السيد ترمب في الصين

U.S. President Donald Trump and U.S. first lady Melania visit the Forbidden City with ChinaÕs President Xi Jinping and ChinaÕs First Lady Peng Liyuan in Beijing, China, November 8, 2017. REUTERS/Jonathan Ernst

يقضي الرئيس الأميركي دونالد ترمب ما يقارب أسبوعين في آسيا، حيث يزور اليابان، وكوريا الجنوبية، والصين، وفيتنام، والفلبين. ومن المنطقي أن تكون الصين في قلب هذه الجولة، لأنها تشكل المحطة الأكثر أهمية على الصعيدين الإستراتيجي والاقتصادي.

وستهيمن مسألة كوريا الشمالية على قدر كبير من محادثات ترمب في الصين، ويرجع جزء كبير من السبب في هذا إلى اعتماد ترمب على القيادات الصينية لحل مشكلة كوريا الشمالية لصالح الولايات المتحدة. وهو نهج مفهوم، لأن القسم الأعظم من تجارة كوريا الشمالية يمر بالأراضي الصينية، والصين قادرة على فرض ضغوط هائلة على كوريا الشمالية إذا اختارت ذلك.

قائمة القضايا -التي تُحدث الانقسام بين هاتين الدولتين المهمتين والقويتين (أميركا والصين)- طويلة وصعبة، مما يعزز تشاؤم أولئك الذين يتوقعون أن تزداد العلاقات الثنائية مرارة. وتتلخص إحدى الحجج التي يسوقها المتشائمون في النمط التاريخي الذي تميل بسببه القوى الصاعدة والراسخة إلى التنافس، أو حتى الانزلاق إلى التناحر

ولكن من المرجح أن يخرج ترمب من هناك خائب الرجاء؛ فستقاوم الصين توظيف نفوذها الكامل، خشية أن تقوّض استقرار كوريا الشمالية فتصبح في حال أسوأ نتيجة لذلك.

والمفارقة والمأساة المحتملة في موقف الصين؛ هي أن السماح لكوريا الشمالية بزيادة وتحسين ترسانتها من الأسلحة النووية والصواريخ، قد يغذي الزخم باتجاه الحرب، أو ربما يدفع كوريا الجنوبية، أو اليابان، أو كلا البلدين لإعادة النظر في مواقفهما غير النووية.

وأي من هذه النتائج لا تتفق مع مصالح الصين الإستراتيجية؛ ولكن -كمثل العديد من الحكومات- سيسعى قادة الصين إلى تجنب القرارات الصعبة في الأمد القريب، حتى وإن أدى ذلك إلى عواقب ضارة بمرور الوقت. والحق أن مشكلة كوريا الشمالية ليست سوى واحدة من مشكلات عديدة على الأجندة الأميركية الصينية، وتشمل مسائل جيوسياسية أخرى (أبرزها الوضع في بحر الصين الجنوبي ووضع تايوان).

وهناك أيضا قضايا اقتصادية تحتاج إلى المعالجة، مثل عدم احترام الصين للملكية الفكرية، وإعانات الدعم الحكومية الضخمة التي تقدمها للشركات الموجهة نحو التصدير، والقيود التي تفرضها على إمكانية الوصول إلى السوق، ومطالبتها الشركات الأجنبية بممارسة أنشطتها التجارية بالصين لنقل التكنولوجيا المتقدمة للشركات الصينية.

وبالتالي فإن قائمة القضايا -التي تُحدث الانقسام بين هاتين الدولتين المهمتين والقويتين- طويلة وصعبة، مما يعزز تشاؤم أولئك الذين يتوقعون أن تزداد العلاقات الثنائية مرارة. وتتلخص إحدى الحجج التي يسوقها المتشائمون في النمط التاريخي الذي تميل بسببه القوى الصاعدة والراسخة إلى التنافس، أو حتى الانزلاق إلى التناحر.

يركز كتاب حديث من تأليف غراهام أليسون -وهو عالِم سياسي من جامعة هارفارد– على ما يسمى "مصيدة ثوسيديدس"، نسبة إلى المؤرخ اليوناني القديم الذي أرخ للعلاقات التنافسية التي أدت إلى اندلاع الحرب البيلوبونية بين أثينا وإسبرطة، القوتين العظميين في ذلك العصر. يصور أليسون الصين والولايات المتحدة في هذين الدورين، ويسمي كتابه: "قَدَرُهما الحرب".

