نحو مجتمع لـ"آسيان" محوره الناس

Malaysia's Foreign Minister Anifah Aman, Myanmar Minister of State of Foreign Affairs U Kyaw Tin, Thailand Foreign Minister Don Pramudwinai, Vietnam's Foreign Minister Pham Binh Minh, Philippine Foreign Secretary Alan Peter Cayetano, Singapore's Foreign Minister Vivian Balakrishnan, Brunei's Foreign Minister Lim Jock Seng, Cambodia's Foreign Minister Prak Sokhonn, Indonesia's Foreign Minister Retno Marsudi, Laos' Foreign Minister Saleumxay Kommasith and ASEAN Secretary-General Le Luong Minh join hands for a family photo during opening ceremony of the 50th Association of Southeast Asian Nations (ASEAN) Regional Forum (ARF) meeting in Manila on August 5, 2017. REUTERS/Mohd Rasfan/Pool

يسرني أن يأتي أول لقاء لي مع قادة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في لحظة تاريخية: الذكرى السنوية الخمسين لتأسيس الرابطة؛ فخلال هذه السنوات الخمسين تحولت تماما بلادي جمهورية كوريا (كوريا الجنوبية)، وكذا كل آسيا تقريبا. وكان الدور الذي اضطلعت به الرابطة -بتسخير ونشر الدينامية الاقتصادية- أساسيا لنجاح المنطقة.

ولا شك أن "آسيان" كانت صديقا خاصا وعظيم القيمة لكوريا (الجنوبية). ففي العام الفائت وحده قام نحو ستة ملايين كوري بزيارة دول آسيان، سواء من السياح أو رجال الأعمال. ويعيش ويعمل الآن ما يقارب 500 ألف مواطن من دول "آسيان" في كوريا، في حين يعيش ويعمل نحو 300 ألف مواطن كوري في هذه الدول.

وهذا مثال للدلالة على السبب وراء كون العلاقات بين كوريا ورابطة "آسيان" أكثر من مجرد علاقات بين حكومات؛ فقد تعمقت علاقاتنا على نحو شديد الخصوصية والتفرد، عبر تضافر وترابط حياة العديد من الأفراد.

وثيقة "آسيان 2025: سنمضي معا إلى الأمام"، والتي أقرها زعماؤها خلال قمتهم (27 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)، تنص على أن المجموعة تسعى جاهدة لكي تتحول إلى "مجتمع محوره الناس ووجهته الناس"، ويسعى إلى بناء مجتمع الرعاية والمشاركة الذي يتسم بالشمولية، ويعزز رفاهة الناس

لا ينبغي لهذه الحقيقة أن تكون مستغربة. ذلك أن وثيقة "آسيان 2025: سنمضي معا إلى الأمام"، والتي أقرها زعماؤها خلال قمتهم (27 نوفمبر/تشرين الثاني 2015)، تنص على أن المجموعة تسعى جاهدة لكي تتحول إلى "مجتمع محوره الناس ووجهته الناس"، ويسعى إلى بناء مجتمع الرعاية والمشاركة الذي يتسم بالشمولية، ويعزز رفاهة الناس وسبل معايشهم وسعادتهم.

وكانت فلسفتي السياسية الثابتة أيضا هي "الشعب أولاً"، وهي رؤية تتفق مع روح "ثورة الشموع" الكورية التي أنارت وأدفأت شتاء كوريا قبل عام. وتتشاطر كوريا ورابطة "آسيان" فلسفة مشتركة تقدر قيمة الناس، وستحدد هذه النظرةُ المشتركة المسارَ الذي ستسلكه كوريا ودول "آسيان" معاً في السنوات والعقود المقبلة.

منذ عام 2010، قطعت كوريا ودول "آسيان" خطوات كبيرة معا كشركاء إستراتيجيين؛ بيد أن التعاون بين كوريا ودول الرابطة ظل -حتى الآن- يركز أساسا على التعاون بقيادة الحكومات في الشؤون السياسية والأمنية والاقتصادية.

وأنا أعتزم تقديم المساعدة للنهوض بالعلاقات بين كوريا ودول الرابطة، في حين أعطي أولوية قصوى للشعوب: الشعب الكوري وشعوب دول آسيان. وتتلخص رؤيتي في خلق "مجتمع محب للسلام، ومحوره الشعوب، حيث تصبح كل الدول الأعضاء في حال أفضل"، بالتعاون مع "آسيان". ويمكن تلخيص هذا في ثلاث كلمات: "الناس، والرخاء، والسلام".

