عام من الالتزامات المناخية المتجددة

FILE - This July 10, 2008 file photo made with a fisheye lens shows ice floes in Baffin Bay above the Arctic Circle, seen from the Canadian Coast Guard icebreaker Louis S. St-Laurent. In the annual Arctic Report Card, released Tuesday, Dec. 15, 2015 by the National Oceanic and Atmospheric Administration. a record emerged for sea ice, which appears when Arctic Ocean water freezes. If governments are serious about the global warming targets they adopted in Paris, scientists say they have two options: eliminating fossil fuels immediately or finding ways to undo their damage to the climate system in the future. The first is politically impossible _ the world is still hooked on using oil, coal and natural gas _ which leaves the option of a major cleanup of the atmosphere later this century. (AP Photo/The Canadian Press, Jonathan Hayward)

أثارت بداية عام 2017 شعورا بالذعر والارتياع بين حصة متزايدة من سكان العالَم الذين يدركون خطورة التهديد الوجودي الذي يفرضه تغير المناخ. والواقع أن القلق الشديد الذي انتاب الجميع كان واضحا بالفعل في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2016 الذي استضافته مراكش في المغرب، والذي تزامنت بدايته مع انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة.

في ذلك الوقت تكاثرت التكهنات والتساؤلات حول العواقب المترتبة على انتخاب ترمب في الولايات المتحدة والعالَم. ولكن لم يشك كثيرون في أن انتخابه لا يبشر بخير عندما يتعلق الأمر بالتزام أميركا الرسمي بخفض الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي وتخفيف أسوأ التأثيرات المترتبة على تغير المناخ.

على مدار عام 2017، بدأت الإجابات على التساؤلات حول العواقب المترتبة على رئاسة ترمب تتوالى. وقد تبين أنه في حين يشغل ترمب بكل تأكيد المنصب الأقوى في العالَم عندما يتعلق الأمر بإصدار الأوامر بتوجيه ضربات عسكرية، فإن قدرته على دحض الإجماع العِلمي حول تغير المناخ، ومقاومة التحول العالمي إلى الاقتصاد الأخضر، تظل محدودة بعض الشيء.

تبين أنه في حين يشغل ترمب بكل تأكيد المنصب الأقوى في العالَم عندما يتعلق الأمر بإصدار الأوامر بتوجيه ضربات عسكرية، فإن قدرته على دحض الإجماع العِلمي حول تغير المناخ، ومقاومة التحول العالمي إلى الاقتصاد الأخضر، تظل محدودة بعض الشيء

في مراكش، كانت العقبات التي تنتظر ترمب واضحة بالفعل. فقد رُفِضت انتقادات ترمب لاتفاق باريس المناخي لعام 2015 على نطاق واسع، وكررت كل الدول التي حضرت مؤتمر مراكش التأكيد على التزامها بالاتفاق، ووعدت بمواصلة خفض الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، بصرف النظر عن سعي ترمب، أو عدم سعيه، إلى تنفيذ تعهدات حملته الانتخابية بإلغاء اتفاق باريس.

بطبيعة الحال، استهلك التساؤل حول ما إذا كان ترمب سيفي حقا بوعده الانتخابي الأشهر الأولى من عام 2017، في حين توالت فصول مسلسل درامي حقيقي ــ أو بالأحرى مهزلة محلية ــ في البيت الأبيض. فقد قيل إن إيفانكا ابنة ترمب وزوجها جاريد كوشنر يؤيدان اتفاق باريس. ولكن سكوت برويت، مدير هيئة الحماية البيئية وزملاءه من منكري تغير المناخ أقنع ترمب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق.

عندما صدر الإعلان أخيرا في الأول من يونيو/حزيران، كان مخيبا للآمال بكل تأكيد. ولكنه أيضا أعطى زخما جديدا للمهمة المطروحة. ففي غضون ساعات، أعلن حاكم ولاية واشنطن جاي إنسلي: "سمعنا الرئيس وهو يقول إنه يريد رفع راية الاستسلام البيضاء. ونحن راغبون في بث رسالة قوية إلى العالَم: لن نستسلم". وفي الرد على زعم ترمب بأنه "انتُخِب لتمثيل مواطني بيتسبرغ وليس باريس"، أعلن عمدة مدينة بيتسبرغ بِل بيدوتو أن "مدينة الفولاذ" ستتحول إلى تغطية 100% من احتياجاتها من الطاقة باستخدام المصادر المتجددة بحلول عام 2035.

فتح توبيخ ترمب على هذا النحو الصريح من قِبَل بيدوتو الباب لثورة هادئة كانت تختمر في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. فالآن، يشكل بيدوتو إلى جانب 382 عمدة لمدن أخرى في الولايات المتحدة عضوية تحالف رؤساء المدن المناخي، والذي يمثل 68 مليون أميركي. وعلى نحو مماثل، تجمعت 14 ولاية أميركية ومنطقة بورتوريكو التي خربتها الأعاصير لتشكيل التحالف المناخي الأميركي. وكل هذه الولايات والمدن الأميركية ملتزمة بتنفيذ خطة الطاقة النظيفة من عهد باراك أوباما، على الرغم من جهود برويت لإلغائها. وعلى نحو مماثل، تعهدت أكثر من 1000 شركة أميركية بالوفاء بالتزامات أميركا بموجب اتفاق باريس.