مثل هذه التنبؤات لا مبرر لها؛ فهي تستخف بالتأثير الملطِّف للتوتر الناجم عن امتلاك الأسلحة النووية، والذي ساعد لأكثر من أربعين عاما في منع الحرب الباردة -بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي- من التحول إل حرب ساخنة حقيقية.

وهي أيضا تتغاضى عن قدرة الولايات المتحدة والصين على تمويه الخلاف بينهما بشأن تايوان. والدبلوماسية عنصر مهم؛ وأقل القليل من الأمور هو الذي قد يكون لا مفر منه في العلاقات الدولية.

سيتأثر تاريخ القرن الواحد والعشرين -إلى حد كبير- بطبيعة العلاقات الصينية/الأميركية. وسيكون لزاما على ترمب أن يوازن بين شواغله المشروعة بشأن التجارة، وضرورة تجنب الدخول في حرب تجارية، كما يتعين على شي جين بينغ أن يقرر ما الذي يستطيع أن يقدمه لإرضاء زائره الأميركي دون المساس بمكانته

في واقع الأمر، تمكنت الولايات المتحدة والصين من الإبقاء على العلاقات بينهما متوازنة نسبيا، رغم اختفاء الأساس المنطقي الأصلي للعلاقة بينهما (الكراهية المشتركة تجاه الاتحاد السوفياتي) عندما انتهت الحرب الباردة قبل ربع قرن.

وقد أعطت العلاقات الاقتصادية المكثفة -التي تطورت منذ ذلك الحين- البلدين مصلحة حقيقية في الحفاظ على علاقات طيبة. ونظرا لاحتياج الصين إلى الاستقرار الخارجي لمتابعة جهود التنمية الاقتصادية؛ فقد تصرف قادتها بقدر كبير من ضبط النفس.

ولكن مع كل هذا، لا يجوز تجاهل مخاوف المتشائمين. ففي نهاية المطاف، كثيرا ما تفشل الدول في التصرف حسبما يحقق مصلحتها الذاتية، أو ربما تخرج الأحداث عن السيطرة ببساطة. فمثلا، ربما يستسلم قادة الصين لإغراء العمل بشكل أكثر حزما لاسترضاء الرأي العام، في ظل الاقتصاد المتباطئ وانتهاز الفرص التي خلقها انسحاب واشنطن من الاتفاقيات التجارية الإقليمية.

والحق أن المخاطر بالغة، وسيتأثر تاريخ القرن الواحد والعشرين -إلى حد كبير- بطبيعة العلاقات الصينية/الأميركية. وسيكون لزاما على ترمب -الذي يتأرجح بين الانتقادات الشديدة للصين بشأن التجارة وامتداح الرئيس شي جين بينغ- أن يوازن بين شواغله المشروعة بشأن التجارة، وضرورة تجنب الدخول في حرب تجارية.

و يتعين على شي جين بينغ أن يقرر ما الذي يستطيع أن يقدمه لإرضاء زائره الأميركي، دون المساس بمكانته أو مكانة حزبه في نظر الشعب الصيني. ومع ذلك، ستشكل كوريا الشمالية الاختبار الأكبر. ولكن يتعين على ترمب وشي أن يعملا على إيجاد السبيل لنزع فتيل الأزمة التي تلوح في أفق شبه الجزيرة الكورية، أو إدارة العواقب إذا فشلت الدبلوماسية واندلعت الحرب.

ومن الأهمية بمكان -في السيناريو الأخير- منع حرب كورية ثانية من إشعال حرب مباشرة بين الولايات المتحدة والصين، كما فعلت الحرب الأولى. وسيشكّل التعاون ضرورة أساسية لإبقاء السيطرة على المواد النووية في كوريا الشمالية. كل هذا يتطلب دبلوماسية بارعة؛ ولا نملك إلا أن نأمل بإخلاص أن يُرسي ترمب وشي قريبا الأساس لهذه الدبلوماسية البارعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.