ولتحقيق هذه الرؤية، سنواظب على "دبلوماسية محورها الشعوب". وعلى هذا؛ فمن الآن فصاعدا سيتطور التعاون بين كوريا و"آسيان" على النحو الذي يحترم الرأي العام في كل شعوب رابطتنا، ويكتسب دعمها، ويدعوها إلى المشاركة المباشرة الفاعلة.

ولتحقيق هذه الغاية، واحتفالا بالذكرى السنوية الخمسين لتأسيس رابطة "آسيان"؛ اعتبرنا هذا العام "عام التبادل الثقافي بين كوريا ودول آسيا"، وعملنا بقوة على الترويج لأشكال التبادل الثقافي والشعبي.

وفي سبتمبر/أيلول الفائت، افتُتِح البيت الثقافي لدول "آسيان" بمدينة بوسان الساحلية في كوريا. ويُعَد هذا البيت الثقافي الأولَ من نوعه الذي يُفتتح في دولة شريكة في حوار رابطة "آسيان"، ومن المتوقع أن يعمل باعتباره مركزا للتبادلات الثقافية والشعبية بين كوريا ودول "آسيان".

ولن تدخر الحكومة الكورية جهدا لتوسيع نطاق هذه التبادلات، وخاصة بين الشباب الذين سيقودون العلاقات بين كوريا ودول آسيا في المستقبل.

ينبغي لنا أن نعمل على بناء مجتمع السلام حيث يعيش الناس في أمان؛ فنحن في آسيا نواجه جميعا التهديد الذي تفرضه الأسلحة النووية والصواريخ في كوريا الشمالية، فضلا عن التهديدات الأمنية غير التقليدية، بما فيها الإرهاب، والهجمات السيبرانية على أعمالنا، وبنيتنا الاجتماعية والمدنية، ومؤسساتنا الرسمية

ينبغي لنا أن نعمل أيضا على بناء مجتمع السلام حيث يعيش الناس في أمان؛ فنحن في آسيا نواجه جميعا التهديد الذي تفرضه الأسلحة النووية والصواريخ في كوريا الشمالية، فضلا عن التهديدات الأمنية غير التقليدية، بما فيها الإرهاب، والتطرف العنيف، والهجمات السيبرانية على أعمالنا، وبنيتنا الاجتماعية والمدنية، ومؤسساتنا الرسمية.

وستسعى الحكومة الكورية جاهدة لضمان تمكين شعب كوريا وشعوب دول آسيا من الحياة في سعادة وأمان، وهذا يعني التعاون مع كل دول رابطة "آسيان"، على المستوييْن الثنائي والمتعدد الأطراف، للتغلب على التحديات الأمنية التي نواجهها جميعا.

وأخيرا، سأسعى جاهدا لتعزيز الرخاء المتبادل الذي يستفيد منه المواطنون في دول "آسيان" وكوريا. ولضمان استدامة التعاون الذي يتمحور حول الناس؛ يتعين على دول المنطقة كافة أن تنمو وتتطور معا. ذلك أن تشييد بنية الرخاء المشترك والمتبادل يتطلب خفض الحواجز الإقليمية وبين الحدود الوطنية، لتسهيل تدفق السلع وتعزيز التفاعل بين الشعوب. وباختصار، لا بد من أن تكون دينامية "آسيان" مرتبطة الآن بشموليتها.

ولهذا السبب، لن تدخر كوريا جهدا في دعمها "الخطة الأساسية للتواصل بين دول آسيان 2025″، و"مبادرة التكامل بين دول آسيان"، وكل منهما تدعو إلى تعزيز التواصل بين اقتصادات آسيان ومواطنيها. وسنعمل أيضا على تسريع وتيرة المفاوضات الخاصة بمواصلة تحرير اتفاق التجارة الحرة بين كوريا و"آسيان"، من أجل تمهيد الطريق أمام نمو أكثر تحررا وشمولا في المنطقة.

الآن تستعد بلادي كوريا لشتاء "ساخن" آخر: الألعاب الأولمبية والبارالمبية الشتوية في بيونغ تشانغ، والتي ستنعقد في فبراير/شباط 2018. وتركز تحضيراتنا على ضمان قدرة هذه الألعاب على تسليم رسالة للمصالحة، والسلام، والتفاهم المتبادل، والتعاون في مختلف أنحاء العالَم.

وأنا أدعوكم بكل سرور لاكتشاف شتاء سلمي ومبهج في بيونغ تشانغ، وتجربة الدينامية التي تجتاح كوريا ودول رابطة "آسيان"؛ فلا تفتكم الفرصة للتعرف على القواسم المشتركة بين كوريا ودول "آسيان" والاستمتاع بها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.