ولا يقتصر هذا الاتجاه على الولايات المتحدة. فقد أَكَّد شي جين بينغ رئيس الصين، أكبر دولة منتجة للتلوث بالغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي في العالَم، على التزام بلاده باتفاق باريس، وهو لا يكف عن تشجيع كل الدول الموقعة الأخرى على القيام بالمثل. وفي المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي انعقد في أكتوبر/تشرين الأول، أكد مرة أخرى أن الصين "تجلس في مقعد السائق" لقاطرة التعاون الدولي بشأن تغير المناخ.

وفي يوليو/تموز 2017، وقعت كل حكومات مجموعة العشرين، باستثناء الولايات المتحدة، بيانا يؤكد على أهمية اتفاق باريس وكونه لا رجعة فيه.

وقد ردد هذا الإعلان صدى تصريح مشترك سابق بين الحكومات الألمانية والإيطالية والفرنسية، والذي صدر كرد مباشر على إعلان ترمب في يونيو/حزيران. وفي حين وصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قرار ترمب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق بأنه "مؤسف للغاية"، ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطابا باللغة الإنجليزية حتى لا يسيء أي أميركي تفسيره ــ واصفا القرار بأنه "خطأ بالغ الخطورة".

الأمر الأكثر أهمية أن الحكومات تجاوزت الكلمات وبدأت تخلق الحقائق على أرض الواقع. ففي أكتوبر/تشرين الأول، عملت الهند والاتحاد الأوروبي على تعزيز شراكة تطوير مصادر الطاقة النظيفة سعيا إلى تحقيق أهداف اتفاق باريس؛ وأعلنت كل من نيكاراجوا وسوريا اعتزامها الانضمام إلى الاتفاق، مما يجعل الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي ترفض الاتفاق. منذ انتخاب ترمب صدقت على الاتفاق 66 دولة ــ بما في ذلك أستراليا، وإيطاليا، وإسبانيا، وأيضا المملكة المتحدة، على الرغم من الانقطاع الناجم عن القرار الذي اتخذته بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

ولكن برغم أن تعاظم الدعم الدبلوماسي لاتفاق باريس على هذا النحو يستحق الاحتفال، فيتعين علينا أن نضع نصب أعيننا القضية الجوهرية الماثلة أمامنا: الانبعاثات العالمية من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، ظلت عند مستوى ثابت فعليا طوال السنوات الثلاث المنصرمة. ومن المؤسف أن هذا بعيد تماما عن مستوى التخفيضات الذي نحتاج إليه.

في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في عام 2017 الذي استضافته مدينة بون في نوفمبر/تشرين الثاني، واصلت الصين والاتحاد الأوروبي شغل الفراغ الذي خلفه انسحاب أميركا، من خلال قيادة العمل العالمي في التعامل مع قضية المناخ

إذا كان عام 2017 أوضح لنا أي شيء فهو الدمار الذي ينتظرنا إذا لم نبذل المزيد من الجهد. فبقدر غير مسبوق من الشدة والتواتر، خربت سلسلة من الأعاصير دول الكاريبي، وهيوستن وساحل خليج تكساس، وأجزاء كبيرة من فلوريدا. وفي جنوب أوروبا، وأستراليا، والغرب الأميركي، اجتاحت حرائق الغابات مختلف أنحاء الريف، فحصدت الأرواح وتسببت في إحداث أضرار مادية شديدة. وفي أميركا الجنوبية، وشبه القارة الهندية، ومناطق أخرى، بلغت موجات الحرارة وفشل المحاصيل والفيضانات مستويات الأزمة. وفي القطبين، استمرت الصفائح الجليدية في الانهيار، كما شهدنا الحدث الأكثر درامية المتمثل في تمزق الجرف الجليدي الهائل لارسن سي في القارة القطبية الجنوبية.

للأسف الشديد، يبدو أن ترمب لا يبالي البتة بالحقائق الطبيعية أو الاقتصادية. فعند هذه النقطة، أصبح عدد الوظائف في مجال الطاقة المتجددة في الاقتصاد الأميركي ضعف مثيله في صناعة الفحم، التي يصر ترمب رغم ذلك على محاولة دعمها.

ولكن سواء شاء ترمب أو أبى، يعمل نمو قطاع الطاقة المتجددة على تغيير مسار الاقتصاد الأميركي، بل وأيضا كل الاقتصادات في مختلف أنحاء العالَم. وفي عام 2017، كانت مصادر الطاقة المتجددة أعلى أشكال الطاقة التي تدخل الخدمة؛ كما استمر تسارع التحول إلى السيارات الكهربائية، مع إعلان كل شركات صناعة السيارات الكبرى تقريبا عن خطط للتحول بعيدا عن محركات الاحتراق الداخلي.

في مختلف أنحاء العالَم، أصبح تهديد تغير المناخ محركا رئيسيا للاستثمار في البنية الأساسية.
في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في عام 2017 الذي استضافته مدينة بون في نوفمبر/تشرين الثاني، واصلت الصين والاتحاد الأوروبي شغل الفراغ الذي خلفه انسحاب أميركا، من خلال قيادة العمل العالمي في التعامل مع قضية المناخ. وفي عام 2018، يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد من الأدلة على التأثير الذي يخلفه تغير المناخ، فضلا عن جهود كبيرة لمكافحته.

من المؤكد أن هذه الجهود لابد أن تكون أكبر كثيرا وأعظم طموحا من حالها في الماضي إذا كان لنا أن نتمكن من تلبية أهداف اتفاق باريس. ولكن كما تعلمنا في عام 2017، فإن هذه الأهداف لا تزال في المتناول إلى حد كبير. وسواء شاء ترمب أم أبى فإن التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة أمر لا رجعة فيه، ويدفع زخم هذا التحول جهود التغيير في كل مكان، بما في ذلك الولايات المتحدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.