين محنطون عقليا وليس من السهل محاورتهم، لكن يجب أن تستمر المحاولات لتحقيق الأمن والسلم الأهلييْن.

ممارسات الأنظمة القمعية
والمسألة هنا تتلخص في السؤال: ماذا سيكون رد فعل الإسلاميين عندما يُحرَمون من أبسط حقوقهم في المشاركة والحرية؟ إنها دعوة لهم للتمرد وحمل السلاح. وهذا ليس تبريرا للجرائم التي يقترفها بعضهم في الشارع والمؤسسات والأماكن الدينية، لكن عدم إنصافهم يساهم في تطرفهم.

جزء كبير من الدمار الذي لحق بدول عربية ناتج عن ممارسات الأنظمة العربية الهوجاء الظالمة التي ألحقت أذى كبيرا بالناس. إن ممارسات الأنظمة العربية مرعبة وإرهابية، وتزرع الخوف في قلوب الناس. أجهزة الأمن العربية أجهزة تخريبية، ولم تكن يوما أجهزة أمن بقدر ما كانت أجهزة قمع كسبت سكوت الناس بحد السيف أو فوهة البندقية وسلاسل الاعتقال.

جزء كبير من الدمار الذي لحق بدول عربية ناتج عن ممارسات الأنظمة العربية الهوجاء الظالمة التي ألحقت أذى كبيرا بالناس. إن ممارسات الأنظمة العربية مرعبة وإرهابية، وتزرع الخوف في قلوب الناس. أجهزة الأمن العربية أجهزة تخريبية، ولم تكن يوما أجهزة أمن بقدر ما كانت أجهزة قمع كسبت سكوت الناس بحد السيف أو فوهة البندقية وسلاسل الاعتقال

إن أجهزة القمع العربية هي التي زرعت روح الانتقام والثأر، وبثت الفرقة بين الناس، ومهدت دائما لتكاثر الأحقاد العربية والكراهية والبغضاء. وعندما نتحدث عن الإرهاب فيجب أن نتحدث أولا عن الأنظمة العربية وثانيا عن الكيان الصهيوني.

تفاخر أنظمة عربية بأن الأمن مستتبّ على أرضها، وأن الناس ينعمون ببحبوحة العيش وهدوء الحياة. هذا كذب لأن الناس يبدون صامتين بسبب خوفهم من المخابرات وآلياتها القمعية، إنهم خائفون ولا يشعرون بالأمن لأن النظام ظالم يقهر الناس. ومصر لم تكن حالة منفردة، وأجهزة أمنها أعيت المواطن وأذلته وسلبته راحته وهدوء الحياة.

ما الخلاص؟ إذا كان لنا أن نستدرك الأمور في البلدان العربية وفي مصر بالذات؛ فلا بد من اتخاذ الخطوات التالية:

1- أن يدرك النظام السياسي ظلمه للناس ويعيد صياغة برامجه الأمنية والسياسية، وأن يتوقف عن ملاحقة الناس.

2- يجب ألا نكتفي بالتغني ببعض المبادئ الديمقراطية كذبا على الناس، بل يجب تطبيق هذه المبادئ على الجميع بدون استثناء.

3- لا بد من تطوير برامج تربوية وتعليمية وإعلامية لمكافحة الغلو الديني، وإعادة الإسلام إلى سكته الإسلامية الصحيحة التي أفسدتها تنظيمات لا تعرف الله سبحانه.

4- وقف التطبيع مع الكيان الصهيوني وقطع العلاقات معه، وإلغاء المعاهدات والاتفاقيات التي تم توقيعها معه. وهذا ينطبق بصورة خاصة على مصر والأردن والسلطة الفلسطينية؛ فالكيان الصهيوني غير مقبول جماهيريا، وقبول الأنظمة له يعرض السلم الأهلي العربي للخطر.

5- إقامة العدالة بين الناس تستقطب دائما تعاونهم وتقديرهم وحرصهم على البلاد والمواطنين. ولا توجد عدالة في الساحة العربية، ولهذا توجد لدى بعض الناس رغبة في الانتقام والتخريب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.